الأميرة سالمة والضفدع ذوالأرجل القصيرة

ضفادعٌ في ظلماء ليل تجاوبت؛ فدلّ عليها صوتها حية البحر

اقترب الضفدع منها قائلاً: ألم تعديني أن أنام في سريرك؟ نظرتْ إليه وصرخت: وأنت ألم تعدني بالقفز معي بعيداً عن هذا الأسر؟

قذفته بعيداً وبقوة في الحائط مرددة: اتركني وشأني. لكنها سمعت الضفدع وهو يتألم والدم ينبثق من رأسه، فأخذتها الشفقة وطلبت منه أن يسامحها قائلة: لقد أحببتك، ولكنني انتظر منك أن تكبر، أن ترتفع لتكون الأطول، أن يسقط جلدك القبيح، أن تعود شاباً جميلاً كما وعدتني، أن تتحرر من التعويذة، وتحررنني من الأسر.

ابتسمت له في أدبٍ ووداعةٍ ورقة، وجلست بجوار الحائط تنتظر قفزة الضفدع ذي الأرجل القصيرة .

هكذا كانت الأميرة التي كانت تحب اللعب بكرتها الذهبية ولَم تخف من البئر العميق الحالك الظلام، ولم تتحاش يوماً اللعب بجواره.

هي أميرة من أميرات ديزني وعالم الأطفال، تشبه إلى حد كبير أميرات الشرق، والشرق فقط. وأن أغلب مَنْ أحببن من الرجال يشبهون ذاك الأمير الذي حولته الأسطورة إلى ضفدعٍ، لكنه بخلاف القصة لم يخرج من التعويذة ولم يتمكن من القفز يوماً، وظلت الأميرة تنتظر .

هذه القصة سنعيد قراءتها معاً على هامش الْيَوْمَ العالمي للمرأه، وفي ظل الإصلاحات التي تعد بها السعودية تجاه تعديل وضع المرأة. مع العلم أنني هنا لست بصدد التقليل من شأن الرجل ولا توجيه أي اتهامٍ للذكورية.

فقط شغلتني فكرة ماذا جنت النساء العربيات عندما ارتدين أثواب الأميرات وتيجان الملكات، هل استطعن الخروج من الأسر والنفق المظلم؟

خاصة ان النساء مهما ارتدين فهن الحلقة الأضعف في التاريخ العربي، والزاوية الأعتم في تاريخ الشرق كله .

فهل من الصدفةِ أن يبدأ الصراع في الجاهلية بين أولوا الشرف الحقيقي من العرب، بني هاشم، ومخزوم، وبني زهرة، وبين ما اشتهر بالعهر والزنا، عبد شمس، وهذيل، وسلول؟

وهل من الصدفة أن نماذج من الملكات العربيات اختفت أمثال زنوبيا، وأروى بنت أحمد، وولادة بنت المستكفي، و شجرة الدر؟

نعم، إنها المجتمعات الهشة، والتي تمتلأ آباراً أغلبها بلا ماء، ولم يفكروا يوماً بهدمها .

مجتمعات تُجزؤها الرفاهية لتكون بلا هوية، ويصبح الشرف لديها بلا مبدأ، وبلا هوية، فقط يُراق على جوانبه الدّمُ .

ففي الدروب المبتورة الرؤي، تصبح العاقبة مجهولة، ونظل نرى الدماء تلون أوراق التاريخ.

فتموت كثيرات من الأميرات، اذا شربن من البئر المحرمة، وتحق عليهن العقوبة المشددة، وننسى طفولتهن وضحكاتهن، بل ولا نُحاسَب أنفسنا لماذا لم نردم البئر؟ وتظل العدالة أن نتحول لقتلة وطغاة .

فيا من تتحدثون عن العدالة والشرف، إن البدايات الظالمة لا تنتج إلا ظلماً. ألا يمكن أن نفكر بطريقة أخرى بعيداً عن إعدام الأميرة؟

تاريخ العائلات الحاكمة مليء بالقتل باسم قدسية العائلة الحاكمة، ومنهن من سُجن وحُرم من الحياة انتقاماً وتشفياً لمواقفهن الخاصة.

فكيف الخروج من الطريق المسدود؟ وكيف تعود الأميرة سالمة دون أن تهرب، أو تقتل؟

وكيف لا تُضطر أن تعيش بين عالمين فتتحول سالمة إلى إميلي؟ نعم إنها الأميرة سالمة إحدى القصص الواقعية لأميرة عربية تحولت بفعل البئر المحرم إلى إميلي روته.

