أقطاب إخوان المسلمين في السعودية.. التربية والتعليم

رح الإخوان بحالة الابتلاع للحالة التعليمية في السعودية كان بادياً من خلال ما سطروه خلال فترة السيطرة وما بعدها، وفي هذا السياق لا يخفي القرضاوي في مذكراته ابتهاجه بتلك السلطة.

ملخص بحث يوسف الديني "الإخوان وتأسيس السلطة الرمزية ابتلاع الحقل التعليمي في السعودية"، مركز المسبار للدراسات والبحوث، الكتاب 133 لشهر يناير (كانون الثاني) 2018.

 تتبع الشخصيات الحركية التي أسهمت في تأسيس السلطة الرمزية في حقل التعليم بالسعودية والخليج، يقودنا إلى قائمة طويلة من الشخصيات التي قد لا يحصيها العد، لا سيما وأن الفترة التاريخية لهجرة الإخوان استمرت إلى عقود، وأنتجت أجيالاً من المعلمين والموجهين والتربويين السعوديين، إلا أن بذرة التحولات قادتها شخصيات عديدة، كتب عن المشاهير منهم العديد من المقالات والكتب، لكنْ ثمة عددٌ ممن لم يسلط عليهم الضوء لعل من أبرزهم:

•       ‫ حسين كمال الدين بن أحمد الحسيني (1332-1407هـ) (1913-1987م)، وهو أحد أعضاء ‫التنظيم الخاص للإخوان، وتم ترشيحه ‫ ليكون المرشد الرابع للإخوان المسلمين بعد عمر التلمساني، ولكن تم اختيار حامد أبو النصر. ‫سجن حسين كمال الدين عدة مرات في أيام فاروق وجمال عبدالناصر، لكنه هاجر إلى السعودية وعمل بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ‫عُين عضواً في هيئة مشروع المدينة الجامعية،  ‫ثم عُيِّن أستاذاً مشرفاً على مراكز البحوث الفلكية، وظل يعمل في جامعة الإمام إلى ما قبل وفاته بسنتين.

•       الدكتور عبدالرحمن البر أحد الشخصيات الإخوانية الذين تمت إعارتهم للعمل كأستاذ ‫مساعد في كلية الشريعة وأصول الدين بأبها، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من عام 1996 حتى عام 2002. وأشرف على عددٍ من رسائل الماجستير والدكتوراه، وناقش عددًا آخر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية.

•       محمد هلال القائم بأعمال المرشد بعد وفاة المرشد السابق مأمون الهضيبي، وحتى تولي المرشد الحالي محمد مهدي عاكف، والذي قدم للمحاكمة عام1965،  ‫وبَعد خروجه من المعتَقل عام 1970 عمل في المحاماة قبل أن يغلق مكتبه من قبل السلطات المصرية، وينتقل للعمل مستشارًا قانونيًّا بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض.

•       ‫لاشين أبو شنب، أحد أهم أعضاء ‫مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان‪ ‫المسلمين، دخل السجن بعد سنة 1948، ثم ‫سافر‪ إلى الكويت عام 1960 للعمل مدة ثلاث سنوات، ثم إلى السعودية للعمل في جامعة الإمام‪ ‫محمد بن سعود لمدة أربع سنوات، يتحدث عن تلك الهجرة إلى الخليج في مذكرات نشرها في الموقع الرسمي للإخوان على الشبكة ويقول: "بالنسبة للبلاد العربية، فقد سافرت إلى الكويت والسعودية والإمارات وقطر واليمن،‪ ‫وكانت زياراتي لهذه الدول مندوبًا عن الإخوان المسلمين، وقد زرت الكويت قبل أن‪ ‫تتميَّز بما هي عليه الآن مما يدعونه بالحضارة، وكان أهلها من الذين يقومون بواجب‪ ‫الضيافة والإحساس بأخوَّة إخوانهم المسلمين كثيرًا؛ ولذلك كانت الدعوة هناك ثريةً،‪ ‫والإقبال عليها كثيفًا، وكان هناك الكثير من أعيان الكويت وكبار سكانها ينتمون إلى‪ ‫هذه الدعوة المباركة".

•       فتحي أحمد حسن الخولي، من قيادات الإخوان التي عملت في كلية التربية في مكة، حيث ‫انتقل إلى المملكة العربية السعودية عام 1377هـ، وعمل مدرسا بمعهد المعلمين بالرياض، ثم تم اختياره من قبل وزارة المعارف‫عام 1383هـ لتدريس العربية، ثم أمينا للتوعية الإسلامية بجدة قبل أن يتفرغ للعمل كمستشار ومستثمر في عدد من المدارس الخاصة، ترجم له في موسوعة الإخوان بأنه من الرعيل الأول الذي لحق بركب الدعوة منذ مهدها، وتخرج في دار العلوم بمصر عام 1949، وفي ترجمته "كرمته إمارة منطقة مكة المكرمة أخيرًا، وسلمه الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز درع التعليم، كأول مدير للمعلمين بجدة، وبعد أن أُحيل إلى التقاعد تفرغ لإدارة مدارسه الخاصة بجدة (مدارس التيسير) التي أنشأها عام 1388هـ، وهي من أولى المدارس الخاصة التي أُنشئت بجدة منذ أكثر من أربعين عامًا، والتي خرَّجت المئات من الشباب السعوديين والعرب"، ووصفه القيادي الإخواني جمعة أمين (نائب المرشد العام) بأنه "كان القبلة التي يتوجه إليها الإخوان".

