أدب التغيير والسرد التربوي

تجليات الزمن السردي تمتد في الرواية قرابة العام ونصف العام بداية من أجازة المدارس بعد المرحلة الإبتدائية حتى نهاية الصف الاول الإعدادي.
الرواية بها عدد من  النصوص الموازية أو المفسرة ومنها اللوحات التشكيلية 
الرواية تقول ثيمتها الرئيسة انتبهوا إن الرجل ابن الغلام

أدب التغيير:
فعل القراءة المنشود يبدأ من القارئ المحب للمعرفة والاستمتاع حتى الناقد بوصفه القارئ المحترف صاحب الخبرة الجمالية المتراكمة بالآثار الأدبية، والذي يمهد الطريق لتفاعل شداة الأدب تفسيراً وتوضيحاً فنياً وتعاطفاً مع النص الأدبي، والرواية في عتبتها الاستهلالية تقول "ومن الشبه والنظير نتعلم" بمعنى أن الهدف القيمى للسرد ينشد قارئه الايجابي.
السرد التربوي:
تمتد تجليات الزمن السردى في رواية "برفقة أحمد سعيد" لمحمد عاشور هاشم قرابة العام ونصف العام بداية من أجازة المدارس بعد المرحلة الابتدائية حتى نهاية الصف الاول الإعدادى، بما يعنى أن الراوية تقع في إطار ما يعرف بسرد النمو. ونرى أن الرواية تصنف في إطار أدب التغيير، حيث هى رواية تربوية بالفعل، ربما لأن الروائى يكتب في الأساس للطفل، وهي مهمة نبيلة وشاقة، وحيث كان مفهوم التربية يرتكز نحو تحقيق التنمية المتوازنة والمتدرجة والشاملة والمنتجة في الشخصية الإنسانية، فكانت الناحية التربوية ومرفقها النفسي ألهمت الروائي اختيار الفترة العمرية لشخصيات الرواية الرئيسية "أحمد سعيد وتامر وعقيد وعادل ..."، كما شكلت فكرة التربية تلك قصدية الرواية أنها تهدف لاقتلاع جذور العنف في المجتمع بتحويل مجري سيل تلك الطاقة الشبابية الهائلة والمحتقنة بفورة الشباب إلى طاقة بناءة.
إن الرواية تقول ثيمتها الرئيسة انتبهوا أن الرجل ابن الغلام، واعتبروا بدور المربي وأثره المهم في المجتمع، إن الشبه والتماثل حاضران بقوة في نماذج إنسانية بين عقيد وأبيه في النهم والرغبة المادية الجارفة، وتتضاد معها شخصية أحمد ووالده سعيد عليان في الشهامة والنجدة، والدور التربوى مثله الحكيم المربي أستاذ حمدى ينشد مؤشرات تحولات الشخصية الإنسانية الخيرة في واقع شرس.

الرواية أولت عناصر البناء الروائي الأهمية التي تتفق وقصديتها التربوية فحققت وحدة الحدث بتركيز الحقائق حول مركز جوهري أو فكرة عامة "التغيير"

