'آخر كلام' يكشف رفوف الطمع
الرباط - فيلم "آخر كلام" يتمحور حول شخصية تُدْعَى نادية قررت أن تضع حدًا لحياتها، فصعدت إلى سطح بناية مستشفى الأمراض النفسية حيث كانت تخضع لعلاجها، فهددت بإلقاء نفسها في حال محاولة أي شخص الاقتراب منها، حيث شعرت أنها فقدت كل ما كانت تمتلكه.
وكانت هذه الحالة تشكل تحديًا كبيرًا لجميع العاملين في المستشفى، الذين بذلوا جهودًا جبارة لمنع نادية، امرأة في الستينيات من عمرها، من ارتكاب هذا الفعل الخطير، وكانت الدكتورة ابتسام أمام مهمة صعبة، حيث كان عليها أن تحاول إقناع هذه السيدة التي كانت تعيش في حالة من اليأس، بعدم الانتهاء بطريقة درامية.
الفيلم من إخراج عهد بنسودة، سيناريو وحوار يوسف كرامي وبطولة هشام الوالي وبشرى أهريش عبد اللطيف شوقي وابتسام العروسي ومن إنتاج شركة ندى كوم التي يمتلكها عبد السلام المفتاحي.
يكشف المشهد في افتتاحية الفيلم الذي تظهر فيه الممثلة بشرى أهريش وهي تقود السيارة متجهة إلى مكان ما، أنها تعمل طبيبة نفسية تُدعى "ابتسام" وصلت إلى مستشفى الأمراض العقلية الذي تعمل فيه، وهناك تفاجأت بحدوث جلبة في المستشفى، حيث يتحرك الممرضون والممرضات في جميع الاتجاهات والمرضى متروكون لحالهم يفعلون ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب ثم نراها بعد ذلك مرتبكة وتسأل عما يحدث هنا، وهناك دون أن يخبرها أحد بالتفاصيل.
يبرز المشهد الذي يلي هذه الضجة ارتجالًا في بعض اللقطات من حيث أداء الممثل الثانوي إذ نكتشف أن كل ذلك كان بسبب إحدى المريضات التي تُدعى الحاجة "نادية" التي لعبت دورها الممثلة نعيمة إلياس، إذ استطاعت الحاجة "نادية" الوصول إلى سطح عمارة المستشفى، ووقفت مهددة بإلقاء نفسها من هناك بينما يواصل المشاهدون التنفس بصعوبة لفهم ما يحدث، لأن الإيقاع بدأ يتسارع بعد حدوث محاولة الانتحار.
يستمر الإيقاع الزمني للأحداث بالتسارع عندما ننتقل إلى المشهد الذي تحاول فيه الدكتورة "ابتسام" ربط الاتصال بالمدير العام للمستشفى الدكتور "العزوزي" الذي جسده الممثل عبدالحق بلمجاهد، ومع ذلك فإنها لا تنجح في الحديث معه واستلام التعليمات اللازمة، وفي مثل هذه الحال تقرر الدكتورة "ابتسام" فعل أي شيء يمكن أن يساعد على إنقاذ المريضة وإخراجها من سطح المستشفى بسلام.
وترفض المريضة "نادية" الانصياع لطلبها، وتُطلب من زميلها الدكتور "سعيد" السماح لها بالانتحار، بسبب احتجازها في المستشفى دون سبب، خاصةً أنها ليست مريضة، ولا تعاني أي اضطراب نفسي يستدعي وجودها في إحدى الغرف بمفردها.
تتحرك الكاميرا تدريجياً من خلال لقطات مؤطرة تقترب من الحاجة "نادية"، وهي تحاول الحديث من البداية عبر تقنية الفلاش باك، وتبدأ منذ أن كانت موظفة كإطار في إدارة المحافظة العقارية، الفترة التي قضتها بكل تفانٍ وإتقان في عملها بشهادة زملائها ومديرها خلال حفل تكريمها بمناسبة حصولها على التقاعد.
تتوالى الأحداث في زمن الماضي عبر مشاهد لاحقة، نرى فيها الحاجة "نادية" تعيش في فيلا في أحد الأحياء الراقية، وتفاجئها ابنتها "صفاء" التي لعبت دورها الممثلة ابتسام لعروسي، بطلب خطبة من طرف "أمين" زميلها في البنك الذي أدى دوره الممثل هشام الوالي.
