أنقرة تلاحق رئيس 'الشعب الجمهوري' في حملة تستهدف المعارضة
أنقرة - فتح ممثلو الادعاء تحقيقاً مع أوزغور أوزيل، رئيس حزب الشعب الجمهوري، على خلفية تصريحاته التي اعتُبرت "إهانة وتهديداً" للمدعي العام في إسطنبول. يأتي هذا التطور في سياق حملة متصاعدة تقودها السلطات التركية ضد المعارضة السياسية، في خطوة تُفسَّر على نطاق واسع بأنها محاولة ممنهجة لإضعاف الخصوم قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، والتي يبدو أنها ستكون من الأكثر حساسية وتنافسًا في تاريخ البلاد الحديث.
وتصريحات أوزيل جاءت خلال تجمع جماهيري في إسطنبول انتقد فيه ما وصفه بـ"الاستهداف السياسي المتعمد" لقادة المعارضة من قبل النظام القضائي. وقال صراحة إن المدعي العام في إسطنبول يعمل بتوجيهات سياسية، ما أثار رد فعل رسمي عاجل تمثل في فتح تحقيق فوري معه.
هذا النوع من الردود القضائية السريعة على انتقادات المعارضة أصبح مألوفًا في السنوات الأخيرة، ما يعزز الانطباع بأن القضاء التركي فقد حياده، وأصبح أداة في يد السلطة التنفيذية. وقد عبر العديد من المراقبين والمحللين عن قلقهم من هذا التوجه، محذرين من انهيار مبدأ فصل السلطات في دولة عضو في حلف الناتو وتطمح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ويأتي التحقيق مع أوزيل بعد أشهر قليلة من الخطوة الأبرز في الحملة على المعارضة: أمر قضائي بحبس أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول وأحد أبرز وجوه المعارضة، على ذمة محاكمة في قضايا فساد. ورغم أن إمام أوغلو نفى كل التهم الموجهة إليه، إلا أن السلطات مضت قدمًا في إجراءاتها، ما أثار موجة غضب شعبي وتظاهرات واسعة النطاق.
ويعتبر إمام أوغلو الخصم الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقبلة، خاصة مع تقدمه في بعض استطلاعات الرأي. نجاحه في إدارة بلدية إسطنبول، وانتزاعها من قبضة حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2019، جعله رمزا للصعود المعارض، ما جعله أيضًا هدفًا مركزيًا للحكومة.
وتصر الحكومة التركية على أن القضاء يعمل باستقلالية تامة، وأن أي إجراءات قانونية تُتخذ بحق شخصيات معارضة إنما تأتي في إطار تطبيق القانون وليس بسبب انتماءاتهم السياسية. لكن المعطيات على الأرض ترسم صورة مغايرة.
منذ بداية العام، تم اعتقال عشرات من أعضاء حزب الشعب الجمهوري، ومسؤولين في بلديات تابعة له، تحت ذرائع متنوعة تشمل الفساد والتعاون مع "منظمات إرهابية"، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني المحظور. كما تم حظر حساب إمام أوغلو على منصة "إكس" داخل تركيا، في خطوة تهدف إلى تقييد تواصله مع الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ورد المعارضة على هذه التطورات لم يتأخر. فقد وصف المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري دينيز يوجيل التحقيق مع أوزيل بأنه "محاولة لتكميم الأفواه"، وقال في منشور على منصة إكس "لن نستسلم لهذا النظام الخارج عن القانون الذي خلقتموه". وتعهّد بأن يستمر الحزب في مقاومة ما وصفه بـ"الانحدار السلطوي" مهما كلف الأمر.
لن نستسلم لهذا النظام الخارج عن القانون
ومن أبرز الأدوات التي تستخدمها السلطة التركية ضد المعارضة هي اتهامها بالتعامل مع منظمات تصنفها أنقرة إرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني. هذا النوع من الاتهامات يشكل أرضية قانونية لاعتقال السياسيين وتقييد تحركاتهم، وهو ما يعتبره محللون سياسة ممنهجة لتشويه سمعة الخصوم وإفقادهم المصداقية لدى الناخبين.
غير أن هذه السياسة باتت مكشوفة إلى حد بعيد، ولم تعد تقنع قطاعات واسعة من الشعب التركي، خاصة في ظل تزايد الأزمات الاقتصادية وتدهور الوضع المعيشي، ما يدفع العديد من المواطنين لإعادة التفكير في اختياراتهم السياسية بعيدًا عن الدعاية الرسمية.
وتؤكد مجمل هذه التطورات أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا ستُجرى في مناخ غير متكافئ، حيث تُستخدم مؤسسات الدولة لتقويض المعارضة وتشويه صورتها. ومع تراجع الحريات الإعلامية، وتحكم السلطة في القضاء، تصبح المعركة الانتخابية أشبه بصراع غير متوازن، لا تُحتكم فيه إلى صناديق الاقتراع فحسب، بل إلى أدوات النفوذ والسيطرة.
ويعتبر التحقيق مع أوزجور أوزيل ليس حدثًا منفصلاً، بل حلقة جديدة في سلسلة من الإجراءات التي تسعى بها السلطة التركية إلى كبح تقدم المعارضة قبل الاستحقاق الرئاسي. ومع استمرار هذه الحملة، تطرح تساؤلات خطيرة حول مستقبل الديمقراطية في تركيا، وقدرة المعارضة على خوض انتخابات نزيهة في ظل هذا المناخ القمعي.
وفيما تراقب العواصم الغربية هذه التطورات بقلق، يبقى الرهان الأكبر على الشارع التركي، ومدى قدرته على التصدي لمحاولات الهيمنة، والدفاع عن حقوقه السياسية والديمقراطية في وجه سلطة لا تتردد في استخدام القضاء وسيلة للإقصاء السياسي.