العراق.. مَنْ يستهدف النساء المرشّحات؟

معركة مع الموروث الثقافي

انتشرت في الآونة الاخيرة الحملات المسعورة الموجهة ضد النساء المرشحات لعضوية مجلس النواب وبشتى الوسائل، وعلى وجه الخصوص في مواقع التواصل الاجدتماعي. وامتدت الحملة الى خارج نطاق النشاط الانتخابي لتنال العرض والشرف. واستعمال الاسلوب الاخير غايته دفعهن الى مغادرة هذا النشاط وعدم مشاركتهن في المجال العام والانكفاء على بيوتهن خلافا للاحكام الدستورية والقانونية التي توجب المشاركةا وبشكل فاعل، اذ ان لهذه الحملة اهدافها ومريديها فمن هي الجهات الساعية لهذا التحرك النازع نحو تهميش المرأة ومن ثم الاقصاء.

المستفيد من هذه الحملة والساعي لترويجها هو من يملك موقفا سلبيا من المرأة وتصل سقوف الذكورية لديه مستويات عالية لدرجة الحرص على جعل المرأة حبيسة الدونية التي يريد، وان لا تتجاوز المرأة لديه حدود الحريم. وعند البحث عمن تتوفر فيه هذه النوازع او ينطبق عليه هذا التوصيف، فأن الجواب يأتي يسيرا وهو ان هذا التوصيف ينطبق على تشكيلات ما قبل الدولة فهي الهادفة الى النيل من كرامة المراة والاصرار على دونيتها .

أول تلك التشكيلات هي المؤسسة الدينية، وكذلك الاحزاب ذات الخطاب السياسي الديني المتخذة من الدين لبوسا للوصول الى اهدافها والتي تروج الى كون المرأة ناقصة عقل ودين وانها لا تصلح الا لادارة شؤون البيت وتربية الاطفال، وانها بمستوى اقل من الرجل وتتجلى دونيتها بقوامة الرجل عليها، وغير قادرة على التصرف بمفردها من دون تلك القوامة، وانها وجدت للاستمتاع بها من قبل الزوج وبذلك اجمع الفقهاء المسلمون على تعريف عقد الزواج على انه:(عقد استمتاع) وما المهر لديهم الا ثمن شراء البُضع، وهي اذا ما نشزت وامتنعت عن فراش الزوجية فتنال الضرب من قبل الزوج، واذا استمرت في نشوزها الزمها بيت الطاعة، او يمعن في اذلالها بالزواج من ثانية لتصبح المرأة (البايرة)، فضلا عن نقصان العقل تجلى في شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل واحد، ولانها عورة، وان تلك العورة مثيرة للرجال فيجب ان يحجب جسدها بالجلباب والحجاب. والتمسك بالحديث الآحاد الذي يرويه الصحابي ابو بكرة لوحده القائل: (لا يفلح قوم ولوا امرهم امرأة) ومعلوم ان هذا الصحابي مجلود من قبل عمر بن الخطاب لكذبه حسبما هو ثابت في كتب السير والفقه.

المرأة بهذا الوصف المستولي على ذهن رجال الاحزاب ذات الخطاب السياسي الديني والمؤسسة الدينية تولد القناعة لديهم بأنها ممنوعة من الدخول الى المجال العام وحيث انها كذلك - وللاسباب اعلاه – فهي لا تصلح للمشاركة في الشؤون العامة، خاصة في مؤسسة التشريع التي تعد واحدة من اهم سلطات الدولة لكونها – حسبما يرون- انها غير مؤهلة لهذا النشاط بسبب جنسها، أي لمجرد كونها امرأة طبقا للموروث الثقافي الموصوف اعلاه عليه كان السعي لحرمانها من حقها الدستوري مستخدمين الحملة تلك بغية اقصائها عن المشهد السياسي.

التشكيل الثاني هو العشيرة بعاداتها واعرافها وسلوكها التي لم تخرج عن وصف المرأة بـ (الحرمة) والتي احتفظت بموروثها من دون تغيير والتي تمتد جذوره الى ما قبل مجيء الاسلام، فحتى الاسلام بقضه وقضيضه وبقرونه الـ (14) قرنا لم يتمكن من تغيير العديد من الاعراف التي ترسخت في الذهن الجمعي للعشيرة وبقت على حالها الى يومنا هذا ومنها على سبيل المثال لا الحصر: (الفصلية) وهي: ان المرأة العشائرية من ذوي القاتل يعطيها العرف زوجة الى احد افراد عائلة القتيل بدلا من التعويض المالي وبدون مهر، او زواج الشغار الذي يعرف بزواج (كصة بكصة) وهو ان يتزوج شخص امرأة مقابل ان يزوج شقيقته الى شقيق زوجته أي ان كل من الزوجتين تكون مهرا للاخرى، ومعلوم ان المحتل البريطاني وسعيا لترسيخ اعراف العشيرة وللحيلولة دون تاسيس دولة عصرية سعى الى تحويل تلك الاعراف الى قواعد قانونية من خلال التشريع المعروف بأسم (نظام دعاوى العشائر) 1917والذي الغته ثورة 14 / تموز/ 1958.

لذا فأن الموروث المعرفي للعشيرة بهذا الوصف والذي لا يخرج المرأة عن مفهوم (الحرمة) والمؤمن بالفصلية وزواج كصة بكصة لا يمكن ان يرتقي بالمرأة الى مستوى المشاركة بالشأن العام وهو الذي لا يسمح لها يتجاوز عتبة الدار، فتصديه لنشاطها الانتخابي ينطلق من تلك المسلمات، مستخدما مريديه واتباعه لتشويه صورة المرأة للحيلولة دون وصولها الى ما تطمح اليه سياسيا.

ان هذه الحملة تخالف الاحكام الواردة في المادة 14 من الدستور التي تنص على: (العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس..) والحملة هي تمييز واضح بسبب الجنس وتحد صارخ لحكم هذه المادة. هذا اولا، اما ثانيا فان الحملة تخالف احكام المادة 20 من الدستور التي تنص على: (للمواطنين رجالا ونساء حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح)، والحملة تخالف احكام هذه المادة بسعيها الى تهميش دورها واخراجها من العملية السيلسية، فضلا عما تقدم فان هذه الحملة تخالف حكم المادة 42 من الدستور التي تنص على: (لكل فرد حرية الفكروالضمير والعقيدة) وهذا ثالثا.

عليه نرى ان على النساء الاستمرار في مواقفهن والسير في مشروع الاقتراع السياسي الى اخر مراحله مع الاخذ بعين الاعتبار انها معركة من دون شك مع الموروث الثقافي الذي يشدنا بقوة الى عقود التخلف والجهل، وعزاء النساء ان الاحكام الدستورية والتشريعات الانتخابية تقف بحزم الى جانب المرأة وتشد من عزيمتها ويجب ان لا نلقي السلاح اما قوى الظلام والتخلف، خاصة وان القائمين بهذه الحملة لا يستحقون شرف الخصومة.

هادي عزيز علي

كاتب عراقي