لا شيء يدعو إلى التفاؤل

يأتي تعيين جون بولتن مستشارا للأمن القومي الأميركي استكمالا لحلقة اليمين المتشدد المكون في غالبيته من المحافظين الجدد الذين يضعون أمن إسرائيل وهيمنتها الكاملة على رأس أولوياتهم. ويرتبط اسم هذا الرجل بغزو العراق والترويج لكذبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل. وإذا كان اسم الرجل مرتبطا بالعنصرية والتأييد المطلق لإسرائيل، فإن المخاوف اليوم أشد من ذلك، حيث أن ترامب لم يعينه عفويا، إذ تشير جميع الدلائل إلى أن الخطة الأميركية بإعادة تقسيم المنطقة تمضي قدما ولا سبيل إلى إيقافها، واليوم يأتي بولتن، إذن لا شك أن في الأفق غيوما سوداء فوق بلاد عربية لم يصلها الدمار بعد، أما من يظن أنه أتى ليهدد إيران، فهو مخطئ، لأن الولايات المتحدة لا تهدف إلى إعادة تقسيم ايران، بل الى تقسيم المنطقة العربية، وسوف تشن حربا بالوكالة على ايران من خلال الدول العربية، وسوف تشعل شرارة الحرب عاجلا وليس آجلا، فقد صرح ترامب أنه يريد مالا أكثر من مرة، والطريقة الوحيدة هي إشعال حرائق ومن ثم تقوم بمساندة الطرف الذي يدفع أكثر.

أستغرب ممن يقولون أن غزو العراق عام 2003، كلف الخزانة الأميركية مليارات الدولارات، مع أن الواقع يقول عكس ذلك، فقد استفادت الولايات المتحدة كثيرا جراء ذلك الغزو، ومنح بول بريمر عقودا تقدر بالمليارات لشركات نفط وشركات أمن أميركية ناهيك عن بيع الأسلحة للفئات المتناحرة، ونهبت العراق قبل أن تنسحب، مع العلم أن الجيش الأميركي لا يزال في العراق حتى هذه اللحظة ولم ينسحب كليا.

لقد جاء بولتن لهدف معين، وأغلب الظن هو الترتيب لحملة عسكرية، استكمالا لمخطط تدمير الدول العربية، فخطة التقسيم لا يمكن أن تتم دون ذلك، وعندما تنعدم المقاومة العربية تماما، تفرض الولايات المتحدة ما تريده بسهولة. وأهم ما في الأمر هو عدم المساس بايران وإطالة أمد الحرب إلى أطول مدة ممكنة، لأن صمود ايران ذريعة قوية للتواجد العسكري الأميركي في المنطقة واستنزاف خزائن الدول العربية، ومعروف أن الولايات المتحدة تقوم بالمغامرات العسكرية خدمة لمصالحها وجنيا للأرباح من الأطراف التي تتفق معها أمنيا.

يبقى أن نقول أن العرب يخسرون الكثير جدا من التحالف مع الولايات المتحدة، وقد شاهدوا بأم أعينهم كيف زج بالعراق في حرب مع ايران وكيف باعت أميركا السلاح سرا لإيران فيما عرف بفضيحة الكونترا في الثمانينات من القرن الماضي، ومع ذلك لم ينئوا بأنفسهم عنها ولم يبحثوا عن حلفاء جدد. واليوم يقفون أمام ضباع جائعة لن ترحمهم حتى تجهز عليهم تماما، إما بالمعنى الحرفي أو بالمعنى المادي. إذ لم تغير أميركا سياستها منذ الأزل، وها هي تعذب الدول العربية حتى تحصل منهم على استسلام غير مشروط ومن ثم تفرض إرادتها.

إن اللوم يقع على العرب، لأنهم لم يتعلموا من الدول القوية التي عززت قوتها ومكنت شعوبها وحصنت حدودها، بل ظلوا في حالة خلاف داخلي، وقبلوا بأن تكون صورتهم في الخارج أنهم بحاجة لمن يحميهم. إن مجرد رؤية صورة بولتن تذكر بمآسي العراق وربما يكون اليوم أكثر شراسة مما مضى.