أزمة داخلية تُرخي بظلالها على دور أكبر مركزية نقابية في تونس

مصادر تونسية تؤكد تصاعد الدعوات الداخلية صلب المركزية النقابية للمطالبة بعزل نورالدين الطبوبي.

تونس - يشهد الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة في البلاد، أزمة داخلية تنذر بإضعافه والتأثير على دوره، فيما تتصاعد المطالب بإقالة أمينه العام نور الدين الطبوبي، مع تحذيرات من احتمال انقسامه.

ويواجه الطبوبي اتهامات من قبل بعض النقابيين بالتفرد بالرأي وإقحام الاتحاد في معركة لي أذرع مع السلطة السياسية القائمة والابتعاد عن أهداف المنظمة التي تتمثل في الدفاع عن حقوق الشغالين.

ومارس اتحاد الشغل طيلة العامين الأخيرين ضغوطا من أجل استعادة دوره كشريك في صنع القرار السياسي ولعب كافة أوراقه من بينها ورقة الشارع، لكن الرئيس التونسي قيس سعيد رفض الرضوخ لكافة الضغوط وواجهها بمنطق أن لا أحد فوق القانون.

ونهاية الأسبوع الماضي، فشل اجتماع الهيئة الإدارية، أعلى سلطة بالاتحاد، استمر 3 أيام بمدينة الحمامات (شرق) في تحديد موعد للمؤتمر القادم. والخميس عاودت الهيئة الانعقاد واعتمدت مقترح عقد الاجتماع أيام 25 و26 و27 مارس/آذار 2026 والشروع في الإعداد لذلك، وفق ما أورده موقع "الشعب نيوز" الناطق باسم الاتحاد.

وكان من المقرر عقد المؤتمر في موعده العادي عام 2027، قبل اندلاع الخلافات النقابية. وعلى خلفية تسريب تسجيل للطبوبي وصف فيه نقابيي صفاقس بـ"المافيا"، دعت الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس (جنوب شرق) في 15 مايو/أيار الجاري إلى إحالته على "الهيئة الوطنية للنظام الداخلي".

كما دعت إلى "إيقافه فورا عن النشاط النقابي، لإخلاله بالميثاق النقابي والمس من وحدة المنظمة والعمل على شق صفوفهم والإساءة لسمعتهم والنيل من كرامة قيادتها".

وبعد ثلاثة أيام، أصدر الاتحاد الجهوي بصفاقس بيانا عقب اجتماع الهيئة الإدارية للمنظمة، قال فيه إن نقابيي الجهة تعرضوا لاعتداء لفظي من عضوين بالمكتب التنفيذي للاتحاد، هما سامي الطاهري ومحسن اليوسفي.

ومعلقا على الأزمة الراهنة، قال العضو السابق بالاتحاد الجهوي للشغل بالعاصمة تونس، رشيد النجار "يتفق النقابيون والرأي العام على أن المنظمة تمر بأزمة داخلية حادة أضعفتها".

وأضاف النجار في حديثه للأناضول أن الأزمة "قلصت دور الاتحاد كمدافع عن حقوق العمال، وهناك 5 أو 10 أعضاء في المكتب التنفيذي يدافعون عن مصالحهم، وليس الأمر اختلاف مبادئ في صفوف النقابيين".

ورأى أن "الأمر يتعلق بمعركة داخلية حول المؤتمر، حيث يطالب البعض بتنظيمه عام 2027، بينما يقول آخرون إنه يجب أن يقدم ويعقد في يناير/كانون الثاني 2026".

القيادة لم تعتبر من عملية سحب البساط التي تقوم بها السلطة من تحت الاتحاد

وحول المطالبة لأول مرة بعرض الطبوبي على لجنة النظام وإيقافه عن النشاط، اعتبر النجار الأمر "ليس جديا، لأن له حصانة ولا أساس قانوني للمطلب، وهو يعرف هذا".

وقال إن "الاتحاد الجهوي بصفاقس يحاول المرور بقوة في هذا الموضوع لإثبات الوجود، وهناك تدخلات للحصول على اعتذار من الطبوبي، إلا أن له حساباته ويمسك بالقيادة".

وأردف "هناك طلب اعتذار من الطبوبي لأعضاء اتحاد صفاقس طُرح خلال اجتماع الهيئة الإدارية قد يرضي نقابيي صفاقس"، لافتا إلى أن "قرار المحكمة حول المؤتمر الاستثنائي في مدينة سوسة بإقرار قانونيته، وأن قيادة الاتحاد في وضع قانوني سليم، دعم الذهاب إلى مؤتمر في 2027، وهناك مناورات لتمريره في 2026".

وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022 قضت محكمة الاستئناف في تونس بنقض حكم ابتدائي بإبطال قرارات المجلس الوطني الاستثنائي والمؤتمر الاستثنائي للاتحاد يومي 8 و9 يوليو/تموز 2021.

وقال النجار إنه "من داخل الاتحاد وخارجه هناك من يطالب بلجنة حكماء، ويعتبر أن الحل لا يمكن أن ينبع إلا من هناك، للبحث في المسائل القانونية للأوضاع، وتحميل المسؤولية للمسؤول عن هذا التوتر".

