أسس الإبداع في فكر عبدالمنعم عواد يوسف

الشاعر المصري الراحل كان رائدًا من رواد الشعر التفعيلي، وأنبت – مع آخرين - شجرته الغضة في تربة الحياة الثقافية العربية منذ خمسينيات القرن العشرين.
في زمن التردى العربي .. ماذا نملك غير الغناء .. قطرات من ضوء نريقها فوق نهر السواد
الشاعر اعتنى في مقالاته بقضية الفن عمومًا والإبداع الشعري خصوصًا

في محبة الشعر:    
أوقف الشاعر عبدالمنعم عواد يوسف حياته وقلمه وفكره، وجل إبداعه علي محبة الشعر الأصيل، فكتب الشعر العمودي والحديث، بل كان رائدًا من رواد الشعر التفعيلي، وأنبت – مع آخرين - شجرته الغضة في تربة الحياة الثقافية العربية منذ خمسينيات القرن العشرين، واستمر عطاؤه الطويل حتى الألفية الأولى من القرن الجديد. فاثمرت شجرة الفن عنده محبة الشعر في رواء قيمي نبيل. كما قال الشاعر: "نغمة تطفو علي شفة النشيد".
وعلى باب قصيدته "أغنيات للوطن" نثر مقولته النثرية في تمجيد الإبداع، ودوره في إضاءة الواقع المظلم، يقول: "في زمن التردى العربي .. ماذا نملك غير الغناء .. قطرات من ضوء نريقها فوق نهر السواد". وبالفعل تغنى الشاعر بقصائده وترك ثروة شعرية من القصائد الطوال والمقطوعات الشعرية القصيرة "الإبيجراما" في مضامين شعرية كثر، ضمتها دواوينه الشعرية في تمجيد قيم الحق والخير ومحبة الإبداع والوطن والإنسان، يقول: "ونرفع راية الأوطان / ونحمل شارة الإنسان / فلا فن ولا فنان / إذا لم نحتضن حرية البلدان / إذا لم يرتفع في الأرض / كل الأرض / صوت كرامة الإنسان"
أجنحة طائر الأدب:
كما ساهم الشاعر في الجانب النقدي والدرس الأدبي بنصيب موفور، ومزج بين ملكة  الإبداع، وملكة التفكير، حيث يحلق طائر الأدب بجناحين من إبداع ونقد. فكتب الشاعر الدراسات القيمة، ومقالات كثر، حيث كان يكتب المقال بقلم سلس، فلا تجد الغموض في الأفكار، بل تجد التركيز والمبادرة الشعورية، والفكرة المركزية في كل مقال يكتبه يلتقطها القارئ ويحتسيها هنيئًا بهذا الأسلوب النمير، فلا تقعر، ولا إغراق في المصطلح النقدي، بل إصابة وتوفيق في الصياغة، وليس هذا بمستغرب والشاعر – في أسس إبداعه - من مناهضي الإبهام الذليل الذي يعسر فهم القارئ. 
فالشاعر كتب المقال خلال أكثر من خمسين عامًا، في أكثر من خمس عشرة مطبوعة صحافية، مما يمنح دلالة أنه ترك ثروة غنية من المقال يجب أن يهتم بها البحث الأدبي ويسعي إليها يستشف ويستخلص منها جواهرها الفكرية والنقدية.

الشاعر كان واعيًا بدور القراءة في تكوين الأديب الأولى، فلا ينبت الأديب المجيد سوى برحلة خصبة طويلة في اجتناء الثقافة والمعارف، ثم يؤسس بعد تمثل غذائه الثقافي في ذاته الإبداعية أسلوبيته الخاصة