•       الدكتور محمد محمد الراوي، طُلب لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وانتقل إليها بداية من العام الدراسي (1390-1391هـ/ 1990م)، واستمر بها مدة تزيد على خمس وعشرين سنة عمل خلالها في: كلية اللغة العربية، عمل بها مدرسا للتفسير والحديث، وفي كلية العلوم الاجتماعية من بداية إنشائها، كما أسهم في قيام كلية أصول الدين، وعمل بها أستاذاً للقرآن وعلومه، ورئيساً لقسم القرآن أكثر من ثلاثة عشر عاما، وكان له دور في إنشاء المعهد العالي للدعوة الإسلامية، وقام بإلقاء المحاضرات فيه، وأشرف على رسائل الماجستير للذين أكملوا الدراسة فيه، وأشرف على كثير من الرسائل العلمية ما بين ماجستير ودكتوراه في كلية أصول الدين وغيرها من كليات الجامعة، كما شارك في الاختيار مقررا للجنة الدراسات الإسلامية لسنوات طويلة في جائزة الملك فيصل العالمية بالرياض في المملكة العربية السعودية.

•       محمد رأفت سعيد، من قيادات الإخوان المهاجرة، عمل بجامعة الإمام كأستاذ مشارك، وتنقل بين عدة دول خليجية منها قطر.

•       عبدالمحسن شربي، الذي يوصف -بحسب شبكة الإخوان- بأنه "أحد أبناء الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين، كان أحد الأسماء البارزة في وضع المناهج التعليمية في السعودية التي هاجر إليها بعد سلسلة من الاعتقالات في مصر إبان الأزمة مع نظام عبدالناصر. انتقل من السعودية في آخر حياته للعمل في إدارة المعهد العلمي الإسلامي لتخريج الدعاة من أبناء أفغانستان، قبل أن يعود لمصر ويتوفى عن عمر ناهز الثمانين عاماً".

•       محمد محمود الصواف، ‫أقام بمكة منذ عام 1962 مدرساً بكلية الشريعة، ثم مستشاراً بوزارة المعارف السعودية، ولد بالموصل، وكانت الإطاحة بالنظام الملكي بالعراق هدف الشيوعيين، حيث حكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن، وظل في سجن "بعقوبة" قرب بغداد إلى أن استدعاه عبدالكريم قاسم، وأطلق سراحه بعد أن اطمأن على حكمه من الشيوعيين، ثم قرر الشيخ الصواف الخروج من العراق، فغادر إلى دمشق متخفياً، ثم توجه إلى المدينة المنورة واستقر به المقام في مكة المكرمة، وفي زمن حكم الملك فيصل (رحمه الله) انتدبه مبعوثاً خاصا له يحمل رسائله إلى الحكومات العربية والإسلامية، وقد ألّف (رحمه الله) كتابه "رحلاتي إلى الديار الإسلامية" الذي جمع فيه مذكراته عن زياراته إلى الدول المسلمة في أفريقيا وآسيا، ومقابلاته مع رؤساء وزعماء تلك الدول.

•       عبدالله ناصح علوان، هو الشيخ الداعية المربي عبدالله ناصح علوان أبو سعد، ولد (رحمه الله تعالى) في بلدته حلب سنة 1347هـ/ 1928م، وأكب على طلب العلم منذ صغره فتلقى العلوم الطبيعية والشرعية فيها، وحصل على الثانوية الشرعية سنة 1949م، انتقل بعد ذلك إلى الأزهر في مصر، حيث أكمل تعليمه العالي وحصل على شهادة كلية أصول الدين سنة 1952، كما حصل على شهادة تخصص التدريس، وهي تعادل الماجستير سنة 1954م، وأخرج من مصر في العام نفسه، وكان له في دمشق مصاحبة وتأثر بالشيخ الدكتور مصطفى السباعي، حصل الشيخ على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من باكستان، كما عمل أستاذاً في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة.

عام 1964 بعد أن نجحت الجماعة في لعب أدوار كبيرة في تأسيس الحراك التربوي والتعليمي في السعودية، عهد إلى محمد المبارك (الشخصية المتخصصة في التربية) إعداد المناهج الدراسية في الكليات التربوية في الجامعات، لا سيما في التخصصات والمواد الإسلامية، وهو ما أنتج ثقافة مغايرة عن العلوم الشرعية بالمعنى التقليدي إلى ما يعرف في لغة الإسلام السياسي بالثقافة الإسلامية، والتي تعنى بموضوعات الهوية، والسياسة، والغزو الفكري، والحاكمية بعبارة أخرى المنظومة المعرفية الحركية للإسلام السياسي، وكان لافتاً أن ينتقل الإخوان من المشاركة والمزاحمة في تقرير المفردات الحركية داخل المناهج التقليدية إلى كتابتها مباشرة وبشكل صريح، وربما كانت مادة "نظام الإسلام" و"المجتمع الإسلامي المعاصر" بداية لتغيير شامل وقطيعة مع مناهج الإسلام التقليدية واستبدالها بالفكر الإسلامي من زاوية الإسلام السياسي.

إن فرح الإخوان بحالة الابتلاع للحالة التعليمية في السعودية كان بادياً من خلال ما سطروه خلال فترة السيطرة وما بعدها، وفي هذا السياق لا يخفي الدكتور القرضاوي في مذكراته ابتهاجه بتلك السلطة الرمزية: "ورأينا إخوة من الأساتذة التربويين في وزارة المعارف التي يقودها الرجل الفاضل ‫الشيخ حسن عبدالله آل الشيخ، وقد شكلت منهم لجان لتغيير المناهج التقليدية، إلى ‪ مناهج معاصرة، تراعي الأسس التربوية، وتجمع بين الأصالة والتجديد، كما ألفت كتب‪ ‫حديثة في ضوء هذه المناهج لا تغفل العقيدة الإسلامية، ولا القيم الإسلامية، كما لا‪ تغفل روح العصر وتياراته في المضمون والأسلوب".