طائفيون عابرون للطوائف! كيف؟

السؤال هو: كيف يمكن أن يكون المرء لا طائفيا فيما تتقدمه طائفته لتعرف به وتزكيه وتحميه إن لزم الأمر؟

معادلة لا يمكن أن تستقيم إلا من خلال منظار الشيوعيين العراقيين.

في العراق هناك الكثير من الاباطيل التي يُجرى تقديمها على أساس كونها حلولا لمشكلات ذلك البلد الذي انتشرت فيه الخرافات فتمكنت من الناس فيما مثقفوه يعانون من انفصام لا أعتقد أن علاجه يسير.

وإذا كان المشهد في العراق يفتقد إلى المثقف الجذري بالمعنى الذي يقدم تعريفا لمبدأ العراقية الخالصة بكل ما يمكن أن تتميز به من نزاهة وعفة واباء وكرامة وطهر ورؤية ثاقبة وتمسك بالثوابت الوطنية التي لا تقبل اللبس فإن المثقف الذي يعي ضرورة استقلاله وحرية موقفه هو الآخر غائب.

لقد نجح سياسيو القطيع في تطبيع أحوالهم شعبيا. صار المشهد برمته لهم. ما من حل للمسألة العراقية يمكن الأخذ به إلا إذا كان يستجيب لغرائزهم الهمجية في النهب والسلب والقتل واغتصاب الحقوق.

نجح أولئك السياسيون في تلغيم المجتمع طائفيا. لذلك فإن من يزعم أن الطائفية في العراق هي طائفية سياسية انما يمارس نوعا من الافتراء على الحقيقة. فالطائفية في العراق اتخذت ومنذ سنوات طابعا اجتماعيا وثقافيا عميقا. ولو لم يكن الأمر كذلك لما نجح السياسيون في سن الكثير من القوانين ذات البعد الطائفي.

لقد هُدمت مدن وقُتل الآلاف من سكانها ولا تزال الملايين من العراقيين تقيم في مخيمات النزوح وتبنت الدولة ميليشيات طائفية خارجة على القانون، تلاحق زعماءها شبهات القتل. كانت الشعارات الطائفية مرفوعة ولا تزال في ظل صمت جماعي هو بمثابة عار وطني.

المثقفون الشيوعيون والليبراليون الذين شكروا بوش وبلير على نعمة الغزو لم تصدر عنهم كلمة واحدة احتجاجا على ما جرى للفلوجة (على سبيل المثال) من فجائع وهم يعلمون أن ما جرى هناك لا يعدو عن كونه انتقاما طائفيا.

لنترك المثقفين جانبا ونذهب الى الشعب الذي يُقال إنه لا يحفل بالطائفية.

الملايين التي تحيي شعائر المظلمة التي تعرض عليها الامام الحسين قبل أكثر من ألف سنة لم لا يدفعها الظلم الذي تتعرض له يوميا إلى الخروج إلى الشوارع مطالبة بالعدالة. ما الذي يمنعها من القيام بذلك؟

ببساطة لأن تلك الملايين التي خُدرت طائفيا تخشى أن يؤدي تحركها إلى ضياع الفرصة التاريخية التي تحققت من خلال حكم طائفي، قيل إنه لم يقم منذ ألف واربعمئة سنة. وهي واحدة من أكثر الأكاذيب فجاجة وتزويرا للتاريخ.

يقبل العراقيون بكل ما يتعرضون له من تجهيل وافقار واستغباء واستغفال واغتصاب للحق وتمريغ لإنسانيتهم وكرامتهم في الوحل مقابل أن يبقى نوري المالكي وسواه من لصوص الطبقة الحاكمة في السلطة رافعين رايات الحسين السوداء.

من ذلك الركام الرمادي تخرج الان أصوات تنادي بعبور الطوائف.

في ذلك النداء الكثير من السخرية من الزمن. فالتوقيت يكشف عن نزعة نفعية يُراد من خلالها امتصاص شعور الشعب بالقرف والغثيان من الخطاب الديني واستغلاله انتخابيا. وبذلك يتم توجيه الغضب الجماهيري إلى الموضع الذي يضفي من خلاله على الوضع السياسي القائم شرعية مضافة.

فحين يتحالف الشيوعيون وسواهم من حملة الدعوة الى قيام دولة مدنية مع تيار ديني يقوده مقتدى الصدر ألا يعد ذلك اعترافا علنيا بشرعية وجود ذلك التيار الديني ــ الطائفي وسواه من التيارات والجماعات والأحزاب التي تنضوي تحت لافتة الإسلام السياسي؟

بهذا المعنى فإن العابرين للطوائف يتحالفون مع الطائفيين في خطوة انتهازية ينبغي أن يشعر الكثيرون ممن لا يزالون يملكون أملا في استعادة مدنية المجتمع العراقي ازاءها بالتقزز.

لو أن أولئك الانتهازيين كانوا حريصين على أن يكاشفوا الشعب بالحقيقة لما شاركوا في انتخابات تتم على أساس طائفي ولدعوا الشعب إلى مقاطعتها بحثا عن حل آخر يُخرج العراق من ثقب الفساد الأسود.

اما أن يشاركوا في تلك الانتخابات طمعا في الحصول على كراس قليلة بمجلس النواب الذي هو محفل طائفي فإنهم يقرون بحقيقة أن العراق، شعبا ودولة، حاضرا ومستقبلا سيبقى رهينة في أيدي اللصوص وتجار الطائفية.