أمراض عصر الأنترنت بين الإعياء السيبراني والاكتناز الرقمي

قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات المتصلة أكثر من أي وقت مضى، ربما يتسبب في شعور متزايد بالملل، لا تقتصر آثاره السلبية على مجرد ألم في الرقبة، بل إنه يتسبب في المعاناة من المرض حرفيا.

القاهرة – يقضي جزء كبير منا ساعات طويلة امام شاشات الكمبيوترات او الهواتف المتصلة بالأنترنت، في أسلوب حياة يبدو للوهلة الأولى مريحا لكنه يحمل معه أمراضا نفسية بينها اجهاد الأنترنت  والاكتناز الرقمي.

وقضاء ساعات طويلة أمام الشاشات أكثر من أي وقت مضى، ربما يتسبب في شعور متزايد بالملل، لا تقتصر آثاره السلبية على مجرد ألم في الرقبة، بل إنه يتسبب في المعاناة من المرض حرفيًا.

الإعياء السيبراني

يمكن أن يسبب نشاط الشاشة، خاصةً لفترات طويلة، ما يسمى "الإعياء السيبراني" وهي ظاهرة تشبه دوار الحركة التي تؤدي إلى مشاعر حقيقية للغاية من الغثيان وضبابية الدماغ والدوخة والصداع النصفي، في حين أن "إعياء الإنترنت" كما يطلق عليه أيضاً يصيب بعض الأفراد بشكل أسوأ أو في كثير من الأحيان أكثر من غيرهم وقد يبدو من المستحيل تجنبه في هذا العصر الرقمي المفرط، إلا أن هناك بعض الطرق المفيدة للحد من استخدام الشاشة ومعالجة إحساس الشخص المزعج للغاية بالشعور بدوار البحر في مكتبه.

يمكن أن يسبب البقاء على الشاشات لفترات طويلة إعياء الإنترنت، والذي يقول الخبراء إنه يشبه دوار الحركة بعدة طرق، إذ يمكن أن يشعر الشخص بالغثيان وألم في الرأس، وفي بعض الحالات، ربما يشعر الشخص بالدوار أو ضبابية الدماغ.

يوضح البروفيسور جيليان إسحاق راسل، معالج نفسي في بولدر بكولورادو، قائلًا: "يحدث دوار الإنترنت عندما يتلقى الدماغ رسائل مفادها أن الشخص تتحرك - على سبيل المثال، من خلال شاشة وامضة - بينما هو في الواقع ساكن".

تسمى تلك الحالة "الصراع الدهليزي البصري"، ومن بين الأمثلة الأكثر شيوعًا للصراع الدهليزي البصري هو الشعور بالإعياء والدوار أثناء محاولة الشخص القراءة أثناء ركوبه سيارة. بينما تركز عيناه على جسم ثابت، فإن بقية الجسم يشعر بالحركة (إنه يتحرك تقنيًا بسرعة السيارة على الرغم من أنه لا يزال جالسًا في مقعده).

وتقول كريستينا فين، أستاذة مساعدة في العلاج المهني في معهد نيويورك للتكنولوجيا في لونغ آيلاند، إن تلك الحالة تتسبب "في نوع من الارتباك حيث تستشعر العينان شيئًا واحدًا وتكتشف الأذن الداخلية والجسم شيئًا آخر". وعندما يحدث هذا النوع من الرسائل المختلطة، يمكن أن يشعر الشخص بالغثيان أو الدوار، خاصة إذا كان عرضة لدوار الحركة.

وبالمثل، فإن وقت الشاشة، خاصة تلك التي تحتوي على صور متحركة، يمكن أن يخلق أيضًا نوعًا من الصراع الدهليزي البصري. وتقول الدكتورة فين: "في هذه الحالة، تكتشف العينان الحركة على الشاشة بينما يظل الجسم ثابتًا، مما يؤدي إلى تعارض يمكن أن يسبب مشاعر مماثلة لدوار الحركة"، مضيفًة أن الأمر لا يستغرق يومًا كاملاً حتى يصاب الشخص بهذه الحالة، وإنما يمكن أن يطرأ بعد ساعة أو ساعتين فقط من استخدام الشاشة. ويمكن أن تستمر الأعراض في أي مكان من بضع دقائق إلى عدة ساعات، لكن تختلف التأثيرات من فرد لآخر.

ويشير الباحثون إلى أن الضوء الأزرق، الذي ينبعث من الشاشات، ربما يكون أحد مسببات دوار الإنترنت، موضحين أن التعرض للضوء الأزرق يمكن أن يصيب بالأرق واضطرابات النوم، ويوصي الباحثون بتقليل وقت استخدام الشاشات قبل النوم، وربما تكون تلك التوصية مرتبطة أيضًا بالتخفيف من دوار الإنترنت.

ولتفادي هذا الدوار ينصح الخبراء بالمساعدة على تذكير الجسد بمكان وجوده في الفضاء عن طريق النهوض والتجول بشكل متكرر. وبطبيعة الحال، يحذر خبراء الصحة من مخاطر الجلوس أكثر من اللازم، ويوصي الباحثون بالنهوض كل 30 دقيقة، وهي فكرة يمكن أن تكون حكيمة لدرء دوار الإنترنت أيضًا، لأن الجسم سيكتسب "المزيد من المعلومات حول موقعه في الفضاء، مما يقلل من الصراع الحسي".

لتقليل إجهاد العين، يقترح دكتور ستار اتباع قاعدة 20-20-20-20، والتي ترتكز على أخذ استراحة من استخدام الشاشة كل 20 دقيقة والنظر إلى مسافة 20 قدمًا أو أكثر لمدة 20 ثانية، ثم يتم استخدام آخر 20 ثانية لإعادة ترطيب وتليين سطح العين عن طريق إغلاق العينين لمدة 20 ثانية أو الرمش 20 مرة في تتابع سريع.

