أزمة دواء تلوح في الأفق مع تهافت اللبنانيين على تخزينه

نقابة الصيادلة ترفض تكرار سيناريو 2020 و2021 عندما تسلّل بعض النافذين الى الصيدليات لشراء الادوية بهدف تخزينها ومن ثم تهريبها الى الخارج أو بيعها في السوق السوداء

بيروت ـ عادت أزمة الدواء في لبنان إلى الواجهة من جديد مع التهافت على تخزين الدواء، بينما تحذر الجهات المختصة أن الواقع الدوائي لا يبشّر بالخير وفضلًا عن الأدوية المقطوعة تلوح في الأفق كارثة دوائية في حال وقعت الحرب.

وأزمة الدواء موجودة في لبنان مع حرب أو من دون حرب، واعتاد القادمون إلى لبنان أن تكون حقائبهم محملة بالأدوية المقطوعة وبخاصة أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية. وزادت المخاوف مع تسريبات إعلامية تقول أن قوى سياسية وحزبية بدأت تجول على سفارات ومنظمات أممية طلباً للدواء بكميات كبيرة وتخزينها تحسباً لأي مستجدات قد تحصل في لبنان وذلك بعدما تحركت لجنة الصحة النيابية باتجاه السفارة السعودية من دون أن تتلقى جواباً شافياً.
وأمام مسارعة المواطنين إلى تخزين الأدوية، رفضت شركات توزيع أدوية تسليم الصيدليات كميات إضافية لتلبية حاجات الناس الذين يريدون ضمان أدويتهم في حال وقوع حرب وتعذّر الوصول إليها.
وأكد نقيب الصيادلة جو سلوم أنه "عُمّم على مختلف الصيدليات في لبنان الترشيد في صرف الدواء وإعطاء كمّية مقبولة للمرضى لتلبية الجميع ولأطول فترة ممكنة".

وشدد في تصريحات لمواقع إخبارية محلية، أنهم "كنقابة لن يقبلوا بتكرار سيناريو عامي 2020 و2021 عندما تهافت المواطنون لتخزين الدواء في المستودعات من خلال تسلّل بعض النافذين الى الصيدليات وشراء الادوية بهدف تخزينها ومن ثم تهريبها الى الخارج أو بيعها في السوق السوداء". لافتًا إلى أنهم "كنقابة يحاولون منع هذا السيناريو من أن يتكرر في أي صيدلية".

شركات توزيع أدوية ترفض تسليم الصيدليات كميات إضافية لتلبية حاجات الناس الذين يريدون ضمان أدويتهم في حال وقوع حرب.
 

وعاش اللبنانيون في عامي 2021-2022 تجربة شديدة الصعوبة، في مواجهة انقطاع الدواء من الصيدليات. فقد طالت أزمة نقص الأدوية في لبنان لا سيما أدوية الأمراض المزمنة التي بدأت عام 2020 بسبب احتجاز أموال الشركات المعنية لدى المصارف؛ كافة الفئات العمرية والاجتماعية، خاصةً بعد التوقف عن استيرادها إثر ارتفاع أسعارها، في الوقت الذي نشطت فيه أسواق التهريب وانتشرت الأدوية المزورة في السوق السوداء، وكل ذلك على حساب صحة المواطنين.

وينقسم اللبنانيون بين من يحاول شراء بعض الأدوية الضرورية، التي يحتمل أن تحتاجها العائلة بصورة متكررة، على غرار بعض الأدوية المسكنة والمتعلقة بنزلات البرد ومراهم الحروق.
والفئة الثانية من اللبنانيين أولئك المصابين بالأمراض المزمنة والمستعصية. ومنهم من لجأ إلى الحصول على جرعتين من دواء المرض المزمن بصورة وقائية خشية انقطاعه. وأفاد العديد من الصيادلة أن هذا الأمر شائع وازداد أخيرا حيث يطالب بعض المرضى بتأمين قائمة أدويتهم لشهر إضافي، وهذا أمر مشروع في الظروف الراهنة.

ويرى سلوم أنه "لا يمكن الحديث عن خطة طوارئ لأنّ وضع الأدوية في الأساس سيء"، قائلًا: "نحن في لبّ الازمة، لأنّ أدوية السرطان مقطوعة بشكل كبير والأمراض المستعصية تصل أدويتها بصورة متقطّعة ما يؤثّر على صحة المرضى وبالتالي الواقع سيء"

وأضاف "لا يمكن الحديث عن خطة طوارئ لأنّ الوضع لن يتحسّن والاتكال على المساعدات غير مضمون بسبب الاصطفافات الاقليميّة والدوليّة". مشيرًا إلى أنه "لا يمكن أن نعلم ما ستكون طبيعة الحصار على لبنان".

أما فيما يخص مخزون الدواء فيشير سلوم الى أنّ "لديهم أرقام ومعطيات لا يمكن الكشف عنها إنما واقع الدواء في لبنان لا يسمح للبلد الدخول في حرب".

ووفقاً لنقابة الصيادلة في لبنان فإن الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا، تسببتا في إقفال مئات الصيدليات أبوابها خلال السنوات الأخيرة، وعدد كبير منها باع رخصته لصيادلة آخرين، كما توقف موردو الأدوية عن تسليم الدواء لأسباب عدة منها عدم توفير مصرف لبنان الاعتمادات المالية لهم كون معظم أموالهم محجوزة لدى المصارف، فضلاً عن أن بعضها ينتظر المؤشر كي يستطيعوا البيع بسعر أعلى في ظل تذبذب سعر صرف الدولار.

