الهاشميون من التنظيم السرّي إلى الحوثيين

قداسة فكرة الحق بالحكم خارج المعقول

مع دخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء عام 2014، عاد مفهوم الهاشمية السياسية إلى الظهور مجدداً، وهو مصطلح جديد يشير إلى الهاشميين الذين يعتقدون بأحقيتهم الدينية في الوصول إلى السلطة بسبب نسبهم، أو ما يُعرف بنظرية حصر الإمامة في البطنين(الحسن والحسين)، وهي النظرية السياسية للإمامة الهادوية في اليمن.

هذا التعريف الذي يضعه فيصل علي يتضمّن ما بقي من ظاهرة سياسية يعود تاريخها في اليمن إلى وقت دخول الإمام يحيى بن الحسين القاسم الرسي (الهادي إلى الحق) إليها عام 897، قادماً من المدينة المنورة، معلناً حقه بالإمامة لأنه حفيد الحسن بن علي بن أبي طالب.

سيطر الإمام الهادي على مدينة صعدة في أقصى شمال اليمن، على الحدود الحالية مع المملكة العربية السعودية، وجعلها مستقراً لحكمه وبسط نفوذه على نجران وصنعاء، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً فقد نشب صراع مع اليعفريين أسفر عن خسارته صنعاء، وأسر ابنه الذي قاد حملات السيطرة على العاصمة اليمنية الحالية، قبل أن يتوفى عام 911. وذكرت بعض المصادر التاريخية أنه مات مسموماً.

صراع لا محدود

منذ اللحظة الأولى لدخول الهادي وعدد من أفراد عائلته إلى اليمن، رحّب بهم اليمنيون كونهم أحفاد الرسول ومتديّنين، إلا أنه سرعان ما بدأت الصراعات بين الطرفين.

واستمر وجود الهاشميين أو مَن يُطلق عليهم لقب "الهادوية" في اليمن، وتحديداً في شماله لأكثر من 1000 عام، حاولوا خلالها بسط نفوذهم ومذهبهم الزيدي على جميع أبناء اليمن، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك فقد ظل اليمنيون متمسكين بمذهبهم الشافعي.

منذ تمكّن الإمام الهادي من الحكم، نشأت العديد من الصراعات، وقامت عدة دول وسط اليمن أهمها دولة بني رسول (1228 – 1454م) التي كانت على عداء مع دولة الأئمة، والدولة الطاهرية التي تأسست في البيضاء وسط اليمن على أنقاض حكم الرسوليين، وقامت حروب كثيرة بينهم وبين الزيديين، إضافة إلى دول أخرى عديدة في شمال اليمن وجنوبه.

عام 1539، دخل العثمانيون إلى اليمن وسيطروا عليه، وخاضت الدولة الزيدية أكثر من ثمانين معركة ضد الجيش العثماني، إلى أن تمكّن الأخير من اقتحام صنعاء وصعدة عام 1583. وظل العثمانيون يحكمون اليمن حتى عام 1911، حين عقدوا "صلح دعان"، نسبة إلى المدينة التي عُقد فيها شمال صنعاء، الذي قضى بأن يتولى الإمام يحيى بن حميد الدين شؤون القضاء في اليمن. عام 1918، دخل الإمام يحيى إلى صنعاء بعد خروج العثمانيين وأعلن نفسه ملكاً للمملكة المتوكلية التي استمرت حتى سبتمبر 1962.

ينتمي الهاشميون إلى بني هاشم من قريش، وفرضوا نظرتهم عن أحقيتهم بالحكم، لكونهم أحفاد علي بن أبي طالب وفاطمة بنت النبي، على أبناء اليمن الشمالي لألف عام، حتى قيام الثورة. فعام 1962، قاد مجموعة من ضباط الجيش اليمني حركة عسكرية لإسقاط دولة الأئمة، سرعان ما تحوّلت إلى ثورة شعبية كبرى أطاحت بعائلة حميد الدين، آخر أسرة هاشمية حكمت اليمن.

حدد الثوار ستة أهداف لثورتهم تلك، أتى في مقدمتها "التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتها وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات"، وكان سبيلهم إلى ذلك إنهاء تسلط الإماميين الهاشميين على اليمنيين وإنهاء التمييز الذي كانوا يمارسونه ضد اليمنيين.

