الشوكي: منحة إماراتية وراء ترميم وتطوير وإعادة افتتاح المتحف الإسلامي بالقاهرة

محمد الحمامصي
كان فنا للحياة لإضفاء البهجة في كل مكان

كشف د. أحمد الشوكي رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ومدير المتحف الإسلامي بالقاهرة سابقا أن عملية إعادة ترميم وافتتاح متحف الفن الإسلامي، بعدما تعرض لأضرار بالغة عقب التفجير الإرهابي الذي استهدف مديرية أمن القاهرة والتي تقع في مواجهة المتحف، ظلت متوقفه لعام كامل نتيجة التكلفة الضخمة التي كانت تتطلبها، حتى بادر مكتب التنسيق بدولة الإمارات العربية المتحدة بمنحة بلغت 50 مليون جنيه مصري، هذه المنحة الإماراتية كانت فاتحة الخير حيث قدمت لنا اليونسكو بعدها مائة ألف دولار لتجهيز معامل الترميم، وأيضا كانت هناك منحة أميركية لواجهة المتحف فقط، لكن مشروع الترميم والعرض المتحفي بالكامل في الداخل كانت من التمويل الإماراتي.

وقال الشوكي في الجلسة الأولى ضمن مؤتمر \"الفن الإسلامي في مواجهة التطرف\" الذي تقيمه مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مجلس المتاحف الدولي \"الإيكو\" أن متحف الفن الإسلامي واحدا من أهم متاحف الفن الاسلامي على مستوى العالم، وكان يوجد به 100 ألف قطعة أثرية متنوعة، ويعد من أقدم المتاحف علي مستوى العالم ويعبر عن البيئة الموجود فيها ويغطي كافة أنحاء العالم الاسلامي.

وأضاف أنه في عام 2014 حدث وقع تفجير إرهابي بسيارة مفخخة استهدف مديرية أمن القاهرة وعلي بعد 20 متر فقط من المتحف ما تسبب في أضرار بالغة وأثرت علي 179 قطعة أثرية موجودة، \"أرى أن الحادث كان يستهدف أيضا تدمير تراثنا الإسلامي وليس مديرية الأمن فقط\".

وقال \"عملنا على عدة مواجهات لإنقاذ وترميم المتحف وبالفعل نجح الفريق المتخصص في ترميم 170 قطعة أثرية من أبرزهم محراب السيدة رقية\"، لافتا إلى أنهم أيضا قاموا بعمل موقع إلكتروني وتطبيق على الهواتف للتعريف بالمتحف ومقتنياته فضلا عن زيادة عدد قاعات العرض والمعروضات التي بلغت 4400 أثرية.

ولفت د. سعد بن عبدالعزيز الراشد عضو الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالسعودية الذي أدار الجلسة الأولى أن المواقع الاثرية والثراث الحضاري الغني في المملكة العربية السعودية يعد مصدرا مهما لجذب السياح الأجانب لزيارة المملكة، وقال فهناك أكثر من 4000 موقع أثري تم تسجيلها في المملكة، كما أن هناك الكثير من المقتنيات الأثرية النادرة موجودة في المتحف السعودي.

وأوضح الراشد التوسعات المختلفة التي مرت على الحرمين الشريفين وحتى توسعة الملك فهد بن عبدالعزيز في مكة المكرمة والمدينة المنورة في العصور الاسلامية المتعددة. وقال إن التوسعة التي نفذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين في العصر الحديث تعد الأكبر في التاريخ الاسلامي. وأن االحرم المكى يتسع الآن لاكثر من مليون و500 الف مصل في الفترة الواحدة مقابل 1500 مصل في العصور الإسلامية الغابرة.

وتطرق د. خالد عزب لماهية الفن الإسلامي، وتوقف أمام الزخرفة ومدلولتها، والمقرنصات، والأطباق النجمية، الخشب الخرط والمشربيات، وقال \"حاول المتطرفون وممارسو العنف باسم الإسلام بسبل شتى تدمير الأطر العامة للذاكرة الجماعية للمجتمعات التي يمارسون فيها العنف، هذا العنف سواء قولي أو فعلي، مورس بعدة أساليب، لكن كان أشدها هو تحريم الفن ثم تجريم ممارسة الفنون، انعكس هذا أيضا على فتاوى التعامل مع تراث القدماء قبل ظهور الإسلام، لذا لم يكن مستغربا تدميرهم تماثيل باميان المقدسة لدى البوذيين في أفغانستان ثم تدميرهم تراث العراق وسوري بل تدميرهم معاقل إسلامية في ليبيا.