وبالوقوف على عدد من مؤشرات المقال لدى الشاعر نجد أنه رغم محبتة وإخلاصه الكبير للإبداع الشعري، فقد ساهم في الدرس الأدبي، والتنظير، والكتابة المقالية حول قضايا ثقافية وفكرية، وإن تعلقت دراساته النقدية وتأملاته في الشائع من نثره حول قضايا الشعر، ودوره في الحياة. حيث محبة الشعر مشمولة في الغالب بمقاله، حيث تناول العديد من النقدات حول الشعراء، أو حول قضايا الشعر، وحتى في تناوله للون الأدبي "القصة" يشير لصلة فن القصة بالشعر.
قطرات من ضوء:
واعتنى الشاعر في مقالاته بقضية بقضية الفن عمومًا والإبداع الشعري خصوصًا، وكيف يبدع الأديب أدبه؟ وما وسائله؟ وما الطرق التي يجب أن يسير فيها حتى يحقق ثمرته الطيبة الغنية؟ وجميعها قضايا مهمة يجب معها الرصد والتأشير، وهذا ما نسعى إليه. 
وجوب تحقيق المعايير الفنية ومزجها بالتجريب الذي يثمر التجديد: 
في فهم الشاعر عبدالمنعم عواد يوسف لقضية الإبداع الفني، أبصره الروح المحلقة، لا البناء الأجوف الضحل، وأبصره أصالة وتجديدًا معًا، فينتقد نظامي المناسبات. أما هذا الشعر الصحيح فى رؤيته فهو الذى تتحقق فيه كل المعايير السليمة للإبداع الشعري مع الأخذ بكل آليات التجديد، من: "صدق فني في تناول التجربة الشعورية إلى معجم شعرى زاخر بالشحنات المعبرة" طبقًا لتعبيره. فهو يؤسس رؤية مستقرة حول أسس الإبداع الأدبي تنطلق من ممكنات السحر الفني، وضوابط الكتابة، وفي نفس الوقت تشكل البناء الجديد، والتثمير في الشكل الفني، ومضمونه الشعري العذب. 
وحول الدافع للتجديد قال: "إنه ليس مجرد مغامرة شكلية إنما تلبية لحاجات نفسية وتعبيرية جديدة انسياقًا وراء هموم عصرية متطورة ... وحتمية استنباط أشكالًا تعبيرية جديدة قادرة على احتواء هذه التجارب والهموم".
تحقيق ضوابط الفن وقضايا الإلتزام: 
وكان دائم الحديث حول "المعادلة الصعبة" بعناق الشكل الفني والمضمون القيمي، أي تحقيق الإلتزام دون تفريط في عناصر الفن الجميل، يقول عنه: "أدب يحقق المتعة والإلتزام بالقضية الوطنية في الوقت ذاته".
ويقول: "تتجلى موهبة الشاعر الحقة في قدرته على حفظ التوازن بين طرفي معادلة الإبداع الشعري، فلا يجور جانب على آخر، وهكذا حرص الشاعر على وضوح موقفه الإلتزامي مع عدم التضحية بالمعايير الفنية الصحيحة".
الأديب زرقاء اليمامة:
وفي مقاله حول استشراف المستقبل يرى من منظور إلتزام الأديب استشرافه المستقبل، وتحذير قومه من خطر قريب يحدق بهم، فيرى التوجه للمستقبل في حاجة إلى الأدب الموضوعى: "يقوم علي الدراسة والعلم والبحث والاستقصاء لوضع خطط مواجهة التحديات المستقبلية ... فيستشرف الأديب "المستقبل القريب" لا البعيد ويعمل على بث الأمل في النفوس إذا كان تصور المستقبل القريب مشرقًا وأحسن، أو الإنذار المبكر في حالة العكس وضرورة تعديل المسار". 
وفكرته تنطلق بكون دراسة المستقبل ليس ترفًا يمارسه الأديب حين نقارنها بضغط اليومي الملح، حيث يرى أن دراسة مشكلات وتحديات المستقبل تكافئ في الأهمية دراسة المشكلات الآنية، حيث إن وضع الحلول لدواهي قادمة أكثر فاعلية من التريث حتى تصبح واقعًا. ويحرر المفهوم فيدرج في مقاله مقولة آرثر كلارك: "التنبؤ بالمستقبل: تنمية خيال الناس ومنحهم القدرة على التفكير بالمستقبل". "