كما يجب تقليل التعرض للضوء الأزرق حيثما أمكن ذلك. تقول دكتورة فين إن العديد من الأجهزة تحتوي على مرشحات للضوء الأزرق مدمجة فيها، لذا يمكن التحقق من إعدادات شاشة الهاتف والكمبيوتر لمعرفة ما إذا كان هناك خيار لتقليل الضوء الأزرق أو شراء مرشح للشاشة.

الاكتناز الرقمي

وعلى جانب اخر، اكثر نفسانية، يلاحق مرض نفسي مستحدث عددا متزايدا من مستخدمي الأجهزة الرقمية، وهو الاكتناز الرقمي.

والاكتناز في تعريفه النفسي هو اضطراب يتميز بصعوبة انفصال أو تخلي الشخص عن ممتلكاته، وكان يُعدّ في السابق أحد أعراض اضطراب الوسواس القهري، وهو اضطراب عقلي وسلوكي يؤثر على ما يتراوح بين 2% و4% من سكان العالم.

ويعد الاكتناز الرقمي نسخة جديدة من الاضطراب مرتبطة بالأشياء الإلكترونية الخاصة بالشخص، بداية من رسائله النصية، وصولا لروابط الإنترنت والمواد المسجلة والمصورة بأنواعها.

ومع تغلغل وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الإنسان، وقدرة ذاكرة الحاسوب والهواتف على تخزين المعلومات دون تكلفة مادية كبيرة، ظهرت نسخة أحدث من النمط النفسي للاكتناز وعدم القدرة على التخلي عن المعلومات، وفقا لموقع "يو سي إل إيه هيلث".

لذلك يقوم المكتنز الرقمي بتجميع رسائل البريد أو الصور أو المقالات أو الملفات الصوتية، أو أي نوع من المحتوى الرقمي الذي يعتقد أنه قد يرغب في حفظه أو استخدامه في المستقبل.

ولكن لا يتحول الأمر لاضطراب نفسي يؤثر على الصحة العقلية إلا عندما يبلغ مستوى حادا يتداخل مع جودة حياة الشخص ويصيبه بالإرهاق.

هناك العديد من الأسباب التي تدفع الناس للاكتناز في الفضاء الإلكتروني، وبحسب مقال نشره موقع "إس نورتون" تُصنف أنماط الشخصيات المصابة بهذا السلوك كالتالي:

- المكتنز القلق: لا يحب المكتنز الرقمي القلقُ التخلص من الفوضى الرقمية الخاصة به. وكما يشير اللقب، فإن مسح شيء ما يثير لديه توترا شديدا نحو المستقبل، لذلك يحتفظ بكل شيء لأن هذا يمنحه شعورا بالراحة والسيطرة.

- المكتنز المطيع: المكتنز الرقمي المطيع ليس مكتنزا للبيانات باختياره، إذ غالبا ما تكون بروتوكولات مكان العمل أو الهياكل التنظيمية التي ينتمي لها هي التي تجعله يحتفظ بالأشياء لإثبات مهامه وإنجازاته.

وعادة، لا يكون للمكتنزين الرقميين المطيعين أي ارتباط عاطفي بالفوضى الرقمية التي يحتفظون بها، ومع ذلك قد تسبب لهم التوتر والضيق.

- المكتنز المنفصل: االمكتنز الرقمي المنعزل أو المنفصل لا يعرف ما يجب فعله بكل الفوضى الرقمية لديه، فهو ليس منظما في المقام الأول، ويشعر بالكثير من الضغط النفسي بسبب حياته الرقمية الفوضوية ويتكاسل عن تنظيمها.

ويؤدي هذا السلوك الى تقليل كفاءة الأجهزة وارتفاع المخاطر الأمنية وتقليل الإنتاجية كما يؤثر على النشاط الذهني التوتر والضغط العصبي.

ولا يقتصر الأمر على أن سطح المكتب الفوضوي يثير أنماط التوتر نفسها التي تثيرها المساحة المادية غير المرتبة فحسب، بل يمكن أن يسبب التوتر عند البحث في آلاف الملفات للعثور على ما نريد.

وتقدر إحدى الدراسات أننا نضيع 55 دقيقة يوميا في البحث عن الأشياء المفقودة في الفوضى الرقمية. هذا المستوى المستمر من التوتر يهدد الصحة العقلية والنفسية، وفق موقع "هاربرس بازار".

ويرى الخبراء انه يجب صنع نسخة احتياطية من صور وفيديوهات الهاتف باستخدام خدمات مثل "فليكر" و"صور غوغل"، للاحتفاظ بالمحتوى بأمان وإتاحة فرصة مسحه من الهاتف.، فضلا عن حذف التطبيقات الذكية غير المستخدمة بصورة دورية وإلغاء الاشتراك من رسائل البريد الإلكتروني غير المفيدة لمنع تراكمها، إلغاء متابعة الأشخاص غير المفيدين عبر المنصات المختلفة.

وينصحون  ايضا بإيقاف تشغيل جميع الإشعارات عبر الأجهزة الذكية لتخفيف عبء المتابعة وتنقيح المحتوى المصور والمسجل، والاحتفاظ بالنسخ الأفضل فقط والحفاظ على سطح مكتب الكمبيوتر نظيفا وخاليا من الملفات غير المستخدمة فضلا عن اختيار خلفية تجعلك تشعر بالهدوء والسعادة.