اجماع دولي حول مسؤولية موسكو في افشال هدنة الغوطة

سجال بين موسكو وواشنطن في مجلس الأمن

نيويورك - شهدت جلسة مجلس الأمن الدولي الاثنين في نيويورك حملة اتهامات عنيفة ضد روسيا تولتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي حملت موسكو مسؤولية عدم التقيد بوقف اطلاق النار في سوريا، فيما دافعت روسيا بشدة عن الهجوم العسكري السوري على الغوطة الشرقية ملتمسة الأعذار لنظام الرئيس باشر الأسد في مواصلة أعنف حملة عسكرية على المنطقة المحاصرة بدعوى \"حقها في حماية مواطنيها من الإرهاب\".

وندد السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا خلال هذه الجلسة بـ\"المآخذ التي لا تنتهي ضد روسيا\"، مشيرا إلى أن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي أوردت اسم روسيا \"22 مرة\" والسفير الفرنسي \"16 مرة\" والسفير البريطاني \"12 مرة\"، في كلماتهم التي سبقت كلمته.

ويأتي اجتماع مجلس الأمن الاثنين في اطار متابعة تنفيذ قرار مجلس الأمن 2401 الذي تم التصويت عليه بالإجماع في الرابع والعشرين من فبراير/شباط.

ودعا القرار الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش إلى تقديم تقرير \"خلال 15 يوما\" حول ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا لمدة شهر.

واتفق كل السفراء الذين تعاقبوا على الكلام الاثنين على القول إنه لم يتم التقيد بوقف اطلاق النار. ويأتي اجتماع مجلس الأمن الاثنين بعد مرور 16 يوما على صدور القرار 2401.

واعتبر السفير الفرنسي فرنسوا ديلاتر في كلمته أنه \"بإمكان روسيا وقف اراقة الدماء\"، مضيفا \"نعلم أن روسيا استنادا إلى نفوذها لدى النظام ولمشاركتها في العمليات، قادرة على إقناع النظام عبر ممارسة كل الضغوط اللازمة بوقف هذا الهجوم البري والجوي\" على الغوطة الشرقية.

وقالت هايلي إن روسيا شنت \"20 عملية قصف على الأقل يوميا في دمشق والغوطة الشرقية في أول أربعة أيام بعد تبني القرار\".

وأضافت أنه بمواجهة عدم التقيد بوقف اطلاق النار ونتيجة تصرفات روسيا والنظام السوري \"حان وقت التحرك\"، معلنة عن مشروع قرار جديد يتضمن الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في سوريا.

واعتبرت هايلي مشروع القرار \"بسيطا وملزما ولا يتيح المجال أمام أي التفاف\" عليه، إلا أنها لم تحدد متى سيعرض على مجلس الامن للتصويت عليه.

هايلي والثغرة

واتهمت هايلي موسكو بأنها \"استغلت وجود ثغرة\" في قرار مجلس الأمن الأخير الذي تضمن استثناءات لوقف اطلاق النار عبر السماح بمواصلة ضرب \"المجموعات الإرهابية\" ومن يواليها مع العلم حسب هايلي أن موسكو ودمشق تعتبران كل الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية \"إرهابية\". وخلصت السفيرة الأميركية إلى القول بأن لا روسيا ولا سوريا \"كانتا تنويان تطبيق وقف إطلاق النار\" قبل أن تتساءل \"هل باتت روسيا أداة بيد بشار الأسد والأسوأ بيد إيران؟\".

وردا على هذه الاتهامات اعتبر السفير الروسي أن هذه المواقف تترجم \"خطا سياسيا لا تحركه الاعتبارات الانسانية\"، في اتهام ضمني لهذه الدول الغربية بأنها إنما تريد قبل كل شيء الدفاع عن المجموعات المعارضة لنظام دمشق.

وقال نيبينزيا أيضا إن قرار مجلس الأمن 2401 الذي صدر اواخر فبراير/شباط \"لا يلحظ وقفا فوريا لإطلاق النار\" بل يسعى إلى انجاز آلية على المدى المتوسط تغطي كامل سوريا، معتبرا أنه يحق للنظام السوري \"الدفاع عن نفسه بوجه إرهابيين\".

من جهته رأى السفير البريطاني المساعد جوناثان الن أنه \"لن يتم تناسي دور روسيا التي تدعم دمشق\" وأنه \"لا بد من المحاسبة\".

واعتبر سفير البيرو غوستافو ميزا كوادرا إن \"الإرهاب لا يجب أن يكون ذريعة لخرق حقوق الإنسان\".

ومن دون أن يذكر روسيا بالاسم دعا الأمين العام للأمم المتحدة \"كل الدول\" إلى التقيد بوقف اطلاق النار وافساح المجال أمام وصول المساعدات الانسانية إلى المدنيين.

كما أضاف السفير الفرنسي دولاتر أن \"الهجوم البري والجوي يتواصل تحت وابل من النيران. إن المدنيين ليسوا ضحايا جانبيين بل هم أهداف هذا الهجوم\".

وتابع أن فرنسا تريد \"اجراءات ملموسة\" تبدأ بـ\"رحيل المقاتلين الإرهابيين من الغوطة بمساعدة فاعلة من الأمم المتحدة\".

