قراءة السرد النسوى

أقسام ثلاثة

يقدم الناقد د. محمد عبدالمطلب في كتابه \"قراءة السرد النسوي\"، قراءة في إبداعات المرأة الكاتبة، وبحسب المؤلف أنه انشغل بالشعر ردحا من الزمن أبعده عن السرد الروائي، حيث استغرق في قراءة الشعر حتى أفرغ فيه الجانب الأعظم من دراسته، الأمر الذي حرمه من متعة قراءة الخطاب الروائي، يقول: \"كانت قرائتي للنصوص السردية محدودة على الرغم من المقولات التي ترددت هنا وهناك عن زمن الرواية وعن زمن المسلسل التليفزيوني\".

ويكشف الناقد أنه قدم جانباً من قراءاته النقدية للرواية في كتاب نقدي سابق له بعنوان \"بلاغة السرد\"، ضم إحدى وعشرين قراءة لنصوص روائية، منها نصان لمبدعتين، وتسعة عشر نصاً لمبدعين، أي أن السرد المدروس كان سرداً ذكورياً، وأن السرد النسوي كان هامشاً على هذا المتن الذكوري.

انطلاقا من هذه النقطة لاحظ الناقد سيطرة الإنتاجية الإبداعية للذكور، زماناً ومكاناً، وهو الأمر الذي وجد أنه لا يرتضيه ولا يحب أن يكون مشاركاً في تكريسه، يقول: \"ولعل هذا كان دافعي الأول لهذه القراءة، بوصفها مساهمة مبدئية في إزاحة ثنائية (الهامش والمتن) بعيدا عن ثنائية (الأنوثة والذكورة)، ومن ثم صح مني العزم على أن أفرغ لقراءة أكبر كم متاح لي من السرد النسوي، كما فرغت سابقاً لقراءة السرد الذكوري. وأنا أدرك أن كثيراً من المبدعات والمبدعين لهن تحفظات على هذه الثنائية، ففي رأيهم: أن هناك سرداً واحداً، دون نظر إلى من أنتجه، أو نظر إلى محتواه، يؤازرهم في هذا التوجه، واردات النقد الثقافي الذي يسعى جاهداً لتحطيم مجموع الثنائيات التي أتت التفكيكية على معظمها، ولم يبق له إلا أن يسكنها منطقة الحياد الذي لا يعتمد مفاضلة أو تمايزا″.

في عمله على تحليل السرد النسوي يعمل د. عبدالمطلب على كشف الأبعاد اللغوية والفنية والثقافية للسرد النسوي وتقنياته التي استخلصها من النصوص المقروءة، وقد مثل ذلك القسم الأول من القراءة. أما القسم الثاني، فقد قدم سبع قراءات موسعة لسبعة نصوص نسوية، ومجموع نصوص القسمين بلغ ثلاثة وعشرين نصاً، بين نص قصصي، ونص روائي.

ويشير في مقدمته إلى أنه لم يتمكن إلا من ملاحقة كم محدود من السرديات العربية، خاصة وأن مساحة المنتج السردي النسوي قد اتسعت اتساعاً يفوق قدرة أي قارئ أو ناقد، والكاتب يضع إجابات للأسئلة الاستنكارية التي ممكن أن توجه لدراسته هذه مثل: أين نوال السعداوي؟ وأين غادة السمان؟ وأين أحلام مستغانمي؟ وأين سحر خليفة، وسميحة خريس، وفوزية مهران، ونعمات البحيري؟ والقائمة لن تتوقف.

وهو يرد على هذه الأسئلة قائلا: \"إن أملي عظيم أن تتسامح جمهرة الكاتبات في طرح السؤال الحتمي: لماذا اخترت هذه؟ ولما تركت تلك؟

• قراءة السرد

اختار الناقد مفردة قراءة لتتصدر عنوان الكتاب، مبررا هذا الاختيار بأن هناك مستويين لاستخدام كلمة قراءة، المستوى الأول ما يطلق عليه القراءة الجمالية، وهي القراءة التي تتابع الأبنية التعبيرية إفرادا وتركيبا، حقيقة ومجازا، تداولية وصافية، وهو يهيئء المتلقي لاستلام الرسالة اللغوية بمنتجها الدلالي والجمالي.

