قطر ومصر.. بعد انقلاب الشيخ حمد

البداية بالنيل من مصر

على الرغم من التدهور في العلاقات بين مصر وقطر قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 في مصر، وفي أواخر عهد الرئيس حسني مبارك، فإن الجزء الأكبر من فترة حكمه يحيط بها قدر من الغموض بشأن علاقات البلدين، وعلاقة قطر بجماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ فلم يكن قد برز الوجه الإخواني للدولة القطرية على النحو الذي ظهر مع انطلاق الثورات العربية، كما لم تكن قد اتضحت الرابطة الشبكية والعضوية والمصلحية والأيديولوجية بين الإخوان ونظام الحكم القطري، لكن كانت هناك مؤشرات على تدخلات قطر في الشؤون الداخلية لمصر، خصوصاً في السنتين الأخيرتين لحكم مبارك، وقد عبر هو نفسه أكثر من مرة عن استيائه من دولة شقيقة تعمل على الإضرار ببلاده.

مع استيلاء الأمير حمد بن خليفة على الحكم في قطر عام 1995، تبنت مصر موقفاً غير رسمي ضد انقلابه على والده، وبرزت ملامح عدم الود والفتور في العلاقة بين الأمير الجديد والرئيس مبارك. وعلى الرغم من عدم توافر أدلة على تورط مصر في ممارسة عمل فعلي ضد حمد، فقد أشارت تقارير صحفية إلى أن مصر وقفت مع الأمير الأب، وأن المخابرات المصرية حاولت مساعدة الشيخ خليفة للعودة واسترداد الحكم والإطاحة بالابن عبر دعم محاولة انقلاب داخلي لم تنجح. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 1996 كانت محاولة العودة للحكم بمشاركة قوة من حرس الأمير خليفة، ولكنها فشلت، وألقت السلطات القطرية القبض على (110) أشخاص، بينهم مصريان، بتهمة التورط في المحاولة.

اتهام مصر

يومها خرج الأمير حمد ليتهم دولاً أجنبية لم يحددها، غير أن وزير خارجيته: حمد بن جاسم، اتهم مصر واللواء عمر سليمان (رئيس المخابرات آنذاك)، وهو ما نفته القاهرة، وخرج الرئيس مبارك ليؤكد أن «مصر لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية، ولا علاقة لها بمزاعم محاولة الانقلاب في قطر». لقد جعل ذلك الأمير حمد يبدأ عهده محملاً بقدر من عدم الود لمبارك، وكان تعاطف مبارك مع الأمير الأب في ذلك الوقت واضحاً، وبدأت العلاقات تأخذ منحى سلبياً.

وتشير الانطباعات الأولى لمبارك عن الأمير حمد خلال تلك الفترة إلى قدر من الاستهانة والتقليل، في ضوء رؤية مصر التقليدية لمكانتها ودورها، وذلك ما يعبر عنه تصريح مبارك نفسه في يونيو (حزيران) 2017، الذي قال فيه: إنه «في انقلاب حمد على والده خليفة، وجه حمد اتهاماً لمصر بمساندة والده لمواجهة انقلابه على الحكم، ووقتها جاءني عمرو موسى وأخبرني بأن حمد غاضب ويريد مقابلتي على وجه السرعة، فقلت لعمرو خلي الواد ده يجيلي على برج العرب».

نبعت هذه الرؤية من تقدير لخصوصية مكانة مصر الكبيرة عربياً، تحكمت على الدوام في موقف مبارك من قطر، بل يمكن القول: إنها كانت أهم عامل يعزى إليه السبب في عدم انتباه مبارك تالياً لصعود الدور الإقليمي لقطر، ليجدها في 25 يناير (كانون الثاني) 2011 تشكل تهديداً على بلاده ونظام حكمه، وهو ما أيقنه في الأيام الأخيرة له في السلطة.

