إيران تشدد الخناق على الأقلية العربية بالاعتقالات والتمييز

استهداف ايراني للأقلية العربية بالتعذيب والتمييز والاضطهاد

لندن - ألقت السلطات الإيرانية القبض على معيدة شعباني نجاد ابنة الخمسة عشر ربيعا قبل شهرين في منزل عمتها بمدينة الأهواز الجنوبية حيث قال والدها إنها كانت تختبئ هناك بعد أن داهمت قوات الأمن بيتها وصادرت أشعارها.

وقال ساهد شعباني نجاد إن ابنته أبلغت والدتها في المكالمات الأسبوعية المسموح بها لها من السجن بأن السلطات وجهت لها تهمة التحريض على العنف من خلال قصائدها عن الأقلية العربية في إيران.

وتقول معيدة في إحدى قصائدها "قاوم يا وطني فلم يبق منك الكثير. قريبا ستسمع في سمائك صوت البسمات ونداء التحرير".

ويقول العرب منذ عهد بعيد إنهم يواجهون تمييزا في إيران غير أن اثنتين من جماعات حقوق الإنسان تقول إن السلطات اعتقلت المئات في المنطقة المحيطة بالأهواز في الأسابيع القليلة الماضية فقط وسط احتجاجات على انقطاع المياه والكهرباء وعلى الفقر والتهميش.

كما وجد العرب أنفسهم طرفا في صراع بين حكام إيران الشيعة والسعودية التي يحكمها السنّة.

وقال شعباني نجاد هاتفيا "أنا مندهش لأن الحكومة الإيرانية خائفة من فتاة عمرها 15 عاما. فتاة صغيرة تعيش في خوف دائم في السجن ولا تستطيع النوم في الليل".

وقال قريب آخر، إن السلطات ألقت القبض على عمة معيدة في الليلة ذاتها وعلى بعض أبناء عمومتها في اليوم التالي. ولا تنشر السلطات الإيرانية في العادة أسماء المحتجزين بل تحرص على احاطة مثل هذه المسائل بتكتم شديد.

وذكرت وكالة رويترز أنها حاولت الاتصال بالمسؤولين الحكوميين الذي يحكمون الرقابة على الحركات المدنية من شتى الاتجاهات ولم تستطع التوصل إلى أي منهم للإجابة عن أسئلة عن موجة الاعتقالات الذي ذكرتها منظمة الأهواز لحقوق الإنسان ومركز حقوق الإنسان في إيران الذي يعمل انطلاقا من نيويورك.

وسبق أن شدد المسؤولون على أهمية التصدي لمظالم الأقليات كما حذر الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي من التمييز، في دعاية يراد منها اظهار المؤسسة الدينية الإيرانية التي تحكم قبضتها على مناحي الحياة، كمؤسسة حريصة على ضمان حقوق الأقليات.

وقال خامنئي أعلى مرجعية في إيران في بيان على موقعه على الانترنت في يوليو/تموز 2017 "القيم الإسلامية ودستور البلاد تلزم كل مؤسسات الجمهورية الإسلامية بمنع أي تمييز أو ظلم بحق الإيرانيين من أي عرق أو جنس أو دين".

موجة اعتقالات

والأهواز هي عاصمة إقليم خوزستان الواقع في جنوب غرب البلاد والذي تتنوع فيه الأعراق ويعيش فيه معظم عرب إيران.

وعندما تفجرت الاحتجاجات في أنحاء البلاد في يناير/كانون الثاني على ارتفاع الأسعار وما يرى المحتجون أنه فساد، اندلعت اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين في جنوب غرب إيران.

واستمرت الاحتجاجات المتقطعة هناك بعد أن خبت نارها في أماكن أخرى وأبدى السكان المحليون من العرب غضبهم مما يقولون إنها عوائق تحول دون التوزيع العادل للوظائف والحقوق السياسية في منطقة تملك 85 بالمئة من الثروة النفطية في إيران.

وأطلق الحرس الثوري الإيراني ميليشياته في الشوارع لإخماد الانتفاضة التي دعمتها دول غربية.

ومن الأسباب الرئيسية الأخرى للاضطرابات، الجفاف الذي يقول سكان المنطقة إنه تفاقم جراء تحويل إمدادات المياه إلى الأقاليم التي يسكنها الإيرانيون من أصول فارسية مثل أصفهان.

وتقول الحكومة الإيرانية إنها تعترف بأن الجفاف مشكلة كبرى وتبذل كل ما في وسعها لحلها.

وفي 2016 أقرت الحكومة بوجود تمييز في عمليات التوظيف في خوزستان وقالت إنه ناجم عن مسائل داخلية تخص الإقليم لا عن السياسة الحكومية.

وتقول منظمة الأهواز لحقوق الإنسان إنها حددت هويات 70 فردا بالاسم من بين المئات الذين ألقت السلطات القبض عليهم في الأسابيع القليلة الماضية.

وقال خمسة نشطاء إن السلطات تتهم المحتجزين باتهامات أمنية من بينها النزعة الانفصالية والتطرف الديني أو بأنهم عملاء للسعودية.

ويقول الناشطون إنه تم استدعاء عشرات آخرين واستجوابهم قبل إطلاق سراحهم.

وذكر عدد ممن أطلقت السلطات سراحهم وأقارب للمحتجزين أنهم تعرضوا لضغوط من قوى الأمن لاسيما من الحرس الثوري لعدم نشر أنباء الاعتقالات.

وقال ثلاثة من المطلق سراحهم إنهم كانوا يتعرضون بانتظام للضرب والتهديد والتعذيب بالصدمات الكهربائية. وقال أحدهم إنه تعرض لصدمات كهربائية في أماكن حساسة من جسمه.

