الإرهاب الطيب يُهزم الإرهاب الشرير

ما معنى عمليات التهجير القسري التي شهدتها وتشهدها مناطق عديدة من سوريا في ظل اتفاقات يُجرى عقدها من غير أن يكون للمهجرَين من أماكن سكناهم التاريخية أي رأي فيها؟

صارت جهات عديدة تملك الحق في القيام بذلك فيما يقف الشعب السوري أعزل لا يملك ما يقوله في ظل عزوف عالمي عن الانصات إلى صوته الذي صار يصل متقطعا بما يتناسب مع الصورة.

لم يظهر المجتمع الدولي بصورته الزائفة والمنافقة مثلما ظهر من خلال موقفه مما يجري في سوريا.

وكما يبدو فإن الدولة السورية وقد غُيبت تحت ركام من التدخلات الإقليمية والدولية والميليشاوية لم تعد قادرة على الالتفات إلى مسؤولياتها عن مصير المواطنين الذين تزعم أنها تدير شؤونهم وتصرف أحوالهم وترعى احتياجاتهم.

تلك دولة وُضعت على الرف بعد أن أظهرت عجزها عن إدارة الأزمة منذ السنة الأولى لبدء الصراع.

قبل أيام أكملت الأزمة في سوريا عامها السابع. علينا أن نتذكر ذلك جيدا.

هناك مَن هُجر من بيته قبل سبع سنوات ولم يعد إليه. اما لأن ذلك البيت لم يعد له وجود بعد أن محوه أو أنه أحتل من قبل عصابات وجدت أن من حقها أن تقبض ثمن قتالها تغييرا في الطابع السكاني من أجل الوصول إلى مرحلة "سوريا النقية" وهو شعار خفي غطى عليه غبار الحرب على الإرهاب.

لقد خسر العراقيون والسوريون معا حياتهم في خضم الحرب على الإرهاب.

لا يزال هناك اليوم أكثر من مليوني نازح في العراق فيما كانت الدولة قد أعلنت عن انتصارها على الإرهاب.

لا أحد يفكر بمصير الإرهابيين المفترضين. ولكن ماذا عن مصير النازحين وهم ضحايا الارهاب؟

في سوريا تنتصر الدولة على تنظيم إرهابي فيتم تهجير سكان المنطقة التي كان ذلك التنظيم قد أذاق سكانها المر. حدث تتخلى من خلاله الدولة عن بشر، يفترض أن جيشها قاتل من أجل تحريرهم.

وهو ما حدث تماما في الموصل وسواها من المدن التي ذاق سكانها الامرين حين أفلت الجيش العراقي يده مهزوما أمام داعش عام 2014.

الفرق أن الدولة في سوريا تشرف على تهجير شعبها بطريقة منظمة فيما تركت الدولة في العراق لشعبها حرية البحث عن طريقة للنجاة من الموت المحتم.

في الحالين كان التهجير عنوانا لانتصار الدولة المظفر على الشعب.

ما هو ثابت بالنسبة لحكام البلدين أن سكان كل المدن التي وقعت في قبضة الإرهابيين هم ارهابيون أيضا. على أساس تلك القناعة الراسخة تم ويتم تهجير المدنيين عن مناطق سكناهم. وبذلك تكتمل دائرة العنف ضد المدنيين.

فبعد إرهاب التنظيمات والجماعات المسلحة يحل إرهاب الدولة.

ولكنني استعمل مصطلح دولة هنا مجازا. وهو مجاز غير مقبول واقعيا.

ففي سوريا والعراق تم تعليق مفهوم الدولة إلى إشعار آخر وبالأخص على مستوى المسألة التي نعالجها.

فحزب الله اللبناني هو الذي صار مسؤولا عن ملف التهجير في سوريا فيما تولى الحشد الشعبي مسؤولية ذلك الملف في العراق. وكلاهما تنظيمان ارهابيان لا يحتاج المرء إلى بذل جهد كبير من أجل اثبات ولائهما لإيران.

العراقيون والسوريون إذاً يُهجرون من مدنهم ويُسلمون إلى الضياع لأن إرهابا طيبا انتصر على إرهاب شرير. معادلة لا يمكن فهم أسرارها إلا من خلال العودة إلى المخطط الذي أُخترع في سياقه الإرهاب بصيغته الإسلامية ليكون أداة لتدمير العالم العربي.

فبالرغم من أن الجرائم التي تُرتكب يوميا من قبل الميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق وهي جرائم كان التهجير واجهتها فإن القوى الدولية التي حاربت "داعش" تحت مظلة الحرب على الإرهاب لم تضع حتى هذه اللحظة جريمة التهجير تحت مجهر المساءلة باعتبارها نوعا من الإرهاب التي يُمارس ضد المدنيين.

ألا يبدو صمت تلك القوى بمثابة رضا عما يفعله الإرهاب الطيب بعد أن أكمل الإرهاب الشرير مهمته؟