واشنطن تستبعد مفاوضات مباشرة مع الأسد وانسحابا من سوريا

مواقف أميركية متضاربة حول الانسحاب العسكري من سوريا

واشنطن - قالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي الأحد، إن الولايات المتحدة لن تجري أي محادثات مباشرة مع الرئيس السوري بشار الأسد.

وأضافت في مقابلة مع قناة تلفزيون سي.بي.إس، إن سوريا رفضت حتى الآن المشاركة في مفاوضات متعددة الأطراف في إطار عملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة وأن على روسيا أن "تدفع" سوريا إلى مائدة المفاوضات.

لكن هايلي أشارت في الوقت ذاته إلى أن سوريا "ليست جديرة" بإجراء محادثات مباشرة مع واشنطن، مؤكدة "لن نجري أي محادثات مباشرة مع الأسد".

وقالت أيضا إن بلادها لن تسحب قواتها من سوريا إلا بعد أن تحقق أهدافها، محددة ثلاثة أهداف هي ضمان عدم استخدام الأسلحة الكيماوية بأي شكل يمكن أن يعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وضمان وجود نقطة مراقبة جيدة لمتابعة ما تقوم به إيران.

وقالت "هدفنا أن تعود القوات الأميركية إلى أرض الوطن، لكننا لن نسحبها إلا بعد أن نتيقن من أننا أنجزنا هذه الأمور".

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي انضم إلى فرنسا وبريطانيا لتوجيه ضربات صاروخية ضد أهداف سورية فجر السبت قد أرسل إشارات متضاربة بشأن الوجود الأميركي في سوريا.

وقال ترامب إنه يريد سحب القوات الأميركية التي تبلغ نحو ألفي جندي من سوريا والتي تشارك في الحملة على تنظيم الدولة الإسلامية.

لكنه بدا أنه يناقض هذه الرسالة عندما قال يوم السبت الماضي، إن الحلفاء الغربيين مستعدون "لمواصلة" الرد العسكري إذا لم يكف الرئيس السوري بشار الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة.

عقوبات جديدة على روسيا

وردا على سؤال عن العلاقات الأميركية الروسية قالت هايلي إن العلاقات "متوترة للغاية" لكن الولايات المتحدة ما زالت تأمل في علاقات أفضل.

وذكرت أن واشنطن تعد عقوبات جديدة على روسيا بسبب دعمها المتواصل للأسد، موضحة أن وزير الخزانة ستيفن منوتشين سيعلن عن حزمة العقوبات الاثنين.

وأضافت "ستؤثر بشكل مباشر على الشركات التي تتعامل مع المعدات المتصلة بالأسد واستخدام الأسلحة الكيماوية".

وفي تطور على علاقة بالضربات الغربية التي استهدفت مواقع سوريى السبت، قالت جوني إرنست عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن الحزب الجمهوري الأحد، إنه إذا كان الرئيس دونالد ترامب يرغب في أي تحرك جديد في سوريا فإن عليه التعاون مع الكونغرس.

وأضافت إرنست وهي عضو بلجنة القوات المسلحة بالمجلس في مقابلة مع قناة إن.بي.سي التلفزيونية، إنها لا تشعر بالارتياح "في المضي قدما إذا كان ترامب يرغب في نشر قوات برية في المنطقة، لكن بالقطع إذا كان يرغب في أي تحرك جديد فعليه أن يعمل مع الكونغرس بهذا الشأن".

وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأحد من أن توجيه الغرب ضربات جديدة على سوريا سيحدث "فوضى" في العلاقات الدولية وذلك بعد هجوم منسق السبت نفذته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

وقال بوتين خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني حسن روحاني إنه "اذا تكررت أفعال مماثلة في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة فإن هذا سيحدث من دون شك فوضى في العلاقات الدولية"، بحسب بيان للكرملين.

وأضاف البيان أن الرئيسين "اعتبرا أن هذا العمل غير القانوني يلحق ضررا بالغا بإمكانات التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا".

رسالة سياسية

ويشدد المسؤولون الغربيون على أن الضربات المشتركة غير المسبوقة ضد النظام السوري يجب أن يعقبها دفع جديد للجهود الدبلوماسية من أجل تسوية النزاع الذي دخل عامه الثامن.

وبدت نتائج الضربات التي شنتها واشنطن وباريس ولندن على مواقع يشتبه بأنها مرتبطة ببرنامج السلاح الكيميائي السوري محدودة مع تقارير عن أن المواقع المستهدفة كانت خالية.