(نضال) قناة الجزيرة

لم تكن أجندة قطر قد تطابقت مع الأجندة الدولية، ولم يكن قد اتضح توظيف «القناة» في سياق مشروع أكبر للتغيير في المنطقة العربية، على نحو ما برز في 2011. فضلاً عن ذلك فإن أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وما تلاها من تغيير في المشهد الإقليمي منحت الجزيرة فرصة لرحلة طويلة للنضال الإعلامي و«التعميد السياسي» إقليمياً ودولياً، بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان 2001 والاحتلال العراق 2003 وحروب إسرائيل على لبنان 2006 وغزة 2008، على نحو منح «القناة» الشرعية لكي تتصدر خطاب الحريات والتغيير والربيع العربي.

يمكن القول: إن أسباب اعتراض مبارك على قطر في هذه الفترة تعود إلى: تعريضِ قناة الجزيرة بالوضع الداخلي في مصر، وتجرُّئِها على مقام الرؤساء والملوك (وهو أمر طاله شخصيا)، وتعريتِها لحالة الركود التي كانت مسيطرة على الإعلام الداخلي، على نحو دفع بحس المقارنة لدى الجمهور المصري بين «الجزيرة» والإعلام الوطني، وهي المقارنة التي انتهت في الأغلب لغير مصلحة الجهاز الإعلامي المصري، ومبنى ماسبيرو الضخم بتراثه العريق. أتاح مبارك قدر من الحرية في الإعلام الداخلي، ومنح الجمهور هامشاً من الحرية، وسمح بوجود قنوات فضائية خاصة مثل «دريم» و«المحور»، استجابتاً لذلك.

وفي أواخر هذه الفترة (الأولى) يشير أحمد أبو الغيط (وزير الخارجية المصري الأسبق)، في كتابه «شهادتي» إلى واقعة جرت عام 2004 تشير إلى قدر من الفتور في العلاقة، وطريقة تعامل قطرية غير ودية مع مصر؛ حيث يشير إلى زيارة كانت معدة سلفاً له إلى قطر، وكان الترتيب أن يلتقي (أبو الغيط) بالأمير حمد بن خليفة ووزير الخارجية حمد بن جاسم، ولكنه فجأة أُبلغ وهو في البحرين -في اليوم السابق للزيارة- أن الأمير سافر إلى المغرب وأن وزير خارجيته سافر للقائه هناك لأمر عاجل. لم يكلف وزير الخارجية القطري خاطره الاتصال تليفونياً لمجرد المجاملة والاعتذار عن عدم الوجود. يشير أبو الغيط إلى أنه مضى في الزيارة على الرغم من ذلك والتقى مسؤولين قطريين آخرين.

كل ذلك أضاف إلى مركب وعُقد العلاقات الشخصية بين النظامين، وأشار إلى بداية تحولات وانتقالات القوة والنفوذ الإقليمي بين دولة كبيرة تتراجع ودولة صغيرة تتقدم.

تصاعد الدور الإقليمي لقطر

بدأت هذه المرحلة مع بدء قيام قطر بدور عربي، بدأ ينال من حساب الدور القومي لمصر، على نحو ما تمثل في تكرار قيامها بأدوار الوساطة في الصراعات العربية، وعلى الجوار الحدودي لمصر، مما أصبح مسموعاً على الصعيدين الإقليمي والدولي. ولا يمكن رصد تاريخ محدد لبدء هذه المرحلة، لكنها تطورت مع بدايات تحول قطر تدريجياً إلى طاولة لفض النزاعات، وملتقى لمختلف الأطراف المتصارعة على السلطة في مناطق ودول الأزمات من: دارفور، ولبنان، واليمن، إلى أفغانستان والعراق وأزمة الممرضات البلغاريات، وبين حركتي فتح وحماس، والعلاقات بين السودان وتشاد، وبين فرنسا وسوريا، فضلاً عن استضافتها للمنتديات ومؤتمرات القمم العربية والخليجية، مما جعلها موقعا متميزا للتأثير الدبلوماسي والسياسي في كل المناطق.