فوفقاً للباحث في علم الاجتماع محمد قاسم، كانت صور التمييز قبل الثورة كثيرة، فقد احتكر الهاشميون أغلبية الوظائف العامة ووظائف القضاء وتملّكوا العقارات ذات القيمة الكبيرة. ويقول لرصيف22 إن الصورة الأهم لذلك التمييز تمثلت في كونهم لا يزوّجون بناتهم لعموم الناس في حين كانوا يتزوجون من عموم الناس إذا كانت الفتاة جميلة.

لم يستسلم الهاشميون بسهولة، فقد قاوم الإمام البدر بعد هروبه من صنعاء. وبدعم من السعودية، تمكن من تجميع أنصاره وفي مقدمتهم أبناء العائلات الهاشمية، وفرض على الجمهوريين خوض حروب ضارية ضده وحاصر العاصمة صنعاء عام 1967، بعد انسحاب الجيش المصري من اليمن، إلا أن الجمهوريين تمكنوا من فك هذا الحصار في فبراير 1968، ووقّعوا مع الملكيين اتفاقاً لإنهاء الحرب، بعد اعتراف السعودية بجمهورية اليمن.

التنظيم السياسي للهاشمية السياسية

بعد انتصار الثورة الجمهورية، بدأ الهاشميون بوضع استراتيجية جديدة للملمة أنفسهم، أثمرت تأسيس المجلس الأعلى لحكماء آل البيت عام 1971 على يد أحمد الشامي الذي كان عضواً في فريق المفاوضات الملكي مع الجمهوريين.

انطلق الشامي في عملية إعادة ترتيب البيت الهاشمي. وضم المجلس الأعلى في تشكيلته الأولى أبرز الهاشميين، وفي مقدمتهم يحيى بدر الدين الحوثي (والد حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس جماعة الحوثيين الذي انشق عن المجلس الهاشمي وذهب إلى إيران عام 1992 وتوفي في صنعاء عام 2010) واللواء يحيى المتوكل (تقلد مناصب رفيعة منها سفير اليمن في باريس وواشنطن، ومحافظ أب، ووزير داخلية، ورئيس الدائرة السياسية العليا لحزب المؤتمر الشعبي العام، وتوفي عام 2003 في حادث سيارة قال البعض إنه مدبّر)، إضافة إلى المؤسس و10 أعضاء آخرين من عائلات هاشمية عريقة.

يرى المحلل رياض الغيلي في كتاب بعنوان "التنظيم السري للهاشميين في اليمن" أن أبرز استراتيجيات هذا التنظيم كانت التغلغل في جسد المجتمع اليمني والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والقضائية.

وقال إنه استطاع الدفع بالعديد من قياداته إلى هرم السلطة وأبرزهم مؤسس المجلس الأعلى أحمد الشامي الذي صار عضواً في المجلس الجمهوري ومن ثم سفيراً في لندن وواشنطن، والقاضي عبد القادر عبد القادر الذي تقلّد منصب وزير العدل وساهم في تعيين هاشميين كثيرين في الجهاز القضائي.

أما مَن يوصف بالعقل العسكري للحوثيين، اللواء يحيى الشامي، ابن أخ المؤسس أحمد الشامي، فقد تم تعيينه قائداً عسكرياً للمحور الجنوبي، شمال اليمن، ثم محافظاً للبيضاء وصعدة ومأرب بعد الوحدة، وسفيراً لليمن في عدة دول. يقول الغيلي إن الهاشمية السياسية كان لديها استراتيجية أخرى هي اختراق القوى السياسية، وفي مقدمتها المؤتمر الشعبي العام الذي حكم اليمن لأكثر من 28 عاماً.

فقد عُيّن عضو المجلس الأعلى اللواء يحيى المتوكل أميناً عاماً للمؤتمر الشعبي العام عام 1995، وانضم إلى المؤتمر الشعبي مؤسس جماعة الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي الذي أصبح عضواً في مجلس النواب عن الحزب، كما عُيّن طارق الشامي مسؤولاً عن الدائرة الإعلامية العليا للحزب.

بدوره، يتحدث الباحث محمد قاسم لرصيف22 عن أن الهاشميين بعد انتصار الثورة، بدأوا بلملمة أنفسهم والاندماج في المجتمع ولم يستوعب تنظيمهم أي أحد من عائلة حميد الدين.

الحوثيون والهاشميون

يشكل الهاشميون الذين يُقدّر عددهم بـ10% من اليمنيين العمود الفقري لجماعة الحوثيين، وتُظهر ذلك أسماء قتلاهم المكتوبة على لوحات المقابر في صنعاء وصعدة وغيرها. ويتوزع الهاشميون على العديد من المحافظات خاصةً في الشمال، وأبرز عائلاتهم الشامي والكبسي والديلمي والمتوكل والحوثي والمداني.