ويجمع المحللون على أن الرسالة السياسية التي أراد الغرب توجيهها من خلال الضربات تطغى على الخطوة العسكرية في ذاتها، ما يطرح استفهامات حول ماذا سيكون مضمون هذه الجهود الدبلوماسية الجديدة وهل ستوافق دمشق وموسكو على الانخراط فيها؟

وبعد الضربات التي شنتها الدول الثلاث ردا على هجوم كيميائي مفترض اتهمت دمشق بتنفيذه، شدد قادتها السبت على أن الهدف منها لم يكن فقط الحد من قدرة دمشق على استخدام الأسلحة الكيميائية بل الدفع باتجاه جهود جديدة للحل السياسي.

و قالت رئيس الحكومة البريطانية تيريزا ماي إن العملية العسكرية لا تكفي وحدها إنما "الأمل الأفضل للشعب السوري يبقى الحل السياسي".

و قال رئيس اللجنة الدولية للإغاثة ديفيد ميليباند "غارات الليلة الماضية ستصبح على هامش التاريخ إذا لم يوازها عمل دبلوماسي دائم وجدي".

وقالت ديما موسى من المعارضة السورية في الخارج إن "أي عمل عسكري يجب أن يهدف لتحريك العملية السياسية".

واعتبر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أنه بعد الضربات على مجلس الأمن الدولي "إن يتخذ الآن موحدا، المبادرة على الصعد السياسية والكيميائية والانسانية".

وبدأت الدول الثلاث التي وجهت الضربات العمل على مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي.

وتبدو هذه الخطوة بمثابة محاولة منها للعودة كلاعب قوي في النزاع السوري بعد تراجع تأثيرها كما لإجبار دمشق على العودة إلى طاولة المفاوضات.

و يقول الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية كريم بيطار "خلال الأسابيع القليلة الماضية، بدا الغرب وكأنه خارج اللعبة. وبدا أن مستقبل سوريا يتم نقاشه من قبل الروس والايرانيين والأتراك".

وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان السبت أن باريس "تريد استعادة المبادرة" في مجلس الأمن بدءا من الاثنين "لضمان الاتجاه نحو تسوية سلمية للأزمة السورية".

ويتضمن مشروع القرار إنشاء آلية تحقيق جديدة حول استخدام الأسلحة الكيميائية. ويدعو أيضا إلى ايصال المساعدات الإنسانية وبدء محادثات سلام سورية برعاية الأمم المتحدة.

و قال دبلوماسي أميركي رفيع إن واشنطن ستضغط من أجل اجراء محادثات برعاية الأمم المتحدة ولـ"المضي قدما في تسوية سياسية مع التركيز على أمرين. الاصلاح الدستوري وانتخابات حرة وعادلة".

واستخدمت روسيا 12 مرة حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي لصالح حليفتها دمشق. وواجهت التهديدات بعمل عسكري والضربات الغربية بغضب شديد، لكنها اكتفت بتصريحات فضفاضة قبل الضربة وبعدها.

وأعلنت فرنسا أنه جرى إبلاغ روسيا مسبقا بالضربات. ولم تستخدم موسكو بدورها أنظمتها للدفاع الجوي للرد على الصواريخ التي أطلقتها الدول الغربية ضد حليفتها.

ومنذ تدخلها العسكري في سوريا في العام 2015، غيرت روسيا موازين القوى على الأرض لصالح دمشق، كما أنها أمسكت بزمام المبادرة السياسية بالتعاون مع إيران وتركيا. وواظبت على دعم دمشق سياسيا ومنع أي مشاريع قرارات تدينها في مجلس الأمن حتى بعد الهجوم الكيميائي في خان شيخون قبل أكثر من عام الذي اضطرها لتكثيف جهودها لتحسين صورة الأسد.

ويقول كريم بيطار "ليس هناك سبب يجعل الأسد مجبرا على تقديم تنازلات كبيرة ما دام يشعر بأنه متمكن بالدعم الروسي والإيراني".

وقال الخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش "ترى دمشق أن روسيا تستفيد من الحرب لبناء قوتها على الساحة الدولية وليس لديها أي هاجس تجاه وضعها في موقف حرج".

ويبدو أن التوتر على خلفية التطورات في سوريا لم يؤثر كثيرا على التعاون بين موسكو والدول الغربية.

وأكدت الرئاسية الفرنسية أن ماكرون الذي مد يد التعاون لموسكو قبل الضربات، لا يزال يعتزم القيام بزيارة مرتقبة لروسيا.

وقال مسؤول أميركي في واشنطن "نواصل العمل بقوة مع مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا، كما نعمل مع موسكو من أجل السير قدما في العملية السياسية".