أنطاليا: رحلة إلى الريف الوادع

الماء والخضراء والوجه الحسن

انطاليا (تركيا) - من هانز ديتر كلاي
منتجع انطاليا السياحي الشهير على ساحل تركيا الجنوبي ليس مجرد شاطئ، بل أن هناك الكثير الذي يمكن أن يراه السائح إذا زار المناطق الريفية الداخلية والتي تضم آثار حضارات قديمة خالدة.
وحتى عندما تكون الشمس متوهجة ويبدو أن الشواطئ هي أفضل مكان للهرب من حرارتها اللافحة، فإن الامر يستحق القيام برحلات إلى المناطق الريفية المحيطة في جبال طوروس التي تكسو قممها الثلوج حتى في فصل الصيف.
وفي منطقة طوروس، تقع بلدة تيرمسوس على بعد 35 كيلومترا (22 ميلا) شمال انطاليا والتي كانت في العصور القديمة عبارة عن حصن يقع بين قمتي جبلين شاهقين. ولا يمكن الوصول إلى البلدة إلا من خلال منحدر جبلي متعرج. أما الحصن ذاته فيمكن الوصول إليه عبر طريق جبلي زلق لا يستطيع السير عليه إلا الشخص اللائق بدنيا، وكلما اقترب المرء من الحصن ينقشع الضباب الذي يلف المكان تدريجيا وتظهر أطلال الآثار اليونانية والرومانية.
ولعل من أروع آثار المنطقة المسرح المشيد فوق جرف جبلين، لكن منطقة المدافن لا تقل روعة بتوابيتها الحجرية العملاقة المتراصة فوق بعضها بعضا.
ولابد أن نقل ورفع هذه الحجارة الضخمة المزينة بنقوش بارزة كان مشروعا عملاقا في العصور القديمة. ويعتقد بأن البلدة قد هجرها سكانها بعد أن ضربها زلزال.
وينتهي الطريق رقم "إي-24" من انطاليا إلى بوردور، وهو واحد من أهم الطرق التي تربط ساحل انطاليا بمناطقها الداخلية، بطريق جبلي متعرج تكثر عليه الحوادث. وعلى الطريق الجانبي المؤدي إلى اسبرطه، يوجد حصن ساكتشاجوز القديم الذي لم يتمكن الاسكندر الاكبر من فتحه عام 333 إلا بعد قتال عنيف. وبنى المحتلون الرومان في المنطقة مجمع حمامات عامة ومسرحا للموسيقى وآخر للدراما.
ويعكف علماء الآثار على القيام بحفريات في الموقع وترميم آثاره منذ عام .1990 غير أن المسرح المهيب ترك على حاله حتى الان رغم أن الزلازل أدت إلى حدوث تشققات في مدرجاته من الجانبين ونمت أشجار التين ونباتات الدفلى السامة وسط الشقوق، ومن فوق المدرجات، يمكن للمرء أن يرى القبور الحجرية القديمة والوادي الخصب المترامي الاطراف.
ويمكن القيام برحلة أخرى من الساحل جهة الشرق إلى ألانيا حيث تقع بلدتا بيرجي وأسبيندوس الاثريتين على مسافة قريبة من الطريق الرئيسي رقم 400 وهما تعتبران من المقاصد السياحية المفضلة حيث تضمان الكثير من المطاعم وأكشاك بيع الهدايا التذكارية والمجوهرات وتجار السجاد. ويقصد سياح من جنسيات مختلفة كثيرة البلدتين حيث يتسلق زوار بيرجي أطلال الاعمدة الاثرية لالتقاط الصور. وتتوافر الحافلات السياحية باستمرار أمام مبنى المسرح المعتنى به بشدة في أسبيندوس.
كما تحولت قرية سايد الصغيرة بآثارها الرومانية الرائعة إلى مقصد سياحي شهير وتضم الان سوقا ضخمة والكثير من الفنادق.
وهناك أيضا قرية سيلجي الجبلية الصغيرة التي كان يستحيل الوصول إليها بالسيارة في الماضي، ولكن تم استكمال تمهيد ثلثي الطريق المؤدي إليها والممتد لمسافة 55 كيلومترا من الطريق الرئيسي ويمكن للزائر استكمال الرحلة باستخدام سيارة ذات دفع رباعي أو سيرا على الاقدام.
ولا تزال منازل القرية محتفظة بطابعها القديم حيث يوجد في الكثير منها شرفات ضخمة مكشوفة وترتدي النساء والفتيات الملابس التقليدية ويستخدمن الانوال ويخبزن الخبز على أحجار ساخنة ويغسلن الملابس في النهر. ولا يوجد في القرية شيء يذكر بالعصر الحديث سوى مبنى المدرسة الذي يتوسطه تمثال آتاتورك. ويمكن لزائر القرية رؤية المسرح الاثري وترعى الابقار والماعز في المراعي الموجودة بين معبد زيوس ومعبد أرتيميس ويسوق المزارعون ماشيتهم في مكان السوق القديمة. وتحمل النساء حزما ضخمة على ظهورهن ويسرن عبر بوابة المدينة القديمة.
وتمكنت سليجي من الاحتفاظ باستقلالها لفترة أطول من القرى الساحلية. وكان سكانها يعيشون أساسا على بيع النبيذ والبخور والراتينج بالاضافة إلى العطور.
كما جاءت الاخشاب التي استخدمت في بناء سفن الاساطيل القديمة من غابات جبال طوروس. ومثلها مثل الكثير من المواقع الاثرية الاخرى في تركيا، يتعين القيام بالكثير من أعمال الترميم والتجديد في سيلجي وحتى حدوث ذلك، فإن القرية تتيح للزائرين فرصة نادرة للقيام برحلة ممتعة عبر الزمن إلى عصور غابرة.