وتابع أن "لجنة الحكماء لا بد أن يوجد فيها نقابيون نزهاء، على غرار علي بن رمضان، وستكون عضويتها ممَّن تحملوا مسؤولية في المكاتب التنفيذية السابقة أو المكاتب التنفيذية الموسعة، التي تشمل رؤساء الاتحادات الجهوية".

وأضاف "هناك مَن صعد لقيادة الاتحاد بفعل الفصل 20، الذي أُقر في مؤتمر سوسة الاستثنائي عام 2021، والآن يحتج لمصالح خاصة، ولكن القانون أصبح مفعلا الآن ولا يمكن العودة عنه".

وبعد أن كان الفصل 20 من قانون الاتحاد الأساسي يحدد مدة نيابة العضو بالمكتب التنفيذي بدورتين فقط، أُلغي هذا الشرط ضمن تعديل الفصل في مؤتمر سوسة الاستثنائي.

ووفق النجار فإنه "لحلحلة الأزمة لابد من مبادرة الطبوبي إلى إصدار عفو نقابي عام، ورفع كل العقوبات التي سُلطت على النقابيين، وفتح حوار واسع وشامل مع كل أجزاء الاتحاد، حتى نعيد له دوره وإشعاعه التاريخيين".

الأزمة مستمرة وبشكل خطير، وتهدد بانقسام الاتحاد

والاتحاد تأسس عام 1946، وكان له تأثير في السياسات التونسية، وبرز دوره أكثر عقب ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).

وداخل الاتحاد توجد مجموعة "الاتحاد للمعارضة النقابية"، وهم نقابيون حاليون وسابقون يعارضون المكتب التنفيذي الحالي للاتحاد. وحسب منسق المجموعة الطيب بوعائشة فإن "قادة الاتحاد لم ينتبهوا لجوهر المشكل والأزمة، وهو تعديل الفصل 20 من القانون الأساسي، فإنها متواصلة".

وأضاف أن "الصراع على تاريخ المؤتمر غدا أو بعد غد أو في مارس المقبل يعني ترك جوهر الأزمة والصراع على مناصب المكتب التنفيذي"، محذرا من أن "هذا هو الخطر الكبير الذي نبهنا له في 2020، لأن تنقيح الفصل يعتبر أن من أمضى دورتين في الموقع يمكنه الترشح".

واعتبر أن "انعقاد اجتماع الهيئة الإدارية لمدة 3 أيام دون التوصل إلى حل يعني أن المسألة ليست مسألة تاريخ المؤتمر". وحول ما إذا كان المطلوب هو رحيل الطبوبي، قال بوعائش إن "بيان 15 مايو لاتحاد صفاقس مبني على ما سبق منذ شهرين من تسريب فيديو للأمين العام يسمي جماعة الجهة بالمافيا".

وأردف أن "اتهام اتحاد بصفاقس لعضوي المكتب التنفيذي اليوسفي والطاهري بالإساءة لجهة صفاقس مرده أن الأخير من الأعضاء الذين يعتبرون أن الجهة المقابلة لهم هي المحافظة، لما لها من ثقل نقابي عددي وتاريخي".

وتابع "الأزمة مستمرة وبشكل خطير، وتهدد بانقسام الاتحاد، والاتحاد الجهوي بصفاقس مستعد للذهاب إلى الأقصى وبياناتهم تدل على ذلك". وحول مقترح تشكيل لجنة حكماء لحل الأزمة، قال بوعائشة إن "القيادة الحالية لم تراع القواعد ومجلس وطني فيه قرابة 600 نقابي، أحد هياكل الاتحاد".

وتابع أنها "لم تعتبر من عملية سحب البساط الرهيبة التي تقوم بها السلطة من تحت الاتحاد، ولم تستوعب الدرس من الملفات التي تُنزع منها الواحد تلو الآخر"، مضيفا أنها "لن تستمع للجنة حكماء".

وقال إن "بعض قدماء النقابيين حاولوا القيام بوساطة، ولم يصلوا إلى أي نتيجة"، موضحا أنه "ليس بسيطا تنقيح مجلة الشغل، قانون العمل، من قبل السلطة، وتشاورها مع الأعراف والخبراء، إلا المعنيين مباشرة بمسألة بالشغل، وهم النقابيون".

وزاد أن "وضع الأزمة الداخلية للاتحاد سمح للسلطة بالتصرف كما تشاء في تنقيح مجلة الشغل وتشكيل المجلس الأعلى للتربية" ورأى أن "السلطة دفعت نحو الأزمة، ولم تكن قيادة الاتحاد قارجة على تنقيح الفصل 20 دون تسهيلاتها".

وختم بأنه "لو نُقح الفصل دون موافقة السلطة، كان يمكن أن نقول إن التنقيح غير قانوني". وفي تصريح سابق، نفى متحدث الاتحاد سامي الطاهري وجود معارضة داخلية حقيقية، مضيفا أن "الاتحاد يحلّ خلافاته ضمن هياكله وبنظامه الداخلي".