Poetry

نفي الإبهام في النص الأدبي: 
يرى الشاعر ترك الإبهام والغموض السميك، ويحسب – بحق - أن البساطة هي أقصر الطرق إلى وجدان وضمير القراء: "الحداثة هي حداثة المضمون لا حداثة الشكل الفني".  وفي موطن مقالي آخر يرى: "الحداثة ليست غموضًا مفتعلًا ولا أمور شكلية ربما يكون فيها بعض مهارة لاعبي السيرك".
وأشار أكثر من مرة لمنهجه الإبداعي: "حريص أيضا على عمق التناول للرؤية الشعرية دون أن يؤدى هذا إلى الغموض والإلغاز. مع حرصي على التشكيل وبناء شعري يقوم على التصوير لا التقرير. أنا لا أنزلق إلى تداخل خطوط الصورة، أو الوقوف عند ضبابية الحلم كما هو الحال عند السيرياليين. والتزامي بأن أكون ابن واقعي والمعبر عن عصري، لا يكون على حساب المعايير الفنية الأصيلة. التوافق الإيقاعى في شعري يعود إلى إيماني بأن العنصرين الأساسين في التجربة الشعرية هما: التشكيل باللغة والموسيقى".
وكان دائم الإشادة بأسلوب الكتاب الراقي: "بيسر التناول والبعد عن التعقيد اللفظي أو المعنوي على السواء ... حيث السلاسة في الأسلوب، والرشاقة في العبارة، والصياغة الفنية الدقيقة التي تحقق المتعة والفائدة في ذات الوقت، عبر الحيل الفنية البارعة للفنان".
تقدير الصداقة والرحم الثقافي، ودائرة القراء الأوائل:
أخلص الشاعر لأصدقائه من الكتاب والشعراء، وكذا بعدد من أعلام الفكر والثقافة، فاحتفى بمنجزهم الإبداعي، وقام بالكتابة عنهم في مقالاته، والتمحيص النقدي والفكري لهذا المنجز في أسلوبية تقتني مفهوم "النقد المتعاطف" وتدفع الثقافة والحياة الأدبية دفعًا، كتب عن: محمد مهران السيد، وصلاح عبدالصبور، وسعد دعبيس، وعبدالرحمن شكري، وميشيل عفلق، وغسان كنفانى، وأحمد شوقي، وجيلى عبدالرحمن، وكامل أيوب، وحسين علي محمد، وأمل دنقل، ومحمد أحمد حمد، ومحمد فهمي سند، وحسن فتح الباب، وغيرهم.
فتقدير الصداقة عنده دائرة تعانق دائرة القراء الأوائل، لتصبح دائرة واحدة مشرقة بالشعاع الثقافي الودود، يتحدث مثلا عن صديقه الشاعر محمد مهران السيد: "فهو أول من أطلعه على شعري وآخذ بعين الاعتبار ملاحظاته حول ما أكتبه".
التكوين والكدح الثقافي:
وكان الشاعر واعيًا بدور القراءة في تكوين الأديب الأولى، فلا ينبت الأديب المجيد سوى برحلة خصبة طويلة في اجتناء الثقافة والمعارف، ثم يؤسس بعد تمثل غذائه الثقافي في ذاته الإبداعية أسلوبيته الخاصة، يصف الشاعر مطالعاته في فترة التكوين: "قرأت ديواني شوقى، وحافظ، واستهوانى حافظ إبراهيم. وأحببت شعر الراحل محمود غنيم ببساطته وروحه العذبة، قبل أن أقف على شعر المهجر وما به من روعة.. وكان لجبران وميخائيل نعيمة تأثير كبير في نفسي، بيد أن إعجابي الأشد كان بأيليا أبو ماضى وإلياس أبو شبكة، ثم أقبلت على قراءة دواوين علي محمود طه بكل شغف لدرجة أنني كنت أحفظ منها الكثير".
لقطة من الحياة ودعها تختمر: 
ويصف الشاعر أهمية فترة إحتواء الأديب لفكرته، وإنضاجها على روية ومهل، فيصف لحظة الإضاءة في فن القصة، يقول: "وعناصر القصة القصيرة: لقطة من الحياة، يختارها الفنان بوعي، ثم يتركها في لا وعيه فترة تنضج خلالها، وليست اللقطة بأكثر من نقطة ابتداء، ثم يضيف إليها الفنان من ذاته الخلاقة ما يحيلها إلى عمل فني أصيل ... لا مجرد انفعال سطحي ولكن كعمل فني ناضج".