كلمة السر 'إيران هي العدو'

حفل سجل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بأخطاء كارثية. لا يستوي البعض منها مع خيال نظرية الاحتمالات.

لقد نسج الرجل الذي شهد العراق في عصره تطورا لافتا في مختلف مستويات الحياة رافقه عنف غير مسبوق من جهة درجته كانت الحروب غير المسبوقة هي الأخرى محصلته سيرة حياته كما لو أنه لن يكون مسؤولا عما يترتب على عثراته من التزامات ومستحقات.

غير أن تلك الأخطاء والعثرات لا تغطي على حقيقة أن الرجل كان معتدلا ومنصفا ونزيها في نظرته إلى إيران باعتبارها عدوا لا تنفع معه لغة الحوار، لا لأن ذلك العدو لا يفهم ما يُقال بل لأنه لا يقدر قيمة ما يُقال.

كانت حرب العراق مع إيران التي استمرت ثمان سنوات خطاً قاتلا، بسبب تداعياتها انتقل العراق من تألقه إلى أفوله. هذا صحيح. غير أن الرئيس العراقي وجد نفسه يومها أمام جدار أصم في الوقت الذي لم يستوعب فيه حقيقة أن طبول الحرب التي كانت تُقرع في طهران ليست سوى إشارات يعلن من خلالها نظام الملالي الجديد عن تبدل اللغة الإيرانية وانتقال إيران من زمن الدولة المستقرة إلى زمن الحرس الثوري الذي تشكل المسيرات الجنائزية عموده الفقري.

المهم هنا أن صدام حسين كان على حق في ما توصل إليه من قناعات وإن كان عليه أن يسلك طرقا أخرى غير الحرب للتعبير عنها.

كانت إيران ولا تزال هي العدو بالنسبة للعرب.

مع الوقت صار ذلك العداء نوعا من البداهة التي لا يحتاج المرور بها إلى كثير من الايضاح والشرح. ولقد اكتفى الكثيرون بالقول إنه عداء تاريخي وصمتوا. ذلك لأنه ما من شيء في الحاضر يسوغ عداء بذلك الحجم إلا إذا وضعنا في الاعتبار أطماع إيران التوسعية على حساب العرب وهي أطماع لا يخفي أصحابها السند التاريخي الملفق لها.

فإيران التي هي ليست دولة حية إلا على مستوى حراكها التخريبي ونزعتها العدوانية لم تتمكن في أية لحظة من التعامل بطريقة سوية مع دول الجوار العربي. فهي لا تؤمن نظريا بالمنطق الذي يستند إليه وجود دول مستقلة، ذات سيادة وطنية.

وإذا ما كانت إيران لا تستطيع أن تخفي عداءها للعرب فإن هناك جهات عربية عديدة لم تأخذ ذلك العداء على محمل الجد معتبرة التركيز عليه نوعا من المبالغة التي يُراد منها التهويل غير القائم على منطق. الأسوأ أن البعض الذي لم يكن يرى من صدام حسين سوى أخطائه كان قد اعتبر أن "العداء الإيراني" لم يكن إلا واحدا من أوهام الرئيس العراقي الراحل.

عام 1988 انتهت الحرب العراقية الإيرانية.

عام 1990 احتل العراق الكويت.

عام 1991 تم سحق الجيش العراقي وتدمير البنية التحتية في العراق وفُرض عليه حصار دولي غير مسبوق تاريخيا. امتد ذلك الحصار حتى عام 2003 الذي وقع العراق فيه تحت الاحتلال الأميركي.

السؤال هو: ماذا كان موقف إيران من كل تلك الأحداث التي غيرت حاضر المنطقة ومستقبلها؟

حين وافقت إيران على وقف إطلاق النار وانهاء الحرب مع العراق فقد كانت مضطرة وعبرت عن ذلك من خلال تجرع زعيمها الخميني للسم. اما حين احتل العراق الكويت فقد التزمت إيران الحياد كما لو أن الأمر لا يعنيها، ما شجع الرئيس العراقي إلى تأمين اسطول الخطوط الجوية العراقية لديها. طائرات ذهبت ولم تعد. وبعد تحرير الكويت استغلت إيران حالة الفوضى التي سادت فأدخلت أتباعها إلى العراق ليزيدوا من الفوضى من خلال احراق مؤسسات الدولة وبالأخص ما يتعلق منها بالأحوال الشخصية والعقارات. ومعروف بعد ذلك ما حدث بعد احتلال العراق.

في حقيقة موقفها فإن إيران لم تكن متفرجة ولم تكن معنية بأمن دول الجوار الذي يُفترض أن يكون ضمانة لأمنها. لذلك فقد ضربتها نكبة جماعة الاخوان في مصر في مقتل. بالرغم من خلافها العقائدي المظهري مع تلك الجماعة.

كل ما يضر العالم العربي تجده إيران نافعا لها.

تلك هي الحقيقة الثابتة الوحيدة في علاقة إيران بالعرب.

القناعة السعودية الحالية التي تتلخص في أن إيران هي العدو هي خلاصة كل الوجع الذي تعرض إليه العالم العربي بسبب السياسات الإيرانية التي اثبتت العقود الماضية أنها غير قابلة للتغيير.

لا تحتاج خبرة العرب بالغدر الإيراني إلى توضيح الأسباب التي تسوغها.

ما يحتجه العرب أن يضعوا خبرتهم تلك في خدمة مصالحهم ووجودهم ومصيرهم. وهو ما صار قيد التنفيذ.