وقال معتقل سابق إنه تم توصيل رأسه بأسلاك أثناء إجراء مكالمة هاتفية لأقاربه من السجن وقيل له إنه سيتعرض لصدمة كهربائية إذا ما قال شيئا غير مقبول.

ولم يستجب مكتب حاكم خوزستان وهيئة السجون الإيرانية والقضاء والحرس الثوري على الفور لطلبات للتعليق على ما تردد عن أعداد المحتجزين وحالتهم في السجن.

مشاكل إقليمية

ويقول متظاهرون من العرب إنه يجب على إيران ألا تنفق المال في سوريا والعراق واليمن بينما يعاني مواطنوها في الداخل.

وفي مظاهرة خرجت في الأهواز في فبراير/شباط شبه المشاركون فيها أزمة المياه والكهرباء في المدينة بأزمة مماثلة في مدينة حلب السورية التي تبني فيها إيران محطات كهربائية بعد مساعدة الحكومة في إخراج قوات المعارضة منها في نهاية 2016.

وفي مقطع مصور انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي ظهر محتجون من عرب إيران وهم يهتفون في مظاهرة مرددين "الأهواز مثل حلب بلا كهرباء وبلا مياه" قبل أن تتدخل الشرطة لتفريقهم.

وتوضح أرقام رسمية أن معدل البطالة في خوزستان انخفض في السنوات القليلة الماضية ليصبح 14.5 بالمئة بالمقارنة مع المعدل العام في إيران البالغ 11.8 بالمئة.

وقال نشطاء في الأهواز إنهم لم يجدوا إلا قلة من المديرين العرب في الحكومة والصناعات المحلية في مسح أجروه في الآونة الأخيرة ويتهمون السلطات بمحاولة تغيير التركيبة السكانية للمنطقة.

وقد أكد مسؤولون إيرانيون أن الهجرة من أقاليم أخرى أثرت على الخصائص السكانية للإقليم لكنهم يقولون إن ذلك ليس ناتجا عن سياسة الحكومة.

لا عرائس للعرب

وفي مارس/آذار خرج آلاف العرب في الأهواز ومدن أخرى في خوزستان إلى الشوارع عدة أيام للاحتجاج على برنامج تلفزيوني للأطفال عن التنوع العرقي.

واستعرض البرنامج الذي أذاعه تلفزيون الدولة عرائس ترتدي أزياء تقليدية مختلفة دون أن يكون بينها عروس واحدة تمثل الأقلية العربية. وقد اعتذر بعض المسؤولين المحليين والمسؤول عن البرنامج علانية عن ذلك.

وقال أقارب إنه تم القبض على خديجة (36 عاما) وابنة أخيها عائشة (19 عاما) في سيارة أجرة ركبتاها بعد المشاركة في احتجاج خارج مبنى الإذاعة والتلفزيون في الأهواز.

وقالت شقيقتها هيفاء صدام في مقابلة من كوبنهاغن "خديجة ليست ناشطة سياسية، فهي أم لثلاثة أطفال. وشاركت في الاحتجاجات فقط دفاعا عن حقوقها الأساسية".

وقال نشطاء إن بعض حالات الاعتقال مرتبطة بالأعداد المتزايدة من عرب إيران الذين يتركون المذهب الشيعي وهو المذهب الرسمي للدولة ويعتنقون المذهب السني السائد في السعودية والعالم العربي.

وقالت إيرانية اشترطت إخفاء هويتها إن السلطات ألقت القبض على شقيقها عبدالله (25 عاما) واستجوبته عن سبب تحوله إلى المذهب السنّي ومساعدة أسر المسجونين.

وأضافت أنه تم الإفراج عنه بعد ذلك بكفالة وقد ظهرت على إحدى أذنيه علامات التعذيب.

وأكدت أن السلطات اعتقلت شقيقا آخر لها عمره 21 عاما لم تشأ أن تذكر اسمه حتى لا يتم التعرف على العائلة، أربع مرات منذ 2012 بسبب نشاطه السياسي بما في ذلك كتابة شعارات على الجدران وإرسال صور الاحتجاجات لوسائل إعلام في الخارج.

وأفرجت عنه السلطات من السجن في مايو/أيار 2017 لكنه اختفى بعد بضعة أيام عقب مغادرته بيته للقاء بعض الأصدقاء في الأهواز.

وتقول شقيقته إن قوات الأمن أبلغت الأسرة بأنها ليست مسؤولة عن اختفائه.

وتزعم إيران إن التقارير عن إساءة معاملة العرب دعاية تروجها دول خليجية لنشر القلاقل، في محاولة للتغطية على انتهاكات صارخة لحقوق الأقليات فيها.

وفي مارس/آذار قالت طهران إن الشرطة ضبطت ما قالت إنها "خلية إرهابية" مدعومة من السعودية والغرب في خوزستان وضبطت مع أفرادها قنابل وأسلحة مضادة للدبابات، وهي اتهامات اعتادت السلطات الإيرانية على ترويجها لتبرير الاعتقالات العشوائية وقمع المعارضين من الأقلية العربية السنّية.

وفي الشهر الماضي أقر أحد أعضاء مجلس الخبراء الذي يتولى تعيين الزعيم الأعلى، بوجود مشاكل تتعلق بالبيئة والبطالة والفقر في خوزستان وحث العرب في الوقت نفسه على التعبير عن شكاويهم من خلال القنوات القانونية.

وقال محمد حسين أحمدي شهرودي في بيان نشرته وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء "أعداء وحدة الشعب الإيراني وعملاؤهم في الداخل يحاولون الصيد في الماء العكر وإخراج المطالب المشروعة لشعب خوزستان عن مسارها بإثارة النعرات العرقية والقبلية والتحيز".