عبلة الرويني ونساء حسن سليمان

جسد المرأة أجمل لأنه تكوين 'أمومي' أقرب إلى الطبيعة

"التعبير عند حسن سليمان لا تجسده قسمات الوجه والملامح، ولا اللون، ولا الحركة، ولكنه يحتل اللوحة بأكملها، يطل من الحالة الكلية من النسب، من الانسجام والتناغم في طريقة الرؤية العقلية الباحثة وراء الجمال".

هكذا ترى الكاتبة والناقدة عبلة الرويني لوحات الفنان التشكيلي حسن سليمان الذي يستخدم الألوان الساخنة: الأحمر والأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي، لكن بعد أن يدخلها في نسيجه وإيقاعاته وروحه، ولا يبوح بها أو يفصح عنها، فللإفصاح معنى عاطفي يتجنبه تماما.

وقد قامت عبلة الرويني بزيارة لمرسم الفنان 7 شارع شامبليون أمام دار القضاء العالي بوسط القاهرة (وهي بالمناسبة نفس الشقة الصغيرة بالطابق السابع التي سكنها المناضل الجزائري أحمد بن بيللا عام 1953 أثناء حرب التحرير الجزائرية، ثم قام بإهدائها إلى صديقه الفنان).

وكانت نتيجة هذه الزيارة الكتاب الذي بين أيدينا "نساء حسن سليمان" الذي صدر عن المجلس الأعلى للثقافة.

ويتحدث الفنان في هذا الكتاب عن فتاة الجمَّالية التي رسمها في أكثر من 15 لوحة، وقبلها رسم مئات الاسكتشات لنفس الفتاة بمساحات مختلفة.

ولاحظت الرويني أن كل الصياغات التي قدمها حسن سليمان لفتاة الجمالية، كانت واقفة على الأغلب، أو جالسة بصورة تظهر الجسد بأكمله، إنها الحفاوة بالجسد "النموذج" الذي عثر عليه، والرغبة في إظهار التكوين في تناسقه واتزانه، وهي أيضا الحفاوة بالتكوين و"الفورم" إرث القيم الجمالية الخالدة منذ الفراعنة والإغريق.

والمتأمل في تلك اللوحات سيرى تكرار حركة رفع اليدين إلى أعلى وضمهما فوق الرأس، وهي حركة لا وظيفة لها إلا بما تمنحه للجسد من فرصة لإبراز جماله، فرفع اليدين إلى أعلى يبرز الصدر والخصر ويضع التكوين في امتداد طولي ممشوق.

أيضا تتكرر في اللوحات حركة وضع إحدى اليدين فوق الخصر، وهي أيضا تبرز رشاقة وجمال الخصر والأرداف وتعطي الجسم إيقاعا شعبيا في تمايله وانثناءاته.

ويتعرض الكتاب لقضية الموديل العاري الذي صدر قرار في أوائل السبعينيات بإلغاء تدريسه من كلية الفنون الجميلة وكسرت تماثيل الجبس، الأمر الذي شهد تدهورا بالغا في مستوى الدراسة وأصاب معظم الذين يرسمون الجسد البشري في مصر بحالة من انعدام الثقة وارتعاش الأيدي، موضحا أن الشيخ محمد عبده منح الفنانين مناخا رحبا وروحا من السماحة والحرية تسمح بمزيد من الإبداع، فيقول مدافعا عن الفنون الجميلة أمام المتزمتين الدينيين والمتطرفين:

"إن هذه الرسوم والتماثيل قد حفظت من أحوال الأشخاص في الشئون المختلفة، ومن أحوال الجماعات، من المواقع المتنوعة، ما يستحق أن يسمى ديوان الهيئات والأحوال البشرية، إن الراسم قد رسم، والفائدة محققة لا نزاع فيها، وبالجملة يغلب على ظني أن الشريعة الإسلامية أبعد من أن تحرِّم وسيلة من أفضل وسائل العلم، بعد أن تحقق أنه لا خطر منها على الدين، لا من جهة العقيدة، ولا من جهة العمل".

وترى عبلة الرويني أن الفنان حسن سليمان تأثر بتلك الدعوة إلى إلغاء الموديل العاري، فكان يرسم الموديل عارية، ثم يقوم بتغطيتها وإلباسها ثوب بعد ذلك فوق اللوحة.

وعن تقديس الجسد يرى الفنان أن "جسد المرأة هو أقدم عبادة عرفها الإنسان، وأعظم ديانة منذ عرفت الأديان. فأفروديت الطالعة من زبد البحر عُبدت 20 ألف سنة، أكثر من كل الديانات السماوية". ويضيف: "في العبادات الآسيوية القديمة أربع طرق للوصول إلى الله: طريق المحارب، وطريق الراهب، وطريق المحب، وطريق الفنان"، وقد خاضها جميعا حسن سليمان.

وتسأله عبلة الرويني عن الموديل الرجل، فيقول إن جسد الرجل خطوط حادة وجافة، بينما جسد المرأة أجمل، إنها الأكثر اكتمالا مع نفسها، لأن نسب الدهن والانسيابية والانحناءات هي التي تحقق ذلك التكامل والانسجام، حتى الرومان عندما رسموا الرجل شكلوه على صورة "أفروديت" مليئا بالانحناءات الأنثوية، رسموا عضلات وأرجلا قوية، لكن دائما كان هناك شيء أنثوي.

ويؤكد أن جسد المرأة أجمل لأنه تكوين "أمومي" أقرب إلى الطبيعة، بل هو امتداد للطبيعة، خلق لكي يُضم ويحتضن ويعطي.

ويرى سليمان أن الفنان الشاذ هو الذي يرسم الموديل الرجل، حتى النساء اللائي يقوم برسمهن في لوحاته، يكون حريصا على إظهارهن في شكل رجولي، وضرب مثالا بمايكل أنجلو حيث كانت كل النساء لديه تكويناتهن ذكورية.

ويوضح الفنان أنه لم يرسم موديلا مومسا أبدا في حياته، حيث لا تشكل لوحاته امتهانا للجسد، ويؤكد أن الموديل دائما فخورة بجسدها ومتباهية به. ويضرب مثلا بـ "حميدة" بطلة لوحات محمود سعيد الشهيرة التي تقول: "عندما كنت أجلس ليرسمني، كنت أحس بالزهو والفخر لأني كنت أرى نفسي بعد ذلك في لوحة جميلة، وكم كانت سعادتي عندما رأيت المجلات تنشر صوري، وأيضا على صفحات الجرائد وفي المعارض والمتاحف، وكلما كنت أحن إلى شبابي، أذهب إلى المتحف لأرى مراحل شبابي وعمري المختلفة".

ويكشف حسن سليمان عن ولعه باللون الأزرق، ويتحدث عن عازفة العود، ونصف الصومالية ونصف السودانية، وزهور عايدة البيضاء، وامرأة في السوق.

ومما زاد من متعة هذا الكتاب وجود عشرات الصور واللوحات التي تتحدث عنها عبلة الرويني وحسن سليمان ضمن صفحات هذا الكتاب الذي يشكل معرضا تشكيليا لنساء الفنان.