الفقر إلا قليلاً
طفولة "أحمد عليان" من نحت الرواية مثل بها رحلة الفقير من القليل إلي العدم بما يجعلها رواية هامش وهى فكرة مشهورة بقيام الأدب بالتعبير عن آمال المهمشين والمحرومين، ويعد عالم الهامش كما قيل عنه كنز كبير للكتابة فهو عالم مشحون بالمشاعر الإنسانية والأحاسيس المركبة، تقول الرواية: "هذا البيت الواسع عاش فيه الستر الذي يعنى في معجم القرويين "الفقر إلا قليلا" الآن يعشش فيه الفقر بلا قليل .. الفقر والمرض والخوف وعدم الاطمئنان" (ص 43)، والخلفية الاجتماعية تزدهر في الخطاب الروائي، فنجد قضايا المرأة المعيلة كظاهرة اجتماعية لافتة، وتأمين الحرفي البسيط، والباعة الجائلين باعتبارهم فئة تبحث عن مكان حدى أمن للعيش بين طبقات المجتمع، وتجارات آثمة كتجارة الآثار، وتناول الهامش جاء من وجهة نظر نفسية تشهد باثر التوتر الاجتماعي على السمات النفسية للشخصيات الروائية. 
العتبة الفنية التشكيلية للرواية:
الرواية بها عدد من  النصوص الموازية أو المفسرة ومنها اللوحات التشكيلية وعددها خمس لوحات، وأهمها لوحة الغلاف حيث نجد أول ما يصافح عين القارئ لوحة الغلاف التشكيلية، وهي ذاتها الموجودة (ص 180)، والقراءة الاولى للوحة تشير إلي حمدى المربي الفاضل متعاطفاً مع أحمد سعيد الباكي الذي يحمل صورة والده المريض وملمح أحزان الواقع يتجلى في العيون المغلقة جميعا، عيون سرادق العزاء، لكن لم يبحر الروائي كشأن بعض أدب الهامش في سوداوية الواقع وملمح سقوط البطل المأزوم، لأنه رغم هذا الواقع الجهير بالأسى نجد تلك القلوب التي تدل علي التعاطف والمشاركة والرعاية، فالتعاطف الإنساني سحر السرود المعاصرة. 
الوضوح في الخطاب الأدبي: 
الهدف الإصلاحى التربوي برواية "برفقة أحمد سعيد" أثمر البساطة والوضوح، وهي سمة تلازم الأدب القيمي، حيث مفهوم مقاومة انهيار الشخصية الإنسانية نتيجة الضغوط الحياتية العاتية منح الرواية فكرة إمكانية التغيير من حيث المضمون، ووسيلتها في ذلك طريقة الوضوح على درب اللغة الروائية، والخطية الزمنية، باعتبار أن اللغة مهمتها الإيضاح وليس التعمية على حد قول الناقد/ علي أدهم، وهي أوجب في الرواية التربوية، حيث إن تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وعدم التفاؤل بواقع كابوسي ينبت قدر من الإحباط علي شكل ثمرة مرة في نصوص معاصرة من الإبهام المعجز "الغموض السميك" الذي يحجب النص ويحطم جسر الكلمات بينه وبين القارئ، لذلك نجد منتج الوضوح في اللغة الروائية تميل للصيغة التفسيرية، أو الشارحة وشواهد الإيضاح في الخطاب الروائي كثيفة منها بعض الهوامش المفسرة في حاشية بعض الصفحات، مثال تفسير مفردة الكودية والشليش صفحة 15، والتقويس في المتن للإيضاح المتمم سواء لسمات نفسية أو للتفسير، مثال الجدة اعتماد التي "تغضن أنفها وراح يتقلص لأعلى وأسفل" ثم التقويس لعبارة (وهذا شأنها عندما يزعجها شئ ما).  
كما نجد تكرار سؤال الرواية والإجابات في إطار الحبكة، والحقيقة أن سؤال الرواية تكرر منذ فجر الرواية بطريقة أو بأخرى: لماذا تصرف الطفل أحمد سعيد بهذا العنف في عركنه الأولى؟ وتكرر السؤال في صوت المناجاة الداخلي للأستاذ حمدي: "على أن أفك طلسمه وأحل الألغاز المحيطة به فربما استطعت أن اساعده قبل أن يقع في ورطة كبيرة قد لا يستطيع الخروج منها"، وفي الصفحة التالية (ص 147) تكرر السؤال أو عقدة الرواية وذروة الحبكة" (لماذا كل هذا الحمق؟ ما الذي يجعله يتصرف بهذه الطريقة؟)، ثم لحظة الاكتشاف لسر التصرف الإنساني أو التشخيص الصحيح الذي يشكل ثلثي الرواية كما يدل المؤشر الكمي بينما الحل استغرق ثلث الرواية "اطمئني .. هو ليس مريضا بالمعنى المعروف ولكنه يعاني بعض الاضطرابات التي تجعله يتصرف بهذه الطريقة الخطأ". 

