أفغانستان: أمراء الحرب لم يتعلموا شيئا

كابول - جو كوشران
الأفغان يلدغون من نفس الجحر مرة ومرات

كان فريد يجلس القرفصاء في حقل بمزرعته الصغيرة في يوم من الايام منذ ستة أعوام عندما دخل جندي أفغاني مزود ببندقية أيه.كيه-47 وأطلق النار على بطنه.
كان فريد يعرف الذي هاجمه جيدا، فالجندي واحد من المئات الذين أرهبوا حي كالاشرخان جنوبي العاصمة كابول لعدة أعوام، حيث كانوا يقومون بنهب المنازل وسرقة المزارعين واختطاف واغتصاب نسائهم.
ولكن على خلاف الانطباع السائد، فهؤلاء الجنود لم يكونوا أعضاء في نظام طالبان المخلوع، ومع مواصلة العالم تقديمه لوليمة المحبة والوئام مع أفغانستان، لا يلوم زعماء الحكومة الانتقالية والمؤقتة، والمجتمع الدولي، وحتى الصحفيين الاجانب غير طالبان على كل مشكلة وقعت في أفغانستان في السنوات العشرين الماضية.
فلا نسمع الكثير عن الفظائع التي ترتكبها فصائل أخرى مثل قبيلة الهزارة التي جاء منها هذا الرجل المسلح الذي رآه فريد وهو يطلق النار عليه في الحقل، وهي نفس القبيلة التي أشاعت الفوضى في جنوب كابول خلال الاشتباكات مع الجماعات المتناحرة بين عامي 1992 و.1996
وفي حين ترى الكثير من الشواهد التي تنطق بتشدد طالبان في تطبيق الاسلام وبقمع النظام الوحشي للنساء، يبدو أن الكثيرين قد نسوا أن رحى الحرب كانت دائرة في أفغانستان لمدة تربو عن 16 عاما قبل أن تتمكن حركة طالبان حتى من الاستيلاء على كابول.
ولكن فريد لم ينس ذلك، وهو مثل العديد من الافغان لا يستعمل إلا اسم واحد بدون لقب عائلة.
وقال فريد "كان الوضع أصعب لنا بكثير خلال أيام أمراء الحروب في أوائل التسعينات عما كان عليه تحت حكم طالبان، كانوا وحشيين، وكان هناك قتال أكثر من ذلك بكثير".
وتعد هذه الكلمات كفرا في كابول حيث يواصل التحالف الشمالي الذي تدعمه الولايات المتحدة سعيه من أجل ترسيخ نفسه في كابول، رمز السيطرة السياسية في أفغانستان.
ويسيطر التحالف، الذي كان هو نفسه شريكا في وليمة العربدة والعنف والنهب والاغتصاب في كابول خلال أوائل التسعينات، على وزارات الدولة الرئيسية وجهاز الشرطة.
وأطلقت الحكومة المؤقتة التي يقودها التحالف الشمالي حملة دعاية خاصة بها في محاولة لاعادة كتابة التاريخ، ويروي المسئولون، بدءا من حاكم البنك المركزي وانتهاء بمدير الفريق الاوليمبي الافغاني، قصة بعد أخرى حول كيفية نهب طالبان للثروة القومية وقتل نظام طالبان للابرياء ومحوه للثقافة الافغانية.
ومن المثير للسخرية أن يجد المرء على حوائط مكاتبهم صورا لقائد التحالف الاسطوري أحمد شاه مسعود الذين كان جنوده من ضمن أسوأ المعتدين خلال أيام أمراء الحروب.
وباختصار، أصبحت حركة طالبان كبش فداء لدولة لا تزال تدار من قبل من تثور اتهامات بأنهم مجرمي حرب يحاولون فجأة إعادة ابتكار أنفسهم.
وقال أحد السكان الغربيين الذي يقطن في أفغانستان منذ فترة طويلة: "كلهم هنا مذنبون".