هي سليلة عائلة البوسعيدي التي حكمت سلطنة عمان وزنجبار في أواخر القرن الثامن عشر إلى ما بعد ستينيات القرن العشرين، أحبت أحد التجار الألمان وهربت معه إلى ألمانيا وتزوجته وغيرت اسمها .

سالمة التي ورثت قوة الإرادة وصلابة العزيمة، فكانت كثيرة النشاط، جمة الحيوية، عنيدة في رأيها، مولعة بالإتيان بالغريب من الأمور، كيف تحولت تلك الطفلة السعيدة لابنة سلطان جزيرة التوابل، والتي اهتم بها أخوها غير الشقيق (ماجد) بتعليمها الفروسية، والرماية، والقراءة والكتابة ولغات أجنبية، إلى صاحبة مغامرات سرية وغير معترف بها جعلتها على طريق هامبورج في حمل غير شرعي، فكان المخرج الهرب والزواج والمسيحية؟

وفِي ألمانيا أولتها الحكومة بعض العناية والاهتمام حتى تهيأ لها الحصول على لقب برنسيسة، واستغلت وجودها لتستخدمها كأداة في التنافس الاستعماري على أفريقيا.

هكذا عاشت الأميرة العربية حياتها كأسطورة من ألف ليلة وليلة، وكان ذلك العشق الممنوع الذي عرض حياتها للخطر، فاستبدلت حياة القصر عالماً ذاقت فيه مرارة الغربة، وفقدان النصير، وفارقت للأبد عبق جزيرة التوابل، وهدير المحيط الهندي .

معبرةً عن ذلك في مذكراتها "رسائل إلى الوطن".

"لقد غادرت وطني وأنا عربية خالصة، ومسلمة ملتزمة، وماذا أنا الْيَوْمَ؟ مسيحية غير ملتزمة، وأكثر قليلاً من ألمانية".

واكتفت من عشقها لوطنها بكيسٍ من الرمال الصغيرة جلبته معها من ساحل الجزيرة في آخر زيارة لها ١٨٨٨، والذي أوصت أن يُدفن بجوارها، وأن يُكتب على ضريحها عبارة الأديب الألماني تيودورد فونتانه: "مخلص من أعماق قلبه من يحب وطنه مثلك".

انتهت قصتي الواقعية والتي تشترك كثيراً مع تلك الخيالية بخيوط مشتركة أهمها :

العالم الغريب جداً الذي نظل نحن العرب نتعامل معه على الحياد فقط، والمشاعر الأغرب منه، واليأس الذي فد يصل لأبعد الحدود، والدواء الذي كثيراً ما يكون مُرًّا بل وقبيحاً لأبعد من ذلك وذاك .

فمتى نربي نساءنا ألا ينتظرن الضفادع أبداً وأن يفهمن وينتبهن أن الأسطورة القديمة وحدها تقول إن الضفادع سقطت من السماء مع المطر، إلا إن الحقيقة تقول: إن أسنانها صغيرة، ولسانها كثير الحركة يجعلها تقذف الأشياء بسرعة، وأنها تغير جلدها مع الرطوبة والضوء ودرجة الحرارة، وأنها لا تعرف السماء بل تعيش تحت الأرض، وتغادر أماكنها في موسم المطر .

ضفادعٌ في ظلماء ليل تجاوبت؛ فدلّ عليها صوتها حية البحر.

وعلينا أن نعلم جيداً أن أميراتنا العربيات بخلاف ما نظن، أنهن محبات للمغامرة والخيال، يرفضن الروتين، ولا ينال الزمن من حبهن ولا قوتهن شيئا.

لذا علينا أن نعترف بضرورة تغيير التركيبة الأدبية والثقافية لمجتمعاتنا، ولنعلم أن المستوى الأخلاقي مرتبط بالتنمية السياسية والتركيبة الاجتماعية، وان الأميرات والملكات لسن مجرد تيجان بل صناعة وكفاءة وثقافة وإرادة حرة .

وألا نخف من الأبواب المفتوحة، فالمغلقة أشد خطورة، ولنعترف أن في العالم المدهش والغريب مساحاتٍ مفتوحة تملؤها الأحلام، وخطوط كثيرة تثور على المستقيمات.