وأكد عزب أن الصراع هنا ليس مع الفن الإسلامي، بل قد يكون هذا الصراع معه ستارًا يغطي على محاولات هذه التيارات طمس هوية مجتمعاتنا، وبناء هوية بديلة لا تعترف بالتنوع والعمق الحضاري لأي مجتمع.

وقال \"بينما كان المسلمون الأوائل يدركون حاجة كل مجتمع للتعبير عن ذاته وموروثه في صورة جديدة تواكب روح الدين الجديد (الإسلام) لذا فلا غضاضة أن نجد روح الفن الإسلامي في الصين وروح أخرى في الأندلس لكن كليهما بينهما وحدة هي الفلسفة التي تقف خلف هذا الفن.

لم يكن هذا الفن للمحرومين ولم يكن للأثرياء، بل كان فنا للحياة لإضفاء البهجة في كل مكان، لذا نجد الزخرفة والألوان والتنوع اللامتناهي تخطف الأبصار، وتريح النفس، حتى عد علماء الإسلام كالكوكباني في كتابه عن الحمامات، أن زخارف الحمامات إنما وجدت للعلاج النفسي وللراحة النفسية لمرتادي الحمامات، لذا كان الفن الإسلامي يعبر عن الحياة ويشيع فيها الرغبة في صفاء النفس، فن للفقراء قبل الأغنياء.

العلم كان مفتاح تقدم الفن الإسلامي فلولا تقدم الكيمياء لما اكتشف المسلمون البريق المعدني الذهبي لزخرفة الأواني الخزفية لتعوضهم عن الأواني الذهبية التي كرهها فقهاء المسلمين، كما أن المهندسين وضعوا شروحًا للفنانين كما فعل البوزجاني في كتابة \"ما يحتاج إليه الصانع\".

ورأى عزب ضرورة مراجعة متاحف الفن الإسلامي في العالم، وكيفية تعبيرها عن هذا الفن وقدرتها على جذب الجمهور لها في ظل ضعف الإقبال عليها من قبل الجمهور، فهل استطاعت هذه المتاحف جذب الجمهور لهذه المتاحف. مازالت تعرض التحف إما كمواد منفصلة كالخزف أو الأخشاب.. الخ، أو طبقًا لعصور الإنتاج، ولا تعبر في عروضها عن الحياة واستخدامات هذه التحف بما يحكي سيرة الإنسان الذي أُنتجت من أجله هذه التحف ليستخدمها في حياته، أو تقدم هذه العروض تقنيات صناعة التحف وما أحدثته من تقدم، أو تحكي قصة الزخرفة في عصر ما وفلسفتها.

لقد كان الخط هو بطل الفن الإسلامي، هذا الخط الذي يشكل الدائرة والمستطيل والمربع ويشكل اللفائف والخطوط اللانهائية، لذا أبدع الفنان العربي في الخط العربي وظل فنا حتى في عصور الضعف يضاف إليه، فكأنه انطلق مع الديانة الإسلامية لكي لا يتوقف أبدا.

وأكد د. كايد هاشم من منتدى الفكر العربي بالمملكة الأردنية، في الجلسة الخاصة بـ \"جماليات الفن الإسلامي\" أن العالم العربي والإسلامي الآن أصبح في حاجة ماسة إلى إحياء دور الفن الإسلامي للتأثير في حياة العرب وأفكارهم واستعادة الحس الجمالي، وتعزيز دوره في مواجهة الجمود والتطرف.

وانتقد هاشم إثارة الجدل على أنواع معينة من الفنون التي تصور الكائنات الحية من بينها النحت والتصوير بحجة أنها محرمة على الرغم من عدم وجود حكم شرعي في القرآن الكريم يحرمها، مشيرًا إلى أن هذه الآراء تؤدي إلى مزيد من التنافر ويستفيد منه خطاب التطرف لتبرير ممارساته.

ودعا د. محمد حسن عبدالحافظ، عضو معهد الشارقة للتراث بالإمارات إلى إعادة اكتشاف الدور الذي قامت به الصوفية في حماية المجتمع من التطرف والعنف وخاصة في صعيد مصر. وأشار إلى أن الحياة الإنشادية الصوفية في موالد الأولياء والقديسين استمرت على الرغم من انتشار الفكر الإسلامي المتشدد، مسلطًا الضوء على واقعة حضور عائلتين في صعيد مصر أحد جلسات الإنشاد الديني يمارسون الطقوس بحرية تامة على الرغم من وجود خلاف ثأري بينهما، وهو ما يعكس حالة السلام والتسامح الذي يدفع إليه التصوف.

