اختراع إيران

كان لا بد من اختراع إيران بصورتها الحالية دولة دينية بمنظور طائفي متشدد قبل حوالي أربعين سنة لتنتهي الأمور في الشرق الأوسط إلى ما هي عليه اليوم من فوضى، يعود الجزء الأكبر من مادتها إلى طريقة خرافية في التفكير لا تمت بصلة إلى عصرنا الراهن بصلة.

فبعد دولة الشاه العلمانية المستبدة التي كانت تمارس دور الحارس الأعمى لمصالح الغرب كان لا بد أن تحل دولة تكون نظريا مصدر تهديد لتلك المصالح، ليكون ذلك مسوغا لوجود عسكري غربي دائم في المنطقة التي صارت تشهد اضطرابات لا أول لها ولا آخر بسبب مشكلات دينية ليس لها محل في لغة المصالح التي تحكم دورة الحياة على الكوكب.

تلك القطيعة بين المنطقة والعصر الذي تتمتع أمم كثيرة بمعطيات ثقافته الحرة وتقدمه العلمي كانت ضرورية من أجل أن تفقد شعوب المنطقة القدرة على رعاية مصالحها الحيوية كما تفعل شعوب العالم الأخرى، متفرغة لإطفاء نيران وهمية لحرائق تاريخية مستعارة من مرويات، كانت دائما محل خلاف بين المؤرخين ورجال الدين الغارقين في عمليات التضليل.

إيران التي تسعى إلى أن تكون دولة نووية بكل ما يتطلبه ذلك الأمر من تمرس علمي دقيق هي في الوقت نفسه أكبر ماكنة لإنتاج الخرافات في عصرنا.

وهنا بالضبط يقع السبب المؤكد الذي يسوغ الاعتراض على المشروع النووي الإيراني. ذلك لأن كل ذلك الجهد العلمي ستوضع نتائجه في خدمة عقل شرير لا يرى العالم إلا ساحة حرب ولا يرى في الآخرين الذين يحملون عقولا منفتحة على الحاضر والمستقبل إلا إعداء، ينبغي إزالتهم حين تحين الفرصة.

بعد حوالي أربعين سنة من اختراع تلك الدولة الدينية ها هي إيران تشكل خطرا على الحياة في المنطقة. وهو الهدف الذي تم اختراع تلك الدولة من أجله.

فإذا ما كانت حربها المباشرة مع العراق التي استمرت ثمان سنوات قد انتهت عام 1988 بخسائر بشرية ومادية مروعة لكلا الطرفين فإنها لا تزال تحارب بالمال والميليشيات والإعلام في أماكن مختلفة من العالم العربي الذي كان من قدره السيء أن يكون جارا لها.

بطريقة أو بأخرى فإن إيران تحارب اليوم في سوريا والعراق واليمن ولبنان. فمجرد أن تكون موجودة في أي مكان فإن ذلك يعني أن الحرب قابلة للاشتعال إن لم تكن نيران تلك الحرب قد اشتعلت.

غير أن الأسوأ من ذلك يكمن في أن اختراع الدولة الدينية الطائفية في إيران قد شجع في المقابل بعث الروح في الجماعات الدينية المتشددة التي هي الأخرى ظلامية وطائفية وعابرة للأوطان ومستخفة بمصائر شعوب تلك الأوطان.

لقد كانت إيران الخمينية مناسبة لظهور ما سمي بـ"الصحوة الإسلامية"

أسم ليس على مسمى كما يُقال. لقد انطوت تلك الصحوة على ليل، خُطط لظلامه أن يشمل كل نواحي الحياة في المنطقة.

كانت تلك الصحوة نوعا من الموت البطيء الذي سلم شعوبا بأكملها لقدر سيء.

وقد تكون الأوضاع الرثة التي تعيشها المرأة في المنطقة هي المؤشر الأشد وضوحا في مجال تدني القيم الإنسانية والمعايير الحضارية ونوع القطيعة التي حدثت مع التاريخ المحلي الحديث من جهة ومع العالم من جهة أخرى.

في بداية القرن العشرين كان تعليم البنات عنوانا للتحرر في العالم العربي. أما اليوم فبتأثير من صعود الجماعات الإسلامية المعجبة بالظاهرة الإيرانية فإن الأمية تلتهم الجزء الأكبر من نصف المجتمع.

ما لم يتم انقاذ المرأة من الهاوية التي وقعت فيها فإن المنطقة برمتها ستكون ملعبا للحرس الثوري الإيراني الذي جُهز لحرب لا تنتهي إلا بظهور الأمام الغائب.

إيران التي خططت للاستقواء على دول المنطقة عن طريق برنامجها النووي كانت قد فتكت بالمنطقة عن طريق برنامج التجهيل والتضليل والتفخيخ الطائفي الذي في إمكانه أن يمحو شعوبا بما لا يمكن أن تفعله قوة إيران النووية.

ما ظهر في القمة العربية الأخيرة من تركيز على الخطر الإيراني هو جزء من بداية الوعي العربي لمسألة مصيرية لطالما طوتها اللغة الدبلوماسية. وهو أمر يطمئن المرء من خلاله إلى أن العرب قد بدأوا بتغيير أحوالهم.