أنقرة تسعى لإقناع واشنطن بدعم التقارب مع الأسد
أنقرة - عقد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، لقاء مع سفير الولايات المتحدة السابق في أنقرة جون باس، تركزت خلاله محادثات الطرفين على عملية التطبيع التركية المحتملة مع دمشق السوري التي تواجه عقبات عديدة، فيما تريد أنقرة من واشنطن وقف الدعم لـ"وحدات حماية الشعب الكردية".
ويأتي اللقاء قبل الانتخابات الأميركية المزمعة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، سبقه أيضًا تسارع في مسار التقارب التركي مع سوريا وتسيير دوريات تركية- روسية مشتركة شمال شرقي سوريا.
وقالت "بي.بي.سي.تورك" وفقا لمصادر دبلوماسية الخميس إن فيدان تبادل مع السفير الأميركي وجهات النظر حول حل يأخذ المخاوف الأمنية التركية في سوريا بعين الاعتبار.
وذكرت المصادر للشبكة أن المحادثات أشارت إلى التأثيرات السلبية للأحداث في غزة على سوريا، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على التنسيق بين الجهات الفاعلة التي يمكن أن تلعب دورًا في حل الصراع بغزة.
وتتوقع تركيا من الولايات المتحدة إنهاء دعمها لـ"وحدات حماية الشعب الكردية" التي تعتبرها واشنطن منذ 2015 شريكًا محليًا للقتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" بينما تصنف تركيا هذه الوحدات "منظمة إرهابية".
وبالنظر إلى تصريحات المسؤولين الأميركيين حيال التطبيع التركي مع سوريا، فإن أنقرة تخلص إلى أن الولايات المتحدة لا تنظر بشكل إيجابي إلى عملية من هذا النوع، لكن واشنطن لن تتفاعل بقسوة مع مثل هذه الخطوة في الوقت الذي تشير فيه إلى أن الضغط على النظام السوري يجب أن يستمر لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
من المقرر أن تعقد "هيئة التفاوض السورية" المعارضة، خلال سبتمبر/أيلول الحالي، مجموعة لقاءات مع مسؤولين أتراك في العاصمة أنقرة.
بالنظر إلى طبيعة الملفات الشائكة والخلافية بين أنقرة ودمشق لا يمكن أن تكون عملية التطبيع بين الجانبين "سهلة"
وبحسب خطة لقاءات "الهيئة" ستجري لقاءات مع مسؤولين أميركيين في الولايات المتحدة، إذ إن وفدًا من رئاسة "الهيئة" سيزور الولايات المتحدة لعدة أيام، وسيجري أيضًا لقاءات مع ممثلي بعض الدول في الأمم المتحدة، خلال الزيارة إلى نيويورك، بالتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتأتي هذه التحركات بعد إعادة تنشيط مسار التقارب التركي مع النظام السوري، وصولًا للحديث عن لقاء محتمل بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس السوري بشار الأسد، دون تحديد موعد أو مكان للقاء من هذا النوع.
وفي الوقت نفسه، تتمسك دمشق بموقف من المسار الذي تدفع به موسكو، إذ اعتبر وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، أن الوجود الروسي والإيراني في سوريا شرعي، بينما وصف الوجود التركي والأميركي بـ"الاحتلال".
وقال المقداد، في 14 من سبتمبر/ أيلول الجاري، إن المهام العديدة التي تتحملها "الحكومة السورية" ستقود في نهاية المطاف إلى تحرير "كل ذرة تراب تحتلها تركيا، وكل ذرة تراب تحتلها الولايات المتحدة الأميركية أو قوى انفصالية وضعت نفسها في خدمة التوجهات الغربية".
وردًا على سؤال حول الوجود الإيراني والروسي في سوريا، ونيله من السيادة السورية، قال المقداد إن ذلك ينطبق على "الاحتلال التركي لأرضنا".
وبالنظر إلى طبيعة الملفات الشائكة والخلافية بين أنقرة ودمشق لا يمكن أن تكون عملية التطبيع بين الجانبين "سهلة" كما يرى خبراء، ورغم أن التصريحات الرسمية الأخيرة كسرت جزءا من الجمود في العلاقة قد يختلف المشهد بصورته المعلنة عند الغوص بالتفاصيل.
وأولى تلك التفاصيل سلطت الضوء عليها صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، إذ تحدثت عن وجود اتصالات مستمرة بين دمشق وموسكو وعواصم عربية من أجل أن "يخرج أي لقاء مع تركيا بتعهد واضح وصريح وعلني بالانسحاب الكامل من سوريا، وفق أجندة محددة زمنيا".
واعتبرت الصحيفة أن ما سبق "ليس شروطا مسبقة"، وقالت إنها "قاعدة أساسية يمكن البناء عليها للبحث في المتبقي من الملفات"، على رأسها "دعم المجموعات الإرهابية والمقصود بها وتعريفها".
وتقدم تركيا دعما لآلاف المقاتلين في شمال سوريا، وهؤلاء يتبعون لتحالف "الجيش الوطني السوري"، وينسحب دعمها أيضا إلى الشق الإداري والخدمي والسياسي، حيث تستضيف أعضاء كثر من المعارضة السياسية السورية على أراضيها.
في المقابل يعتبر الأسد المسلحين المعارضين في شمال سوريا "إرهابيين". وعلى مدى السنوات الماضية خاض ضدهم عمليات عسكرية، كما أن الكثير من أعضاء تلك الفصائل المسلحة كانوا قد انتقلوا بأسلحتهم الخفيفة، بموجب اتفاقيات رعتها روسيا في ريف دمشق ودرعا وحمص وسط البلاد.
ولا يبدو أن الجانب التركي مستعد حتى الآن لتصنيف حلفائه على الأرض كـ"إرهابيين"، وهي النقطة التي أثارتها صحيفة "الوطن" شبه الرسمية، دون أن تحدد جهة مسلحة دون غيرها.
ورغم أن أنقرة تشترك وتتقاطع مع الأسد في عداء "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المسيطرة على مناطق في شمال وشرق سوريا، لكن تختلف طريقة التعاطي والنظر عند كل طرف عن الآخر.
وتنظر أنقرة إلى "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية على أنها ذراع عسكري مرتبط بحزب "العمال الكردستاني" المصنف على قوائم الإرهاب لديها، وفي واشنطن وعواصم أوروبية أخرى.
أما الأسد فقد صنّف "العمال الكردستاني" في تسعينيات القرن الماضي على أنه منظمة "إرهابية". لكنه لم يتخذ ذات الإجراء مع "قسد"، وتباينت تصريحاته ضدها خلال السنوات الماضية ما بين وصف أعضائها بـ"العملاء" من جهة وبـ"الخونة" من جهة أخرى.
كما أن الكثير من التقارير الإعلامية كشفت على مدى سنوات ماضية خيوطا اقتصادية وخدمية تربط كل من دمشق و"قسد".
واتضحت للعلن بعد عام 2019 عندما أبرم الطرفان عدة تفاهمات بخصوص الانتشار العسكري على الأرض، مما فتح بابا لعناصر قوات الأسد للدخول إلى شمال شرق سوريا برفقة عناصر من الشرطة العسكرية الروسية، والذين تمركزا في قواعد بعد ذلك أبرزها في مطار القامشلي.