أما "أفواه وأرانب" أو الحل الهندي

في ظل زيادة عدد السكان ستكون الكراهية هي الميزان المنصف لكم هائل من البشر لن يجد لنفسه مكانا في المعادلة البشرية.

تقدمت الهند إلى المركز الأول فيما تراجعت الصين إلى المركز الثاني على سلم الدول الأكثر سكانا في العالم. ذلك سباق لا ينتج أخبارا سارة، بالرغم من أن ولادة طفل في عائلة هو في حد ذاته خبر سار، غير أنه سيزيد من أعباء العيش على كوكبنا الذي تخطى عدد الساكنين فيه الثمانية مليار نسمة. والهند التي أحرزت سبق الفوز في ذلك السباق هي بكل المعايير دولة فقيرة، وهو ما يتناقض مع سمعتها في المجال العلمي، لا لانها دولة نووية حسب، بل وأيضا لأنها على الأقل خرجت إلى الفضاء برحلات ستكون عبثية إذا لم تكن محاولة لتمهيد الطريق أمام الجزء الفائض من سكانها للانتقال إلى كواكب مجاورة.

أليس في الحديث عن بشر فائضين شيء من القسوة؟ في أحيان كثيرة يكون هناك مَن يستهلك الطعام من غير أن تكون له يد في انتاجه. ودائما هناك بشر يتمتعون بما تنتجه عقول منفتحة على العلم من ابتكارات تقنية من غير أن يتصلوا بالفكر الذي يقف وراء روح الابتكار. "نأكل لنعيش أم نعيش لنأكل". صار ذلك السؤال قديما. لقد امتزج الجانبان بطريقة غامضة. السمنة صارت مرضا فيما تحولت الرياضة إلى جنون جماعي. وليست هناك إمكانية على المدى المنظور على أن يحصل عشر سكان الكرة الأرضية على الغذاء الصحي. لا يزال شبح الخبز يطارد الجزء الأكبر منهم. ففي الوقت الذي صار فيه الخبز سلعة جانبية بالنسبة للقلة لا يزال حاجة بالنسبة للأكثرية التي تضعه على المائدة باعتباره مادة رئيسة للشبع وليس زينة يمكن أن تُعاد من غير أن تُمس إلى المطبخ.  

في عالم الفائض البشري ترى ربطات الخبز وهي تُخفي ما تحتها من غذاء فيما يختفي الخبز من موائد العالم الذي ضبط ماكنة انتاجه البشري. قد لا يأكل الصينيون الخبز ولكنهم يأكلون الرز. في الحالين فإن الاكتفاء هو الغاية. والطب الحديث يحذرك من الخبز والرز كونهما يؤديان إلى الإصابة بمرض السكري. وحين تلتفت إلى إيطاليا تجد قائمة مطبخها تغص بالمعجنات. كلها قمح ومشتقاته. ولقد فوجئت في تونس على سبيل المثال أن الكثيرين يميلون إلى الطعام الإيطالي بالرغم من أن المطبخ التونسي كان في الماضي يغص بأنواع من الوجبات الغذائية الغنية التي هي بطريقة أو بأخرى عنوانا لهوية وطنية. حدث وأن حلت الوجبات التي تُعد سريعا محل الوجبات التي يتطلب اعدادها انتظارا وصبرا.

ولكن الحل الإيطالي لا يشكل خروجا من معضلة إطعام ما يزيد عن الثمانية مليار فم مفتوح. أما الحديث عن الأمراض التي يمكن أن يؤدي إليها تناول الكربوهيدرات بطريقة مبالغ فيها فهو حديث مترف وفيه الكثير من التعالي على الواقع. فمَن قال أن البشر في الكثير من أجزاء معمورتنا يودون أن تطول أعمارهم. مَن قال إن العمر الطويل يجلب السعادة؟ يكثر عدد سكان الهند وهم ينعمون بالديمقراطية بالرغم من أن جزءا منهم يقيم في الشارع بما يعني أن أجيالا تتوارث الشارع باعتباره مُلكية خاصة وهو امر معقد يصعب شرحه. ولا يحتاج المرء إلى أن يذهب بعيدا للتسليم بالكارثة. فمصر على سبيل المثال صارت منذ عقود تضيق بسكانها ومن تتح له فرصة التجول في العشوائيات في محيط القاهرة لابد أن تدور في ذهنه جملة "أفواه وأرانب".

في كل الأحوال فإن زيادة عدد السكان ليس حدثا سارا. فمهما فعل العلماء من أجل تطوير انتاج الغذاء، نباتا ولحوما فإن البشرية ستكون عاجزة عن إطعام أفرادها الذين يتكاثرون. ليست الحروب حلا. وليست الأوبئة كما هو حال "كورونا" حلا. وليست صناديق الإغاثة حلا. الحل يكمن في أن تتوقف البشرية عن التفريخ. فليس أمامنا سوى أن ننتج أجيالا من الجهلة الفقراء الذين لا يملكون خلاصا في حياتهم سوى السرقة والعنف والإرهاب. في ظل زيادة عدد السكان ستكون الكراهية هي الميزان المنصف لكم هائل من البشر لن يجد لنفسه مكانا في المعادلة البشرية.

ستكون هناك أغلبية لا تنتج تسطو على حق أقلية تعمل من أجل أن تستمر الحياة على كوكبنا. أما إذا عثرت الهند على طريق يتم من خلاله تصدير الفائضون من البشر إلى كواكب أخرى فإننا سنكون في منجى عن الشعور بالهلع. سنكون حينها مطمئنين إلى أن كوكبنا سيكون آمنا من عودة آكلي البشر.