أما المستوى الثاني، أي المستوى الثقافي فهو الذي تتجاوز أبنيته مجموع الأنساق الجمالية، لتتجه مباشرة إلى خطوط الدلالة الرأسية والأفقية لردها إلى السياقات الثقافية التي أنتجتها. يقول: \"ولا بد أن نعي أن بين هذين المستويين علاقة جدلية دائمة، فلا لغة بلا ثقافة، ولا ثقافة بلا لغة، ثم تأتي المفردة الثانية في العنوان (السرد) لكي تحصر مفردة القراءة في سياقها المعرفي، على معنى أن لكل جنس أدبي قراءته النابعة من خصوصيته، ويلفتنا هنا التحديد اللغوي ثلاث ركائز:الإتساق، والتتابع، وجودة السياق، وهي من ركائز السرد عموماً، والسرديات الجديدة على النحو الذي جاء عليه المنجز النقدي الوافد”.

إن مصطلح السرد قد استقر معرفيا في الخطاب النقدي حتى إنه لم يعد في حاجة إلى تحديد، وقد تأسس هذا الاستقرار على أعمدة بنائية حاملة للرواية بمكوناتها الأفقية والرأسية التي تنتجها مجموعة الأقوال والأفعال في النص، أي أن السرد هو المادة المحكية بمكوناتها الداخلية من الحدث والشخوص والزمان والمكان، وهي مكونات أنتجتها اللغة بكل طاقتها الواصفة والمحاورة والشارحة والمعلقة.

يقول: \"هذا مفهوم الذي قدمناه للسرد له انتماء - على نحو ما - بمفهوم (القصة) في التراث العربي، وإذا كانت مفردة (البلاغة) التي حضرت في العنوان قد حصرت دلالتها في جنس أدبي بعينه هو (السرد)، فإن هذا الحصر كان تمهيداً للمستهدف الذي نسعى إليه، وصولاً إلى المفردة الثالثة في العنوان (النسوى)\".

• أقسام ثلاثة

قسم الناقد الكتاب إلى ثلاثة أقسام، تضمن القسم الأول مقدمة، وخمسة محاور هي \"قراءة السرد\"، \"النسوي\"، \"ذكورية الأدب\"، \"النسوية الجديدة\"، \"الأدب النسوي\".

وجاء القسم الثاني تحت عنوان ”المنتجات السردية”، وتضمن مقدمة بعنوان \"الأنثى منتجة للسرد\"، ودراسات بعنوان: \"أنثى هدي النعيمي\"، قراءة في المجموعة القصصية \"البنت التي سرقت طول أخيها\" للكاتبة صفاء النجار، قراءة في رواية \"الفخ\" للكاتبة نوال مصطفى، تحت بند \"الأنثى موضوعا للسرد\"، ثم قراءة لقصة \"الصفعة القديمة\" للكاتبة عفاف السيد، وقصة \"الذي لم يأت بعد\" للكاتبة أمينة زيدان، ثم ينتقل الناقد إلى محور الأنثى متلقية للسرد ويقدم تحليلا للمجموعة القصصية \"بنات في بنات\" للكاتبة صفاء عبدالمنعم.

وجاءت دراسة \"السيرة الذاتية النسوية\" ليقدم فيها الناقد تحليلا للمجموعة القصصية \"بدونك سوف أحيا\" للكاتبة منى رجب، وتحت عنوان \"تقنيات السرد النسوي\" قدم الناقد عدة قراءات تحليلية منها: \"الأنحياز للصوت النسوي\"، مع نصوص لكل من سعاد سليمان في مجموعتها \"غير المباح\" ونجلاء علام في \"أفيال صغيرة لم تمت بعد\" و\"الطوطم\" لنورة محمد فرج.

وفي الجزء الأخير من الكتاب قدم الناقد عدة دراسات روائية منها: \"مفارقات سلوى بكر في شعور الأسلاف\"، و\"نسوية السرد في رواية هالة البدري\"، \"امرأة ما.. طقوس الثقافة\"، و\"نقرات الظباء\" لميرال الطحاوي، و\"أعمدة الثقافة في لهو الأبالسة لسهير المصادفة\"، و\"المنتج النسوي في متاهة مريم لمنصورة عز الدين\"، و\"الحوار الصامت قراءة أبجدية الجسد في رواية هيفاء بيطار\".

يذكر أن كتاب \"قراءة السرد النسوي\" صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في 280 صفحة من القطع الكبير. (خدمة وكالة الصحافة العربية).