لا يثق الحوثيون بما لا ينتمي إلى الهاشميين. وبمجرد دخولهم إلى صنعاء وسيطرتهم على الحكم بدأوا بإصدار قرارات تعيين شملت جميع مرافق الدولة العسكرية والأمنية والمدنية وتعيين مشرفين حوثيين في المؤسسات الحكومية والمحافظات والمعسكرات، ممن ينتمون إلى آل البيت، أو الهاشميين.

لن يجد الباحث في مؤسسات الدولة مؤسسة حكومية تخلو من الهاشميين، حتى أن قرارات المشرفين أصبحت نافذه قبل قرارات الوزراء. مكنت هذه التعيينات الحوثيين من السيطرة على مفاصل الدولة، وفي مقدمتها المؤسستين العسكرية والمالية، واستحوذ آل الشامي على نصيب الأسد من هذه التعيينات باعتبارهم مَن ساهم في تأسيس المجلس الأعلى للهاشميين.

يعتبر الباحث السياسي ثابت الأحمد، في حديث لرصيف22، أنه لا يمكن الفصل بين الهاشمية السياسية والحوثيين، فالحوثيون هم جزء من الهاشمية السياسية وهم الحاملون الرئيسيون للمشروع اليوم وعموده الفقري. ويرى أن الحوثيين يشكلون خطراً ليس على الشعب اليمني فحسب بل على الهاشميين كونهم يبحثون عن حقوق وهمية تنطلق من زعمهم بأحقيتهم في الحكم.

يقول الصحافي يحيى حمران: "إن الهاشميين الذين يؤمنون بالقداسة تفاعلوا مع مشروع الحوثي". لكنّه يؤكد أن هناك خلافات مؤجلة داخل التنظيم الهاشمي، "فإذا تمكن الحوثي من الحكم والسيطرة على اليمن واستتب الأمر له، ستقوم عليه أكثر من أسرة هاشمية لطلب الإمامة، والتاريخ شاهد على أنه في عصر واحد كان هناك ستة أئمة (أو سبعة بحسب بعض المصادر) كل منهم يطالب بالإمامة لنفسه ودارت بينهم صراعات دموية".

في المقابل، يرى الناشط الشبابي أ. الشامي أن الهاشميين تعرّضوا للتهميش والإقصاء بعد ثورة 26 سبتمبر ولم يتعامل معهم اليمنيون كجزء من النسيج الاجتماعي اليمني، وإنما اعتبروهم أعداءهم. ويقول "لرصيف22" إن الحوثيين كانوا مظلومين في البداية بست حروب شنتها الدولة ضدهم، ما دفع بجزء كبير من الهاشميين وجزء آخر من اليمنيين إلى الالتفاف حولهم باعتبارهم مظلومين وليس هاشميين. ويقول: "نحن لا زلنا نؤمن بأن اليمن جمهوري، وإن ما يشاع حول سعي الهاشميين للعودة إلى الإمامة مجرد مناكفات سياسية". يضيف الناشط قائلاً: "إن اقتصار تعيينات الحوثيين على الهاشميين أضرّ بهم وعمّق الفجوة بين اليمنيين". وبرأيه، يجب أن تكون التعيينات وفقاً لمبدأ الكفاءة وليس بحسب الانتماء لأي أسرة كانت.

تجريم الهاشمية؟

تصاعدت مؤخراً الأصوات التي تنادي بتجريم الهاشمية السياسية بعد ما قامت به منذ دخول الحوثيين إلى صنعاء، وارتفعت أكثر بعد التفاف جزء كبير من العائلات الهاشمية حول الحوثيين. وقبل فترة قصيرة، عقد مركز الدراسات اليمنية (يمينون) ندوة، في جامعة يو بي أم الماليزية، تحت عنوان "الهاشمية السياسية وخطرها على الأمة اليمينة"، أوصت بتجريم الهاشمية السياسية دستورياً والكشف عن جرائم الهاشميين منذ قدوم الهادي حتى عبد الملك الحوثي.

يقول ثابت الأحمد: إن الحوثي حلقة صغيرة في سلسة طويلة، وما لم تقرّ الدولة في المرحلة القادمة قانوناً يجرم الهاشمية السياسية، فإن الداء سيبقى سواء بالحوثي أو بغيره، لأن سقوط الحوثي لا يعني سقوط المشروع الإمامي، فقد رحلت أسرة حميد الدين في ستينيات القرن الماضي لكن الفكرة بقيت.

حسن عبد الرحمن

كاتب يمني