العراق والسعودية.. المعادلة الجديدة المحتملة

تحجيم الدور الإيراني إلى علاقة طبيعية بين بلدين

الخلط بين الآراء الشخصية والإنطباعات والمشاعر والحساسيات شيء والعلاقات بين الدول شيء آخر، بل لاعلاقة لهذا بذاك، وأي خلط بينهما سيخلق حالة مثل حالتنا من إنعدام أي خارطة لسياسة خارجية لها مهندسها وراسمها ومنظّرها وحامي مصالح الدولة فيها.

الهجمة التي يشنها الكثير من سياسيينا المسؤولين على زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المرتقبة الى العراق تقع في خانة التوصيف الأول، ولا تتناسب مع المصالح العليا للدولة العراقية في إستراتيجية توازن المصالح المفترضة، لبلد مزّقته الصراعات الداخلية وأشعلت النيران فيه التدخلات الخارجية للجيران وغير الجيران، تدخلات من كل الأنواع والأصناف ومن كل موجات الإتجاهات المتعارضة والمصالح المتناقضة "لأخوتنا وأصدقائنا" على حد السواء!

لن ندخل عميقا في فلسفات السياسات الخارجة ومهامها ومحدداتها والحاجة لفهم طبيعة الصراعات والقوى ونقاط الضعف والقوة لدينا ولدى الآخرين، الى ما يجرنا فيه الحديث عن "ورط " تتعلق بالايديولوجيا والمذاهب والصراعات الفكرية.

نقول: إن المنطقة مقبلة على متغيرات واضحة المعالم، وتنبؤات إستراتيجية لمراكز قرار في الدول الكبرى لمعادلة جديدة، خصوصاً فيما يتعلق بالعراق البلد المحوري الذي ستقوم عليه إستراتيجة حليف رسمي للعراق مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي تحاول أن تعيد سطوتها في المنطقة والعراق وتحجيم الدور الإيراني في تمدده بالخارطة السياسية العراقية، والدور السعودي المؤثر في تطبيقاتها العملية!

إذا فهمنا ودرسنا المتغيرات المحتملة جداً بروح المصالح الوطنية ورؤية عمل دولة وليس احزاباً وتكتلات وقوى متنفذة، نستطيع أن نفهم مغزى وسبب وأهمية الزيارة، وفيما بعد أهمية العلاقات العراقية السعودية، لمصالحنا الاستراتيجية والآنية معاً.

العرق بلد يعدو دون هدف وبرجل واحدة في خضم صراعات المنطقة، وفشلت الحكومات المتعاقبة في بلورة سياسة خارجية مفهومة و محترمة قادرة على أن تفهم طبيعة المصالح العراقية الوطنية ومصالح الدول الأخرى التي تنفذ سياسات خوض صراعاتها في العراق بالوكالة بديلاً عن المواجهات المباشرة المكلفة.

الآن تبدو الفرصة ممكنة لترميم الشقوق في سياستنا الخارجية، التي اعتقد بانها ينبغي أن تقوم على مبدأ تحجيم التغوّل الإيراني في قرارنا السياسية وبناء أسس سياسة جديدة مع المحيط العربي وتبني سياسة واضحة تجاه الولايات المتحدة الاميركية التي تربطنا بها اتفاقية الإطار الامني، كما هي حليفتنا في محاربة الإرهاب ومتطلبات محاربته مستقبلاً.

مراهقو السياسة وفاقدو عقولها في مشهدنا السياسي مازالوا يعتقدون إن السياسات الدولية، عنتريات وشجارات لي أذرع بين شقاوات أيام زمان، وهي نزعة عدمية نغوص فيها الى قاع مستنقع الصراعات في المنطقة، وهو مستنقع لاقرارة فيه ولاخلاص!

ستراتيجيو صناعة السياسات الخارجية الدولية يقولون: تتألف السياسة الخارجية من تلك السلوكيات الرسمية المتميزة التي يتبعها صانعوا القرار الرسميون في الحكومة أو من يمثلونهم والتي يقصد بها التأثير في سلوك الدولة الخارجية ..

نقطة رأس سطر كما يقال لاحظ جيداً الفقرة الأخيرة التي هي لب ستراتيجيات السياسة الخارجية "التأثير في سلوك الدول الخارجية ". هل استطعنا أو سنكون قادرين على صناعة ستراتيجية سياسة خارجية "تؤثر في سلوك الدول الخارجية"..

أي سياسة تكون قادرة على لجم الاندفاع الايراني في العراق وتحويل السعودية من مصدرة آيديولوجية للعنف، كما في السنوات السابقة، الى بلد يساعدنا في إعادة توازننا ودورنا الاقليمي والدولي في المنطقة، وتقليل، على الأقل، من تأثيرات سياسة اللعب على كل الحبال الأمريكية الى الدرجة التي بامكاننا أن نتفرج عليها وهي تمارس ألعابها المفضلة دون أن "تحشكنا " بها "حشكاً"! هل نستطيع أن نفعل ذلك؟

عامر القيسي

كاتب عراقي