يتقدم "أمين" لخطبة "صفاء"، ويتفقون على تأجيل عقد الزواج حتى يحصل على شقته الجديدة، وبسبب التعلق الكبير بين الأم وابنتها تقترح الأم أن يعيشوا مؤقتًا في الفيلا حتى اكتمال بناء الشقة فيوافق "أمين"، ويتم الزواج، ورغم استلامه للشقة يفضل البقاء في الفيلا بناءً على رغبة زوجته صفاء.
من ناحية الأسلوب يستمد الفيلم مادته من واقع يعيشه فئة من المرضى النفسيين بالخطأ، ويظهر ذلك في عدد من اللقطات، خاصةً عندما تعود القصة إلى الماضي حيث يستعمل المخرج تقنية "الفلاش باك"، ويختار الحاجة "نادية" لأداء مناسك الحج بعد فوزها في قرعة سنوية، وقبل ذلك تتنازل عن فيلاتها لابنتها، بسبب خوفها من أن يترامى الأقارب عليها في حال وقوع شيء لها في الديار المقدسة، وخلال الشهر السابع من حملها تنتقل ابنتها صفاء إلى المستشفى، وتلد ابنا وتتوفى بعد ذلك.
يظهر هذا المشهد غير محبوك تقنيًا وفنيًا، إذ أن تتتابع الأحداث من خلال تكوين لقطات سلسة تبين فيها الحاجة "نادية" حكايتها بحزن وألم على حافة السطح، وتعاني حالة اكتئاب حادة، بسبب وفاة ابنتها فتقرر أن تعتكف في الحرم المكي لتخفيف مصيبتها. ويقترح "رفيق" صديق العائلة الذي أدى دوره الممثل نبيل عاطف، هدم الفيلا وبناء عمارة مكونة من عشرة طوابق في مكانها، فيوافق الابن، ولكن يظهر عائق أمام التنفيذ، وهو الحاجة "نادية" حماته التي تمتلك نصف الملكية، وتحتاج موافقتها إلى الهدم والبناء، فيقوم "رفيق" بتزوير توقيعات حاجة نادية بمساعدة صديق له في الجماعة الحضرية مقابل مبلغ مالي.
يتوه بنا المخرج عبر تقنيات بصرية مشتتة، خاصة في تكوين اللقطات التي نرى فيها "نادية" التي عاشت في السعودية لمدة سنتين، تعاني مشكلات التأشيرة وفقدان وثائق هويتها عند عودتها للمغرب، فاستخدام الحوار هنا كان غامضا وغير منسجم، ويبدو كمحاولة للتمويه على ضعف التتابع المتماسك للأحداث، مع تكرار القطع والعودة إلى الوراء واستخدام تكوينات تصويرية تبين لقطات شبه تقريبية لابتكار قصة اجتماعية محبوكة.
ظهرت بعض المشاهد التي قام فيها الممثل نبيل عاطف بدور نصاب على نحو مفرط ومرتجل، وكانت مصطنعة بشكل واضح على مستوى الأداء، خاصةً عندما اكتشفت "نادية" أن فيلتها قد هدمت لبناء عمارة، مما أثار غضبها، ووضعها في صراع مع "أمين" صهرها الذي يدير المشروع.
تضع الكاميرا الجمهور في زاوية تقلب فيها الأمور رأسًا على عقب، حيث تم إيداع "نادية" في مستشفى للأمراض العقلية باتفاق مع "أمين" لتفادي مشكلات البناء والتراخيص المزورة، فتستمر القصة في استكشاف تداخلات العلاقات والمصالح، وكيف يؤثر كل قرار مبني على الطمع على حياة الأفراد.
تنتهي القصة بحادث في مستشفى الأمراض العقلية، حيث يُفاجئ الأطباء بتورط مديرهم في واقعة تشويه لسمعته، الحاجة "نادية" تدّعي محاولة انتحار، وتصطدم الدكتورة "ابتسام" والدكتور "سعيد" بتعقيد الموقف، يتدخل رجال الشرطة ورجال الإطفاء، وتصبح مهمة إقناع الحاجة "نادية" بعدم الانتحار صعبة.
المدير يقرر التصدي للموقف برفقة "أمين" و"رفيق"، ويكشف عن هويتهما كمخططين للاحتجاز غير المبرر للحاجة "نادية"، ويسود صراع بينهم ويُكشَف كل ذلك عبر تسجيل على هاتف الدكتورة ابتسام.
وتتدخل الشرطة ويعتقل المتورطون، ويعتذر أمين للحاجة نادية، ويتنازل عن الممتلكات، مما يسمح للأخيرة بالحرية والعيش مع ابنها وحفيدها.