الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية

ثمة وقائع وصلت الى حد الثوابت في معرض تأثير الحراك الطلابي في الرأي العام.

لطالما شكل الحراك الطلابي في مختلف دول العالم وقضاياه، اثرا عميقا في تغيير مظاهر الرأي العام، وصولا الى ما يشكل قواعد عامة لترسيخ قواعد التغيير في السلوكيات السياسية والاجتماعية لدى صناع السياسات العامة وأصحاب القرار.

فالحركات الطلابية في مختلف نطاقات تواجدها الأيديولوجي والفكري والسياسي، تشكل حجر الرحى لأي دفع نحو التأثير في الرأي العام، وتشكيل البيئات الضاغطة القادرة على تحريك ديناميات التغيير، ويعود ذلك الى العديد من الأسباب المتصلة بطبيعة هذه الفئات وقدراتها النوعية في التأثير والتغيير.

فجماعة الطلبة، تعتبر فئة شابة وطموحة، وثورية الميول وغالبا ما تجنح نحو التطرف في التعبير عن التغيير. ففئة طلاب الجامعات على سبيل المثال، تشكل فئة واسعة الانتشار في القضايا والمجالات السياسية والاجتماعية، فهي الأكثر عددا، والأكثر حماسا، والاقل احتسابا لتداعيات أي عمل، ونظرا لكقرة اعدادها كفئة عمرية في المجتمعات تبقى الأكثر حيوية في التعبير عما تريد وعما ترفض، وعما تدعم او تعترض، وبذلك تمتلك مراوح واسعة من الخيارات والرؤى والأساليب المتنوعة التي تناسب وتتفاعل مع طروح تجمع في بعضها تناقضات وتباينات كثيرة.

والحركات الطلابية بهذا المعنى، هي الفئة الأكثر جذبا للأحزاب والتيارات السياسية، وهي عصب أي حراك تقوم به أي فئة، فهي سريعة التجاوب لأي شعار، باعتبارها تمتك صفة الاندفاع، وتعتبر ما تؤمن به وما تعتقده صوابا يستحق الاندفاع دون النظر لأي خطورة محتملة، وهي فئة تتعاطى مع الأمور وطريقة التعبير عنها بأساليب تعتبرها محقة وتؤمن لهم الوصول الى الأهداف المبتغاة.

كما ان هذه الفئة الاجتماعية، غالبا ما تنفصل عن واقعها الطلابي، لتنخرط بمسارات سياسية ثورية، تصل الى حد الانتفاض على الواقع النظمي لمجتمعاتها، فمن السهل مثلا تحول الحراكات المطلبية المهنية او التعليمية لقضايا تغييرية متعلقة بالنظام السياسي، حيث تعمل هذه الفئات بسرعات غير مدروسة او محسوبة النتائج، التي تصل في كثير من الأحيان خروجها عن السيطرة وبالتالي افلات الأمور من عقالها وضوابطها المفترضة.

كما ان لهذه الفئة صفة الانتشار والتوسع السريع في القواعد الحزبية والتنظيمية، وهي قادرة في كثير من الأحيان رغم عدم انضباطها، القدرة على التأثير في موقع القرار الذي ينظمها، وبالتالي لها القدرة على الدفع في اتجاهات لا تعبر بالضرورة عن قياداتها وبرامجها وشعاراتها وطرق العمل بها، وبالتالي القدرة على كسر الكثير من القواعد والأسس التي ينبغي في الأساس الالتزام بها.

لقد تمكنت الكثير من الحركات الطلابية في مختلف البيئات، من فرض متغيرات مؤثرة في السياسات والقرارات وفي الكثير من الأحيان كان لها الدور المؤثر في الثورات وتغيير الأنظمة، وكسر سياسات دولية وتحالفات ذات اوزان مهمة في العلاقات الدولية، وبعضها بمستويات استراتيجية.

وتنطلق اليوم حراكات طلابية واسعة في مختلف الجامعات الأميركية، كتعبير عن رفض للسياسات الأميركية تجاه القضية الفلسطينية وما يجري من حرب في غزة، اذ سرعان ما انتشرت وتوسعت هذه الاحتجاجات لتشمل جامعات أوروبية واسيوية وافريقية، ولتأخذ طابعا ملفتا في مستوى التأثير في تأليب الرأي العام العالمي، في محاولة للضغط على صانعي السياسات الخارجية الأميركية.

وفي الواقع ثمة سابقة سجلت للحركة الطلابية في الولايات المتحدة، لجهة قدرتها في التأثير والتغيير حتى في القضايا الاستراتيجية الدولية التي تنتهجها الولايات المتحدة، ومثال ذلك الدور الفعال الذي لعبته الحركة الطلابية الأميركية في التأثير لإنهاء الحرب الأميركية في فيتنام منتصف سبعينيات القرن الماضي.

وفي قراءة سريعة للحركة الطلابية الأميركية، تظهر نشاطا فعالا ومؤثرا في العديد من المناسبات التي تحركت فيها، فكان لها دور مؤثر وحاسم في مناهضة التمييز العنصري في المجتمع الأميركي، حيث نظمت الاحتجاجات في العديد من الجامعات المرموقة، ويشهد ان جرى صدامات بين الطلاب المحتجين والشرطة التي سقط فيها ضحايا أواسط ثمانينيات القرن الماضي؛ كما يسجل للحركة الطالبية الأميركية الحراك القوي ضد سياسات الفصل العنصري في جنوب افريقيا، علاوة على العديد من السياسات المختلفة في غير مكان من العالم.

ان سرعة انتشار الحراك الطلابي في الولايات المتحدة، وفي الجامعات المرموقة خاصة، لهو تعبير واضح في تغير المزاج الشبابي في الولايات المتحدة، ويعبر عن ميل واضح نحو المشاركة في رسم السياسات العامة الخارجية التي تعتبر منطقة يصعب الاقتراب منها بشكل عام، وبخاصة في بعض الملفات المتصلة بعلاقات واشنطن الاستراتيجية مع إسرائيل على سبيل المثال لا الحصر.

وبصرف النظر عن حدود ومدى التأثير للحراك الحالي في رسم سياسات خارجية أميركية مغايرة للقائمة حاليا، ثمة مؤشرات واضحة على هذا التأثير في الرأي العام الأميركي والدولي، الذي من الممكن ان يسهم بصور ومواقف مغايرة.

ثمة وقائع وصلت الى حد الثوابت في معرض التأثير في الرأي العام، تثبت ان للحراك الطلابي أينما وجد وكيفما انطلق سيؤثر بشكل او بآخر على إعادة التموضع لسياسات متجددة، تعيد صورا كثيرة من التوازنات المرغوبة والمطلوبة في المجتمع الأميركي.