والاسوأ من ذلك أن الذين عادوا إلى الحكم لم يتعلموا من أخطائهم السابقة، وينظر الناس إلى وعود الزعيم الافغاني في الحكومة الانتقالية، حامد قارزاي، ببناء نظام ديمقراطي في أفغانستان على أنها كلمات جوفاء لارضاء الدول المانحة التي تلوح لهم بمليارات الدولارات في شكل مساعدات.
وعلى أرض الواقع في كابول، يعامل التحالف الشمالي المواطنين باستعلاء كعهده في السابق، ويعمل أمراء الحروب المتناحرين على إعادة بناء إقطاعياتهم الخاصة والاستيلاء على الاسلحة في الاقاليم في اجترار مرير للتاريخ نفسه.
وقال ألبرتو كايرو، رئيس مشروع التجبير التابع للجنة الدولية للصليب الاحمر: "إنهم لا يغيرون أي من عاداتهم". وأضاف كايرو الذي عاش في أفغانستان 12 عاما: "لدي إحساس إنهم لا يفهمون أن هناك عملية سلام تمضي قدما".
ويبدو أن أمراء الحروب لا يدركون أيضا أنه من المفترض أنهم يقومون بالتحول نحو الديمقراطية. وفي الاسبوع الماضي، قتل حوالي 50 شخصا في إقليم باكتيا الشرقي بعدما هاجم المقاتلون من أنصار الحاكم الجديد أنصار أمير الحرب المنافس الذي لم يقبل تعيين الاخر من قبل الحكومة الانتقالية.
والحكومة الانتقالية لا حول لها ولا قوة خارج العاصمة. وهي تحاول دوما التقليل من شأن اندلاع العديد من المعارك بين الفصائل خشية فقدان مساعدات إعادة البناء.
وقال قارزاي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة: "ستستمر المناوشات في أفغانستان لوقت طويل، وسأشعر بالدهشة لو لم يحدث ذلك".
وبالرغم من هذا التصريح المليء بنذر الشؤم، إلا أن اتفاقية السلام التي وقعت في بون بألمانيا من قبل الفصائل المتحاربة في شهر كانون الاول/ديسمبر الماضي لا تزال متماسكة حتى الان.
بيد أن هناك اعتقادا بأنه يتعين على الحكومة الانتقالية شراء أمراء الحروب في الاقاليم عن طريق منحهم حكم ذاتي، أو مناصب مرموقة في الحكومة الانتقالية الجديدة التي سيتم اختيار أعضائها في حزيران/يونيو، ولو فقط من أجل استمرار عملية السلام.
وحتى ذلك الحين، قد يفكر أمراء الحروب في تعلم بعض الامور من التاريخ الافغاني القريب، وعلى الاخص حقيقة أن قتال الفصائل وعدم سيطرة حكم القانون بعد انسحاب القوات السوفيتية في عام 1988 هو الذي أدى إلى صعود طالبان.
وفي حين لقي الآلاف من مقاتلي طالبان مصرعهم أو أسروا خلال الحرب التي شنتها الولايات المتحدة، لا يزال الآلاف يختبئون في شرق وغرب البلاد أو في أفغانستان في انتظار فرصة للعودة إلى الحكم.
وقال صحفي أفغاني كان قد أجرى حديثا مع أحد أعضاء الطالبان المختبئين في إقليم باكتيا "قالوا (طالبان) إنهم استولوا على البلاد في عام ،1996 وفور رحيل الامريكيين، سيعودون مرة أخرى".
وبالرغم من أن هذا السيناريو يبدو بعيد الاحتمال فقاذفات القنابل الامريكية بي-52 تواصل التحليق في أجواء أفغانستان بحثا عن أهداف، إلا أن ما هو أغرب من ذلك قد حدث بالفعل في أفغانستان التي غالبا ما يعيد التاريخ فيها نفسه.