الحرب على الفساد في تونس تؤرق الشاهد

مهمة شاقة

يقر يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية بأن الإصلاحات الكبرى التي تقدم عليها البلاد تبقى رهن كسب الحرب ضد الفساد الإداري والمالي الذي تحول إلى إحدى أهم المعضلات في ظل نشاط شبكات معقدة تديرها رؤوس متنفذة اقتصاديا وإداريا غير أنه ما انفك يشدد بالمقابل على حكومته ماضية في حربها مهما كانت التحديات.

وخلال الفترة الأخيرة كرر الشاهد في أكثر من مناسبة بأن الحرب على الفساد هي حرب طويلة المدى وتستوجب وقتا وجهودا مضنية لا من قبل الحكومة فقط وإنما أيضا من قبل كل التونسيين ما رأى فيه المراقبون أن البرنامج الإصلاحي يواجه تحديا لا يخلو من التعقيد والخطورة يتجاوز الحكومة ليلامس مختلف مكونات المجتمع.

ويصنف الخبراء الفساد إلى "فساد صغير" وهو يشمل استشراء الرشوة في مؤسسات القطاع العام وفي الإدارة حيث يجبر المواطن على دفع رشاوى للموظفين لاستخراج وثائق إدارية بسيطة أو إبرام عقود بيع وشراء في ظل غياب أي سلطة رقابية.

وتظهر أحدث الدراسات التي أعدتها أكثر من مؤسسة متخصصة ناشطة في المجتمع المدني أن أكثر من 73 بالمئة من التونسيين يجبرون على دفع الرشاوى تتراوح ما بين 100 و 30 دينار (40 ـ 12 دولار) لاستخراج وثائق عادية مثل وثائق الحالة المدنية.

ويدير عملية ارتشاء صغار الموظفين وكوادر إدارية متنفذة حولت "الفساد الصغير" إلى ظاهرة يكاد يسلم بها المواطن حتى أنه يستنكف عن الاعتراض أو التبليغ عنها.

وفي مسعى إلى محاربة هذا النوع من الفساد أعلنت الحكومة عن خطة لرقمنة الإدارة بالكامل بما من شأنه أ يمكن المواطنين من استخراج الوثائق الإدارية مباشرة عبر الأنترنت دون الرجوع إلى المؤسسات الإدارية.

وقاد الفساد الصغير الذي نخر الإدارة بالتونسيين إلى تدني ثقتهم في المؤسسات الإدارية ومدى شفافية المعاملات وفق القوانين والتراتيب التي تمنع أي شكل من أشكال الرشاوى.

أما "الفساد الكبير" الذي يصنفه الخبراء فهو يشمل الصفقات التي تبرمها مؤسسات الدولة مع أطراف داخلية وخارجية وشبكات التهريب التي تحولت إلى ما يشبه الدولة داخل الدولة إضافة إلى تهرب الفاعلين في القطاع الخاص من دفع الضرائب.

ويعد الفساد الكبير أخطر ما تواجهه الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الكبرى باعتبار أن الرؤوس التي تديره متنفذة إداريا وحتى سياسيا وهو ما صرح به شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد متهما مسؤولين بالوقوف وراءه.

وتمثل "الإدارة العميقة" أو البيروقراطية الراعي الأساسي لانتشار ظاهرة الفساد إذ نجحت في تركيز لوبيات متضامنة فيما بينها ومعقدة في تركيبتها ما جعل الحكومة تصطدم بحركات احتجاج كلما حاولت الاقتراب من مجالها الحيوي.

وتقول الحكومة إنها تمتلك قائمة إسمية في رؤوس الفساد وأنها تخطط للإطاحة بها غير أنها لم تكشف إلى حد الآن لا عن الأسماء ولا عن الوظائف التي تشغلها.

ونجحت شبكات التهريب في توجيه ضربة موجعة للاقتصاد التونسي بعدما ركزت اقتصاديات موازية يمثل 54 بالمئة من الاقتصاد المنظم ويكبد الدولة خسائر سنوية تقدر بنحو 750 مليون دولار.

ولا تقل خسائر الدولة جراء التهرب الضريبي عن خسائر التهريب حيث تقدر مؤسسات حكومية وخاصة حجمه ما بين 5 و7 مليار دينار ( 2.2 ـ 3.2 ) مليار دولار.

وأعلن الشاهد في وقت سابق أن نجاح الإصلاحات الكبرى التي تشمل بالخصوص تطهير الإدارة وإنعاش الاقتصاد يبقى رهن النجاح في محاربة ظاهرة الفساد غير أنه على أرض الواقع تواجه الحكومة صعوبات حقيقية يبدو أنها تتجاوز إمكانياتها الذاتية.

ويبدو، كما يرى ذلك خبراء، أن عدم فتح الشاهد لملف الفساد بكل جرأة يعود إلى المخاوف من تداعيات انتفاض شبكات الفساد عليها وزجها للبلاد في حالة من الاحتقان الاجتماعي قد يقود إلى المساس من السلم الأهلي.

وتحذر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من تداعيات الظاهرة التي نخرت مفاصل الدولة مشددة على أنه ما لم تقم الإصلاحات الكبرى بناء على محاربة الفساد بشتى أنواعه فإن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد ستزداد تعقيدا وسوءا.

ويطالب شوقي الطبيب رئيس الهيئة بالقطع مع سياسة الأيادي المرتعشة ووضع خطة خاصة وعملية بناء على تشخيص دقيق لظاهرة الفساد من أجل تجفيف منابعها واجتثاثها.

غير أن الخبراء يرون أن الحكومة الحالية التي تعاني أزمة سياسية وأخرى هيكلية فتحت أمامها أكثر من واجهة غير قادرة لا على تطهير الإدارة العميقة ولا على القضاء على الاقتصاد الموازي ولا على اتخاذ إجراءات حازمة تضع حدا للتهرب الضريبي.