أول هجوم حوثي على إسرائيل بعد وقف الحرب الإيرانية الإسرائيلية

الجماعة اليمنية تسعى لترسيخ نفسها كفاعل مستقل في المشهد الإقليمي، عبر مواصلة الضغط على إسرائيل في توقيت حساس.

صنعاء - في خطوة تعكس تصعيدًا مستمرًا من قبل جماعة الحوثي اليمنية، أعلن المتحدث العسكري باسم الجماعة، يحيى سريع، السبت، تنفيذ هجوم صاروخي جديد استهدف هدفًا إسرائيليًا "حساسًا" في مدينة بئر السبع، مؤكدًا أن العملية تأتي ردًا على "جرائم العدو الصهيوني بحق المدنيين في قطاع غزة".
ويعد هذا الإعلان الأول من نوعه بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، الذي دخل حيز التنفيذ منتصف يونيو/حزيران، عقب اثني عشر يومًا من المواجهات المباشرة بين الطرفين. وعلى الرغم من أن الحوثيين كانوا قد أعلنوا في وقت سابق تنسيقهم مع الحرس الثوري الإيراني خلال تلك الفترة، إلا أنهم يؤكدون الآن أن قرارهم في الاستمرار بالعمليات العسكرية ضد إسرائيل "مستقل" ومرتبط مباشرة بالحرب المستمرة على غزة، وليس مرتبطًا بالتوترات الإقليمية الأخرى.
وأعلن الجيش الإسرائيلي من جهته رصد صاروخ أُطلق من اليمن باتجاه الأراضي الإسرائيلية صباح السبت، مشيرًا إلى أن أنظمة الدفاع الجوي اعترضت الصاروخ على الأرجح. ولم تعلن إسرائيل عن وقوع إصابات أو أضرار جسيمة، لكن الحادثة أعادت تسليط الضوء على التهديدات المستمرة من الجبهة الجنوبية، والتي لم تهدأ رغم التغيرات الإقليمية.
ويأتي الهجوم الحوثي في توقيت لافت، إذ يعكس موقفًا متصلبًا من قبل الجماعة المدعومة من إيران، التي أعلنت أن عملياتها العسكرية ستستمر حتى وقف الحرب الإسرائيلية على غزة بشكل كامل.
وقال يحيى سريع في بيانه: "نؤكد أن عملياتنا ضد كيان العدو الصهيوني ستتواصل مهما كانت التحديات، ومهما تعرضنا لضربات من قبل الولايات المتحدة أو غيرها، حتى تتوقف المجازر بحق أهلنا في غزة ويُرفع الحصار عنهم".
هذا التصريح يعكس انفصالًا واضحًا في القرار الحوثي عن الإيقاع السياسي الإيراني، لا سيما بعد الهدنة بين طهران وتل أبيب، والتي أعقبت قصفًا أميركيًا لمواقع نووية إيرانية، وأدت إلى تجميد جبهة التصعيد المباشر.
وبينما يرى بعض المحللين أن الحوثيين يتحركون في إطار "محور المقاومة" بقيادة إيران، يرى آخرون أن الجماعة تسعى لترسيخ نفسها كـ"فاعل مستقل" في المشهد الإقليمي، عبر مواصلة الضغط على إسرائيل في توقيت حساس.
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الاول 2023، نفذ الحوثيون عشرات الهجمات على أهداف إسرائيلية، أو على سفن في البحر الأحمر، يقولون إنها مرتبطة بتل أبيب.
وتعرضت الجماعة لسلسلة من الضربات الجوية الأميركية والبريطانية خلال الأشهر الماضية، ضمن عمليات تهدف إلى تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لكن الضربات لم تثنِ الجماعة عن مواصلة هجماتها.
وكان الحوثيون قد هددوا، قبل أيام من إعلان الهدنة الإيرانية الإسرائيلية، باستهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر، في حال تدخلت واشنطن إلى جانب تل أبيب ضد إيران. ومع انتهاء تلك المواجهة، عاد تركيز الجماعة إلى هدفها المعلن: نصرة غزة، كما تقول، دون أن تشير إلى أي نية للتراجع أو التهدئة.
واستمرار الهجمات الحوثية، في ظل توقف جبهة الحرب بين إيران وإسرائيل، يضع المنطقة أمام تحدٍ معقد. فمن جهة، تبدو الجماعة ماضية في التصعيد العسكري، مدفوعة باعتبارات دينية وسياسية وشعبوية، مستغلة الغضب الإقليمي إزاء الوضع الإنساني في غزة. ومن جهة أخرى، فإن الضربات الغربية، وخصوصًا الأميركية، لم تضعف بشكل واضح قدرتها على شن هجمات صاروخية أو بطائرات مسيرة.
كما أن هذه التطورات تضع تساؤلات أمام المواقف الدولية والإقليمية، خاصة في ظل غياب مسار دبلوماسي واضح لإنهاء الحرب في غزة أو احتواء التصعيد على الجبهات الأخرى.
في حين أُسدل الستار مؤقتًا على جبهة إيران–إسرائيل، يبدو أن جماعة الحوثي تفتح فصلًا جديدًا في المواجهة، بعنوان "غزة أولًا"، ما يجعل احتمالات التهدئة في المنطقة أكثر هشاشة، ويؤكد أن معادلة الصراع باتت أكثر تعقيدًا مما كانت عليه في بدايات الحرب.