تونس تراهن على حرية المرأة لنصرة المشروع الوطني

نحو إدخال حقوق المرأة في نمط المجتمع

تراهن تونس وهي تحيي اليوم العالمي للمرأة على حرية نسائها لنصرة المشروع الوطني وتعميق التحديث الاجتماعي والسياسي وحماية مدنية الدولة والشأن العام في مواجهة مشروع الإسلاميين الذي يستنقص من مكانتها وثقلها في الحياة العامة.

وتقول الجمعيات النسوية والقوى السياسية المدنية الديمقراطية إن حرية المرأة التي اكتسبتها طيلة أكثر من نصف قرن تبقى مهددة من قبل الإسلاميين ما لم تحسم المعركة نهائيا خلال الاستحقاقات القادمة لفائدة المشروع الوطني المدني.

وأظهرت قائمات المرشحين للانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في 6 مايو/ايار القادم أن الأحزاب الديمقراطية ركزت على استقطاب أكثر ما يمكن من الكفاءات النسائية لا فقط انسجاما مع مبدأ التناصف الذي ينص عليه القانون ولكن أيضا من خلال رئاسة القائمات.

وتقود الجمعيات النسوية الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة خلال هذه الفترة جهودا لحث التونسيات على منح أصواتهن لقائمات الأحزاب الديمقراطية في مسعى إلى قطع طريق الحكم المحلي أمام حركة النهضة.

وخلال الفترة الماضية حمل برهان بسيسي المكلف بالشؤون السياسية داخل حزب نداء تونس، الشعب التونسي مسؤوليته خلال الانتخابات البلدية بين اختيار نصرة مشروع التحديث الاجتماعي والسياسي ومدنية والدولة وبين مشروع الإسلام السياسي ممثلا في النهضة.

وترى الجمعيات النسوية أن تجربة المرأة التونسية تعد تجربة متفردة في المنطقة العربية حيث تتمتع بقانون للأحوال الشخصية يمنع تعدد الزوجات وينص على عقد الزواج المدني إضافة إلى مكاسب أخرى منها تنصيص الدستور على المساواة وحرية الضمير.

غير أن تلك الجمعيات ترى أن حرية المرأة وحقوقها السياسية والمدنية وحتى حقوقها الاجتماعية والاقتصادية تبقى مرشحة للتهديد في ظل تمسك الإسلاميين بمشروعهم الذي لا يستهدف فقط مبدأ الحرية وإنما ايضا مدنية الدولة ومدنية الشأن العام.

وتقول سامية بن عمار وهي ناشطة ضمن "جمعية النساء الديمقراطيات" إن "المرأة التونسية ستبقى حصنا منيعا ضد مختلف الجماعات الإسلامية بما فيها حركة النهضة التي تسامحت مع متشددين فرضوا على العشرات من النساء ارتداء النقاب".

وتضيف بن عمار لمراسل ميدل ايست أونلاين "إن حرية المرأة تتجاوز المفهوم التقليدي الاجتماعي وتتصل بمدى القضاء على العقلية الذكورية التي تستنقص من مكانة النساء ودورهن في مختلف المجالات في إطار المساواة الكاملة".

وتمثل المرأة، وفق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نحو 48 بالمئة من الجسم الانتخابي وهو ما يؤهلها لأن تكون قوة انتخابية قادرة على حسم نتائج الاقتراع البلدي.

وخلال الانتخابات الرئاسية العام 2014 هبت أكثر من مليون امرأة إلى صناديق الاقتراع لتحسم النتائج لصالح الرئيس الباجي قائد السبسي على حساب منصف المرزوقي، مرشح الإسلاميين.

ولا تخفي قيادات النداء رهانها على المرأة لحسم نتائج الانتخابات لفائدة الحزب العلماني وهي تقدر عدد الناخبات المناصرات له بأكثر من مليون و300 ألف ناخبة.

ويرى مراقبون أنه في حال فوز النداء بنتائج الانتخابات البلدية وتشكيل مؤسسات حكم محلي ممثلة تمثيلا قويا للمرأة فإن ذلك من شأنه أن يعيد رسم الخارطة السياسية في جهات البلاد خاصة بعد إشارات النداء بأنه عازم على مراجعة علاقاته بالنهضة.

ويرى عبد الرحيم الماجري الأخصائي في علم الاجتماع والأستاذ بالجامعة التونسية أن "مسألة حرية المرأة وبحكم تراكم التجربة الوطنية تأخذ معنى خصوصيا لا ينحصر فقط في ممارسة حقوقها ومكاسبها وحرياتها العامة وإنما تتعدى ذلك إلى نوعية نمط المجتمع".

ويضيف الماجري لمراسل ميدل ايست أونلاين قائلا "لقد تحولت حرية المرأة على امتداد أكثر من نصف قرن إلى رمز هوية مشروع التحديث الاجتماعي والسياسي ومدنية الدولة" لافتا إلى أن أي "حزب لم يدرك هذه الخصوصية التونسية بالمقارنة مع عدد من المجتمعات العربية لن يتمكن من كسب أصوات الناخبات".

وخلال السنوات الثلاثين الماضية نشأ جيل جديد من النساء التونسيات مستفيدا من الانفتاح الاجتماعي ومن رعاية الدولة المدنية لحرية المرأة وهو جيل يكاد يكون قطع مع منظومة قيم الثقافة التقليدية ليتبنى قيما ليبرالية علمانية ترفض أي شكل من اشكال الوصاية على الفكر.

ويرى مراقبون أن مساحات الحرية التي تتمتع بها المرأة التونسية والفتيات بصفة خاصة يمكن أن تعد مؤشرا على نوع من "الثأر" ضد العقلية الذكورية والأبوية التقليدية.

وعلى الرغم من تلك المكاسب تعتبر المنظمات النسوية أن المرأة التونسية ما زالت تواجه العديد من التحديات منها المساواة التامة بما في ذلك المساواة في الإرث وحقها في الارتباط بالزوج الذي تختاره إضافة إلى عدد من الانتهاكات للحقوق خاصة منها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية حيث تتعرض للعنف والاستغلال.

وتظهر المؤشرات الرسمية أن تونس تشهد نشأة طبقة سياسية نسوية مدنية أكثر تحررا من الأجيال السابقة ينحدر 66 بالمئة منها من فئات الطبقة الوسطى.

وترى زهرة بن حميدة الناشطة ضمن الاتحاد العام لطلبة تونس "إن المرأة التي اكتسحت مواقع القرار لا فقط في العاصمة تونس والمدن الكبرى بل أيضا في الجهات الداخلية بدأت في تشكيل قوة اجتماعية وسياسية اشد تمسكا بحريتها وبممارسة حقوقها وهي اليوم حصن ضد الإسلاميين".

وتضيف بن حميدة لمراسل ميدل ايست أونلاين "إن السلاح الأكثر نجاعة لمواجهة الإسلاميين ونصرة المشروع التحديثي والدفاع عن مدنية الدولة الذي يجب أن يعيه السياسيون يتمثل في مزيد من فتح آفاق الحرية أمام المرأة والانفتاح عليها".