فرنسا تدفع لـ'الخيار الثالث' لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي في لبنان

المبعوث الفرنسي إلى لبنان يحذر من أن فرنسا والسعودية ومصر والولايات المتحدة وقطر التي تتابع الملف اللبناني بدأت تفقد صبرها وتهدّد بوقف الدعم المالي الذي تقدمه للبلاد.

بيروت - دعا الموفد الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان المسؤولين اللبنانيين إلى إيجاد خيار ثالث لأزمة انتخابات الرئاسة بعد نحو 11 شهرا من الشغور، فيما يبدو أنه يلمح إلى خيار التسوية المتمثل في ترشيح قائد الجيش كما حذر مبعوث الإليزيه من أن الدول الخمس التي تتابع الملف اللبناني، أي فرنسا والسعودية ومصر والولايات المتحدة وقطر، بدأت تفقد صبرها وتهدّد بوقف الدعم المالي الذي تقدمه للبنان.

وقال لودريان في مقابلة مع وكالة فرانس برس بعد ثلاثة أشهر من بدء مهمة كلفه بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمحاولة إخراج لبنان من أزمته "من المهم أن تضع الأطراف السياسية حدا للأزمة التي لا تطاق بالنسبة إلى اللبنانيين وأن تحاول إيجاد حل وسط عبر خيار ثالث".

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022 فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس، إذ لا يحظى أي فريق بأكثرية واضحة في البرلمان.

ويدعم حزب الله، اللاعب السياسي الأبرز في البلاد والذي يمتلك ترسانة عسكرية ضخمة، وحلفاؤه، الوزير السابق سليمان فرنجية للرئاسة، فيما تبنت أحزاب وشخصيات معارضة ومستقلة ترشيح لوزير السابق والمسؤول في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور.

وقال لودريان "المؤشرات الحيوية للدولة اللبنانية تشي بأنها في دائرة الخطر الشديد" وذلك في خضمّ أزمة سياسية وانهيار اقتصادي متماد منذ أربعة أعوام، موضحا "ليس بإمكان أي منهما الفوز، ولا يمكن لأي من الخيارين أن ينجح".

ومنذ تعيينه في يونيو/حزيران مبعوثاً خاصاً زار لودريان لبنان ثلاث مرات، آخرها الشهر الحالي، والتقى مسؤولين لبنانيين وقادة أحزاب فاعلة من دون أن تثمر جهوده. ويعتزم القيام بزيارة رابعة خلال الأسابيع المقبلة.

ويتردّد بوتيرة متزايدة اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون كمرشح بديل غير محسوب مباشرة على أي فريق سياسي. وكان عون في عداد شخصيات عدة التقاها مسؤولون محليون وأجانب بينهم لودريان.

وطيلة العقود الماضية مثّل قائد الجيش خيار التسوية كلما دخل لبنان في شغور رئاسي، فباستثناء الرئيس السابق ميشال عون الذي وصل إلى الرئاسة بتسوية العهد أو الصفقة التي أدارها حزب الله، بين عون ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري في 2016، لجأت القوى السياسية لانتخاب قائد الجيش ميشال سليمان في 2008 خلفا للرئيس الأسبق والقائد الأسبق للجيش إميل لحود بعد نحو عامين من الشغور الرئاسي.

ورداً على سؤال، رفض لورديان تسمية مرشّح، مؤكداً أنه ليس إلا "وسيطا" وأنّ الأمر متروك للبنانيين لإبرام تسوية، قائلا "أجريت مشاورات أظهرت أنّ أولويات الأطراف الفاعلة يمكن بسهولة أن تكون موضوع توافق".

وكان لودريان دعا المسؤولين اللبنانيين عقب زيارته الثانية إلى بيروت في يوليو/تموز إلى تحديد الأولويات والكفاءات المطلوب توفّرها لدى الرئيس المقبل.

وفي مواجهة "المأزق" القائم، اقترح الموفد الفرنسي على المسؤولين إجراء "مرحلة مشاورات مقتضبة" يليها اجتماع فوري ومفتوح للبرلمان حتى انتخاب رئيس.

 "من المهم أن تضع الأطراف السياسية حدا للأزمة التي لا تطاق بالنسبة إلى اللبنانيين وأن تحاول إيجاد حل وسط عبر خيار ثالث".

وتنسجم مبادرة لودريان مع اقتراح أعلنه رئيس البرلمان نبيه بري نهاية الشهر الماضي وتضمّن دعوة الكتل البرلمانية إلى عقد جلسات حوار لمدة سبعة أيام كحد أقصى خلال الشهر الحالي، على أن تليها جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس.

لكن كتلا برلمانية رئيسية رفضت اقتراح بري بالجلوس حول طاولة حوار من أجل التوافق على شخصية رئيس، معتبرة أن الأولوية يجب أن تكون للتوجّه إلى البرلمان لانتخاب الرئيس مباشرة. وتفضّل تلك الكتل الاحتكام الى اللعبة الانتخابية الديمقراطية وأن يفوز المرشّح الذي يحظى بالعدد الأكبر من الأصوات.

ويعتزم لودريان العودة مجدداً إلى بيروت خلال الأسابيع المقبلة لإطلاق هذا المسار الذي من المفترض أن يدوم "لأسبوع تقريباً"، على أن يقدّم في اليوم الأول ردود مختلف اللاعبين السياسيين حول "أولويات الرئاسة التي يمكن الاتفاق عليها للسنوات الست المقبلة".

وتلي ذلك مرحلة من التشاور بين القوى السياسية اللبنانية، وفي الوقت ذاته ينعقد البرلمان "في جلسات متتالية ومفتوحة" حتى التوصل الى حلّ.

ويزيد الشغور الرئاسي في لبنان الوضع الاقتصادي سوءاً في وقت تشهد البلاد منذ 2019 انهياراً اقتصادياً صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.

ومنذ أشهر، تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية فيما يشترط المجتمع الدولي إصلاحات ملحة من أجل تقديم دعم مالي يساعد لبنان على النهوض من مأزقه الاقتصادي المزمن.

ونبّه لودريان إلى أن الدول الخمس التي تتابع الملف اللبناني، أي فرنسا والسعودية ومصر والولايات المتحدة وقطر منزعجة للغاية، وتتساءل عن جدوى استمرار تمويلها للبنان، في وقت يتمادى المسؤولون السياسيون في عدم تحمّل المسؤولية".

وقد اجتمع ممثلون عن تلك الدول في 19 أيلول/سبتمبر على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، من دون أن يصدر عنهم بيان ختامي.

ولا يزال احتمال فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين الذين يعرقلون إنهاء الأزمة مطروحاً. وقال لودريان في هذا السياق "من الواضح أنها فرضية" مطروحة، في موازاة إصراره على أن "الاستفاقة لا تزال ممكنة".