وأضاف \"وبعد ذلك لا بد من آلية قوية لمتابعة المساعي ساعة بساعة لوقف الأعمال القتالية، واجلاء الجرحى وايصال المساعدات الإنسانية\".

واعتبر السفير الروسي أن موسكو تبذل \"جهودا ملموسة\" لإيصال المساعدات الإنسانية\".

وأوضح أن عسكريين روسا شاركوا في تأمين قوافل انسانية للأمم المتحدة في الغوطة الشرقية وهو الأمر الذي تؤكده مصادر دبلوماسية غربية.

واستطاع النظام السوري تقسيم الغوطة الشرقية إلى 3 أجزاء بعد تمكين سيطرته على بلدة مديرا الأحد ومحاصرته لمدينة حرستا الاثنين.

واقتحمت قوات النظام الغوطة من الجهة الشرقية وتمكنت من الوصول إلى إدارة المركبات الخاضعة لسيطرة النظام في حرستا، لتتمكن بعدها من فصل حرستا عن باقي أجزاء الغوطة.

وتقدمت قوات النظام الأحد بعد السيطرة على بلدة مسرابا وسط الغوطة وتمكنت من تقسيم الغوطة الشرقية إلى شطرين بعد احكام السيطرة على بلدة مديرا.

وفي الأثناء تواصل القوات السورية وحلفائها استهداف مدن وبلدات الغوطة الشرقية، بالرغم من قرار مجلس الأمن الداعي لوقف إطلاق النار.

وتتعرّض الغوطة التي يقطنها نحو 400 ألف مدني، منذ أسابيع لحملة عسكرية تعتبر الأشرس من قبل النظام السوري وداعميه.

مفاوضات لإبرام تسويات منفصلة

وبعد تمكن قوات النظام السوري من تقسيم الغوطة الشرقية الى ثلاث مناطق، يقود وسطاء مفاوضات منفصلة بين طرفي النزاع للتوصل الى اتفاقات تقضي بإخراج الراغبين أو إرساء مصالحات، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان.

وإثر قصف عنيف وهجوم بري، قسمت قوات النظام الغوطة الشرقية المحاصرة إلى ثلاثة أجزاء: دوما ومحيطها شمالا تحت سيطرة جيش الإسلام، حرستا غربا حيث حركة أحرار الشام، وقطاع جنوبي يسيطر عليه فصيل فيلق الرحمن مع تواجد محدود لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقا).

وتدور حاليا وفق المرصد ومصادر محلية مفاوضات منفصلة ازاء مصير كل منطقة من المناطق الثلاث، بعدما ضيقت قوات النظام الخناق بالكامل على المقاتلين والمدنيين في آن معا.

وفي ما يتعلق بدوما ومحيطها، قال مدير المرصد رامي عبدالرحمن إن مفاوضات \"تجري حاليا بين الروس وجيش الإسلام عبر وسطاء معارضين مقربين من موسكو\".

ونقل عن وسيط مفاوض أن الهدف \"تحويلها إلى منطقة مصالحة تدخلها الشرطة الروسية مع بقاء جيش الإسلام فيها\"، موضحا أن الطرف الروسي يطلب \"رفع الأعلام السورية وعودة المؤسسات الحكومية من دون دخول قوات النظام\".

وسبق لجيش الإسلام أن نفى حصول أي مفاوضات بهذا الصدد. وأعلن في بيان الاثنين الاتفاق \"عبر الأمم المتحدة مع الطرف الروسي للقيام بعملية اجلاء المصابين على دفعات للعلاج خارج الغوطة\".

وتعد حرستا التي تتقاسم قوات النظام وحركة أحرار الشام السيطرة عليها \"الحلقة الأضعف\" وفق عبدالرحمن.

وتدور المفاوضات \"بين عدد من وجهائها من جهة والنظام وروسيا من جهة ثانية لإجلاء الراغبين من مقاتلي أحرار الشام وبقاء من يوافق على تسوية وضعه\". ولا تتضمن تلك المفاوضات خروج المدنيين.

وفي منطقة سيطرة فيلق الرحمن تجري مفاوضات بين وجهاء من بلدات حمورية وجسرين وكفربطنا وسقبا وقوات النظام من دون أن يكون هناك اي دور للفصيل الإسلامي المعارض.

ويتم وفق عبدالرحمن بحث عرض يتضمن خروج المدنيين والمقاتلين الراغبين إلى مناطق أخرى تسيطر عليها الفصائل المعارضة، بينها إدلب (شمال غرب).

ويرى الباحث في مركز عمران للدراسات نوار اوليفر أنه \"منذ تصعيد الهجوم البري، بات واضحا أن الهدف تقسيم الغوطة الشرقية إلى ثلاثة قطاعات بحسب مناطق نفوذ الفصائل\".

وأضاف \"بالتالي باتت الأفضلية لدى النظام، لأنه أصبح قادرا على التوصل إلى ثلاثة اتفاقات مختلفة، يفرض فيها الشروط التي يريدها\".

ويُرجح أوليفر أن يقبل جيش الإسلام باتفاق مصالحة، فيما يتعين على فيلق الرحمن حل قضية وجود هيئة تحرير الشام في مناطق سيطرته.

وخلال سنوات النزاع، شهدت عدة مناطق سورية بينها مدن وبلدات قرب دمشق عمليات إجلاء لآلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين بموجب اتفاقات مع القوات الحكومية وإثر حملات عسكرية عنيفة.