novel
الأحلام تحقق المرونة والتماسك والتبرير

وبرفقة التكرار نجد التلخيص السردي بعد التفصيل مثال الفقرة الإولي (ص 130) والتي تقدم موجزاً لأخبار شهرين على بدء الانتظام الدراسي، ومثال آخر (ص169) يضع الروائي علي لسان المربي حمدي فكرة التلخيص فيتحدث "طالعته وجوه أحمد وعادل وتامر وجوه مضطربة ...إلى آخره من التحليل لجذور في التربة النفسية للشخصيات الروائية في مرحلة تكوينها، والإفادة تقول لا تنظر إلى السطح وتوصل إلي العمق.
التنوير السردي:
كان الشكل السردي التقليدي النصف دائري أو القوس من سبل الايضاح الروائي، حيث ما زال للشكل التقليدي عطاؤه، فالأنواع الفنية تتجاور وتتلاقى ولا تتنافى، فكانت الأزمة والتصعيد والذروة ثم لحظة التنوير الختامية، فهي رواية سلوكية في الأساس حيث إن طريق السرد استغرق نسبة مادية من صفحات الكتاب الابداعي تصل الي حوالي 70 % للوصول إلى جذور المشكلات، وبواعث العنف الاجتماعي، واحتكاك طبقي مميت كأثر اقتصادي. 
إن الحبكة هي النقطة التي تبلغ عندها الحوادث قمة تأزمها، إن رحلة الاكتشاف هذه تمنح دلالة سلوكية أن معرفة المربي البواعث النفسية الصحيحة للسلوك هي سر النجاح، والحدث الروائي بذلك محدد باطوار نفسية وتعاطيها مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي منتجة لسلوكيات مرهقة، والطريقة المناسبة في المتن الروائى للتعامل معها، والتغيير من خلال التعاطف مع لحظات ضعفها الإنساني، واكتشاف جذورها والسير في رحلة التصحيح المرجوة.
رواية شخصية أم رواية حدث؟
قد يمنح عنوان الرواية أنها رواية شخصيات، والحقيقة أنني اؤيد القول الثالث أن الرواية الفنية الجيدة هي رواية شخصية وحدث في آن واحد حيث يصعب الفصل بينهما، فالحدث هو الشخصية وهي تعمل، والفن الروائي الراقي يقدم الشخصية الروائية باعتبارها نموذجاً بشرياً يناظر مجموعة من المواقف، كما أن المواقف هي جوانب للنموذج البشري. 
وفي الرواية نجد أحداثاً محددة منتج تصرفات حادة من أحمد سعيد، وبطريقة الروائي في الإيضاح والتثبيت، نجد الإفصاح التام عن عقدة الرواية "كيف يتصرف صبي مثله بهذا الطيش والاندفاع؟"، واستعمال السارد العليم الذي يفتح سقوف البيوت ويطلع على خصال الشخصيات، ويكشف تعاطيها مع الواقع ونجد تآزر الشخصيات شبه الرئيسية من نفس الطور العمري للشخصية الرئيسية "عادل وتامر وعقيد" والشخصيات الثانوية القابعة في الخلفية "الأب والأم والجدة اعتماد ووالد عقيد" أما أستاذ حمدي فترقى لتكون شخصية رئيسية لأنها حاكمة ومنتجه لمعنى الرواية الكلى.
تقنية الحلم ومرفأ الأمان:
الأحلام في الأصل تحقق المرونة والتماسك والتبرير، يقول "علم النوم" أن الأحلام صدى الأفكار والأحاسيس والأنشطة اليومية، وهي انعكاس في أفئدتنا في الأيام القريبة السابقة، وهي جزء من كينونتنا، وتقنية الحلم الثقيل "الكابوس" تقنية روائية حديثة حيث تم تضفير النسيج الروائي في موضعين منه بكابوس اللصوص والعدوان، وكابوس انهيار البيت، الرواية تقول لنا ضمناً احموا البيوت قبل انهيارها، حيث الأسرة المصرية صوبة اجتماعية معطرة بالود والحنان تتعرض لمخاطر اقتصادية واجتماعية عاصفة.
وبعد إن الرواية التي بين أيدينا أولت عناصر البناء الروائي الأهمية التي تتفق وقصديتها التربوية من وجهة نظري، فحققت وحدة الحدث بتركيز الحقائق حول مركز جوهري أو فكرة عامة "التغيير"، وشخصية رئيسية في نسيج سرد تكويني "أحمد سعيد" تتعلق بها الحقائق والأفكار والشخصيات الأخرى في حوار إنساني بين المظهر والجوهر.