وبادر الصيادلة بإضرابات متعددة شملت كافة المناطق اللبنانية الأسبوع الماضي، احتجاجاً على آلية توزيع الأدوية التي يتبعها الموردون، حيث حرمت المناطق البعيدة عن العاصمة من أدوية عدة، كما توقف الموردون عن تأمين الأدوية بسبب عدم توفير مصرف لبنان تأمين الاعتمادات اللازمة لمستوردي الأدوية.

ويقول بعض الصيادلة أن القطاع الصحي من أوائل القطاعات التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية في البلاد، ففي ظل ارتفاع سعر الصرف بصورة جنونية، وحددت وزارة الصحة أسعار الأدوية وطالبتهم بالالتزام بها، وهو ما صعب تخزين الأدوية ودفعهم لاستنزاف ما خزن لديهم في السابق، كما أن ثمن الأدوية المرتفعة التي يجب دفعها تفوق قدرتهم في ظل عدم وجود مردود مادي وهو ما أدى لإقفال عدد كبير من الصيدليات.

ويتنقل المواطنون بين أكثر من صيدلية بحثاً عن الأدوية، وسط الخوف من عدم توفرها في المستقبل، فيقدمون على شراء كميات منها، لتتمخض عنها سوق سوداء لبيع الدواء ما أثر على القطاع وجودة ونوعية الأدوية، فمعظمها مزورة غير مرخصة من قبل وزارة الصحة، حيث يتم بيعها في السوق السوداء بأسعار مرتفعة، بعد شحنها من تركيا بصورة غير مثالية فإما تتعرض للحرارة أو تكون منتهية الصلاحية ويقومون بتزوير تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية حتى يسهل بيعها.

ودعت "نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات"، الأسبوع الماضي إلى عدم تخزين الأدوية في المنازل، مؤكدةً أن مخزونها يكفي لأشهر.
ورفضت النقابة في بيان جميع التصريحات والأنباء التي تتحدث عن أزمة وشيكة، وأعلنت في بيان أنها أجرت مسحاً شاملاً لمخزون الأدوية في الوقت الراهن، ووضعته في تصرف وزارة الصحة. وعليه ستكون الوزارة قادرة على المتابعة الدقيقة والموثوقة لمخزون الدواء المتوافر، والتصرف به إذا دعت الحاجة إلى نقله من مكان إلى آخر.

ووفقاً للبيان، فإن مخزون الأدوية المتوافر حالياً ينقسم إلى أربع فئات، الأولى تتضمن الأدوية التي تباع في الصيدليات مثل مضادات الالتهاب والعدوى وغيرها، فيما الفئة الثانية تضم أدوية الأمراض المزمنة، ومخزون الأدوية المتوافر لهاتين الفئتين كافٍ لتزويد السوق اللبنانية لمدة 3 أو 4 أشهر.

وتشمل الفئة الثالثة الأدوية التي تُصرف في المستشفيات، ومخزونها لدى الشركات يكفي لمدة تُراوح بين 3 و4 أشهر. إضافةً إلى ذلك تواصلت النقابة مع المستشفيات لإحصاء مخزون هذه الفئة لديها، وتبيّن أنها تكفي لمدة تُراوح بين شهر وشهر ونصف، وهذا يعني أن المخزون الإستراتيجي لأدوية هذه الفئة، والذي يتوزع بين الشركات المستوردة والمستشفيات، يكفي لبنان لمدة تُراوح بين الأربعة أشهر والخمسة أشهر ونصف شهر.
وتضم الفئة الرابعة أدوية الأمراض السرطانية، ومخزونها المتوافر يكفي لمدة تُراوح بين شهر وشهر ونصف، بحسب النقابة.

وأكدت النقابة أن كل الأرقام التي يتم تداولها عن مخزون الأدوية بعكس ما سبق، هي أرقام غير دقيقة، مشيرةً إلى أنها تتواصل باستمرار مع المصنعين في الخارج، بهدف تأمين الوصول للشحنات الجوية وزيادة المخزون الإستراتيجي. كما أكدت أنه ما دام ليس هنالك من حصار على لبنان، فستبقى حركة الاستيراد طبيعية، لافتةً إلى أنها لا تزال قادرة حتى تاريخه على استيراد الشحنات وزيادة المخزون الإستراتيجي الموجود لديها.

وذكرت أن التعاون قائم مع عدد من الجهات والشركات اللوجستية الموجودة في الخارج، لكي تكون قادرة في حال حدوث أي حصار على المرافئ اللبنانية على أن تجمع كل الطلبيات من الشركات المستوردة للأدوية، وتستحصل عن طريق الحكومة اللبنانية على إذن خاص من المنظّمات الأمميّة، للاستمرار في الاستيراد إما عن طريق البحر من قبرص، وإما جواً من الإمارات.

لذلك، طلبت النقابة من المواطنين عدم القلق والتهافت على تخزين الأدوية، محذرةً من أن هذا الأمر سيخلق نقصاً حاداً في الدواء، وسيمنع عدداً من المرضى من تأمين أدويتهم، ما قد يُدخل لبنان في الأزمة ذاتها التي مرّ بها أواخر عام 2020، بسبب تخزين عدد كبير من المواطنين للأدوية.