'نوروز' حزين لأكراد عفرين

مأساة انسانية

سوريا - تتحسّر رشيدة على أمان لطالما تمتّعت به في مدينة عفرين، قبل أن تجد نفسها بين ليلة وضحاها تحت رحمة القصف ثم التهجير تاركة خلفها منزلاً جديداً لم تهنأ به ولم تتمكن من الاحتفال فيه بعيد النوروز الكردي.

وبعدما كان عيد النوروز مناسبة في مطلع فصل الربيع من كل عام للم شمل العائلات الكردية وفرصة لإحياء تقاليدهم وتراثهم، يحل اليوم كئيبا وحزينا بعدما سيطرت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها الأحد على مدينة عفرين.

وتقول رشيدة ملا علي (40 عاماً) النازحة من مدينة عفرين \"بنيت منزلاً في عفرين منذ ثمانية أشهر فقط لم يكن ينقصنا شيء لكن الحرب بدأت\".

وتابعت رشيدة \"تركت بيتي الذي يشبه القصر ونعيش الآن في هذا المنزل مع 50 شخصاً\"، مضيفة \"تركنا دكاناً فيه مواد غذائية بقيمة ثلاثة ملايين (نحو سبعة آلاف دولار)\" على الأقل.

ونزحت رشيدة مع عائلتها الى قرية الزيارة في ريف عفرين من الجهة الشرقية الجنوبية، وهي قرية يتواجد فيها الاكراد وقوات موالية للحكومة السورية في محافظة حلب في شمال سوريا.

وتسكن رشيدة مع عدد كبير من النساء في غرفة صغيرة من المنزل وتجلس على الأرض حول وجبة فطور يبكين على ما فقدنه، وحولهنّ أطفالهنّ.

ويقبّل أحد الأطفال رشيدة التي تضع على رأسها شالاً كردياً تقليديا مزركشاً، وتقترب منها طفلة أخرى لتربّت على كتفها.

وتقول رشيدة \"الموت كان أسهل بالنسبة لنا من ترك منزلنا\"، مضيفة \"ترك عمي الزيت والزيتون وليس لديه الآن ما يأكل\".

وتعد عفرين منطقة زراعية بامتياز، تكسوها أشجار الزيتون وتعرف بزيتها الصافي وصابونها الذي يعد من أجود أنواع الصابون الحلبي الذائع الصيت.

ولم تتوقع رشيدة أن تترك يوماً مدينة عفرين، لكنها لم تجد خياراً آخر لانقاذ اولادها الذين يسألونها \"ماذا حصل في منزلنا؟ ماذا حصل لقطتنا الصغيرة؟\".

بأي حال عدّت يا عيد ؟

بعدما كان 21 آذار/مارس يوماً تحتفل به مع عائلتها بعيدي النوروز والأم، تحوّل اليوم إلى \"مأساة وتهجير وشعب ضائع لا يعرف ماذا ينتظره\"، على حد قولها.

وفرّ خلال الأيام الماضية أكثر من 250 ألف شخص من مدينة عفرين قبل أن تسيطر عليها القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها الاحد، وتصبح مدينة شبه خالية من أهلها.

ولجأ عشرات الآلاف الى البلدات المجاورة لعفرين وبينها بلدتا نبل والزهراء اللتان يسيطر عليهما مقاتلون موالون للنظام السوري. وفي هاتين البلدتين، لجأ النازحون الى الجوامع والمدارس و تشاركوا المنازل ومنهم من ينام في السيارات أو استأجر منازل بمبالغ مرتفعة.

وتقول روهان (38 عاماً) \"لا طعم لأي شيء خارج عفرين (...) خصوصاً الاحتفال بعيد النوروز لأنه رمز أكثر من مجرد احتفال\".

وتضيف \"لا معنى لنوروز بعيداً عن عفرين .. عفرين جنتنا\".

وتضيف روهان \"لا أنسى لحظة نزوحنا، حين ابتعدنا مسافة قليلة والتفتت إلى الوراء لألقي نظرة أخيرة عليها، شعرت بقلة الحيلة وعذاب الضمير\".

وبنفس اللوعة يروي محمد ذكي أنه فرّ من قرية سيطرت عليها القوات التركية الى مدينة عفرين ليعيش في منزل مع خمس عائلات أخرى، إلا أن الأمر لم يطل كثيراً حتى وجد الرجل الذي غزا الشيب شعره نفسه مضطراً للنزوح مرة أخرى حين بدأ القصف العنيف يستهدف المدينة مع اقتراب القوات التركية.

ويقول \"لو لم نكن في القبو لكنا متنا ... هربنا مشياً على الأقدام ولم نأخذ سوى ثيابنا\".

رحلة المتاعب

بعدما كان يمتلك الأراضي في عفرين، وجد محمد نفسه اليوم وعائلته مضطراً للنوم على الأرض ويعيش في غرفة صغيرة مكتفيا وعائلته ببطانيات ينامون عليها على الارض.

ويقول بانفعال \"نحن فلاحون، ورثنا هذه الأراضي عن أجدادنا منذ آلاف السنين\"، مضيفاً \"خرجنا من بيوتنا وتركنا أراضينا ومنازلنا ومن أجل ماذا؟ لا نعرف ، ليس لدينا المال لنأكل، تركنا كل شيء وأتينا هنا من دون قرش\".

ويضيف ذكي ان الرعب جعلهم ينسون \"تاريخ ميلادهم\"، مضيفا \"كيف سنتذكر الاحتفال بالنيروز؟ لا نحلم بالاحتفال، نحلم فقط بأن نخلص الأولاد من هذه المأساة\".

وخاض الفارون من عفرين رحلة مرهقة سيراً على الأقدام وشهد المنفذ الوحيد الذي كان يؤدي الى مناطق قوات النظام اكتظاظاً كبيراً بالسيارات والشاحنات والدراجات النارية المحملة بالناس وما استطاعوا نقله من حاجيات.

ولم يجد كثير من النازحين سبيلاً سوى السير على الأقدام لاجتياز طرق صعبة. ليستغل المهربين الفرصة لايصالهم إلى برّ الأمان مقابل مبالغ مالية كبيرة.

واجتاز العجوز خليل تمر (82 عاماً) هذه الرحلة الصعبة ليجد نفسه فجأة مضطراً إلى الفرار مع أولاده الثلاثة وزوجته تحت وطأة القصف واللجوء الى غرفة من منزل مدمرّ

ويقول العجوز بلوعة \"خرجنا تحت القصف، ونحن في الطريق أضعت الأولاد، أتيت وحدي سيراً على الأقدام من عفرين إلى هنا... لم يبق حجر على حجر حتى أولادي أضعتهم\".