واستعرض د. عاطف عبدالدايم، رئيس قسم الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة الفيوم، مظاهر الحب في الفن الإسلامي من خلال المؤلفات التي تتحدث عن الحب والعشق، موضحًا أن التاريخ الإسلامي يزخر بالوقائع التي تروي قصصًا عن الحب. مؤكدا أن الدين الإسلامي يحث على الحب حيث وردت كلمة \"الحب\" في اثنين وثمانين آيه بالقرآن الكريم، كما ورد عدد من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن مشاعر الحب بين الرجل والمرأة وكيفية التعامل معها.

وألقت رينا ديواني (مشاركة من دولة الهند)، ورقة بحثية بعنوان \"جوهر الجمال في الفن الإسلامي\"، مشيرة إلى أن الهند تعد مثالا واضحا للتعايش بين الأديان، هذا التعايش الذي استمر لسنوات طويلة وهو ما تعكسه الأفلام الهندية.

وأوضحت أن الهند بها الكثير من مظاهر الفن الإسلامي والتي تظهر في المباني الإسلامية، والنقوش التي تم استخدامها في مبنى تاج محل، بالإضافة إلى الأواني وملابس التي تنتمي للحضارة الإسلامية.

وتحدث د. عاطف منصور، عميد كلية الآثار جامعة الفيوم، عن المسكوكات الإسلامية من خلال ورقة بحثية عن \"ثقافة الآخر وأثرها على الآثار في العصر الإسلامي\"، مشيرًا إلى أن الرسول تلقى عملات من هرقل ملك الروم منحوت عليها صورته ومن الجهة الأخرى منحوت الصليب. وقد استقبل هذه العملات ولم ينكرها أوينكر ما ورد عليها من نقوش، وتم تداولها فيما بعد وهو ما يدل على تقبله للأخر واحترام ثقافته وعدم إنكارها\"، موضحًا أنه عقب ذلك بدأت الخلافات الإسلامية المتعاقبة على صك العملة منقوش عليها صور الخلفاء.

علاقة الفن الإسلامي بالآخر كانت محورا مهما حيث أكد أحمد أمين، أستاذ مساعد بكلية الآثار جامعة الفيوم، أن الفن الإسلامي تفاعل مع الفنون السابقة له واللاحقة عليه، إلا أنه أضفى عليها روح الإسلام فبدلًا من استخدام الرسوم ذات الروح، الكائنات الحية، أصبح يركز عن الرسوم النباتية.

وأشار \"أمين\" إلى وجه الشبه بين زخارف القباب في كل من العمارة البيزنطية والإسلامية، حيث كانت تعبر عن العقيدة ولكن الاختلاف كان في طريقة التعبير عنها، فالأولى تعتمد أسلوب تصويري، من خلال رسم صورة المسيح والسيدة العذراء، أما الثانية فقد اعتمدت على الأسلوب الخطي، مثل كتابة الآيات القرآنية.

وتحدث د. محمود الشافعي غزالة، أستاذ بجامعة المنصورة، عن التصور الإسلامي للجمال من خلال ورقة بحثية بعنوان \"الفلسفة الإسلامية في الجمال والفن وأثرها في الفنون الإسلامية وكيف أثرت في فنون غير المسلمين\"، موضحًا أن الدين الإسلامي حث المسلمين على الجمال سواء في مظهرهم الخارجي أو المباني ليكونوا خير سفراء له.

وأشار إلى أن الفنان المسلم حرص على إظهار الجمال من خلال الزخارف النباتية والهندسية بالإضافة إلى الحروف العربية وأصبحت تزين الجدران والأواني، مضيفًا إلى أنه أبدع في ذلك الفن حتى أصبح متفردًا بها وخاصة الإبداع في الحروف العربية للبعد عن شبهة الوقوع في محظور ديني.

وأوضح غزالة أن الفن الإسلامي انتشر بصورة كبيرة وهو ما أدى إلى تعرضه لفنون وثقافات متنوعة، إلا أنه حافظ على هويته ونجح في دمجها في فنونه، وأن بزوغ النقش على الخشب وخاصة من الفنان المصري مستعرضًا نماذج منه في الكنائس والمساجد.