أول هجوم لداعش ضد القوات السورية منذ سقوط الأسد

توجيه هجوم مباشر ضد القوات السورية الجديدة يعيد إلى الأذهان طبيعة التنظيم المتجددة وقدرته على التحول والتكيّف مع تغيرات الواقع الميداني والسياسي.

دمشق - رغم مرور أكثر من ست سنوات على إعلان هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، يواصل التنظيم المتطرف إظهار قدرته على التسلل وتنفيذ هجمات في مناطق مختلفة من البلاد، ما يشير إلى أن الخطر الذي يمثله لا يزال قائماً، رغم الجهود المكثفة التي تبذلها القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وكذلك السلطات السورية الجديدة لمكافحته.
وفي أحدث مؤشر على هذا التهديد المستمر، تبنى تنظيم الدولة الإسلامية أول هجوم له ضد القوات الحكومية السورية الجديدة منذ سقوط الرئيس بشار الأسد في ديسمبر/كانون الاول الماضي. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان وموقع "سايت" المتخصص بمراقبة التنظيمات المتشددة، بأن التنظيم أعلن عبر بيان نشره على منصاته الإعلامية مسؤوليته عن تفجير عبوة ناسفة زرعها "جنود الخلافة" على آلية تابعة لقوات "النظام السوري المرتد"، في محافظة السويداء جنوب البلاد. وأسفر التفجير عن مقتل مرافق لدورية استطلاع تابعة للفرقة 70 في "الجيش السوري الجديد"، وإصابة ثلاثة عناصر آخرين بجروح.

ويمثل هذا الهجوم أول عملية تبناها التنظيم ضد القوات الحكومية بعد تغيّر المشهد السياسي والعسكري في سوريا. ورغم أن العمليات السابقة التي استهدف فيها التنظيم قوات كردية أو أهدافاً في مناطق صحراوية لم تنقطع، إلا أن توجيه هجوم مباشر ضد القوات الجديدة يعيد إلى الأذهان طبيعة التنظيم المتجددة وقدرته على التحول والتكيّف مع تغيرات الواقع الميداني والسياسي.
وبينما طُرد التنظيم من معاقله الأساسية في الرقة والموصل وتم تفكيك بنيته "الخلافية" في عام 2019 بفضل الحملة العسكرية التي قادها التحالف الدولي بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، لم تُستأصل جذوره تماماً. فقد احتفظ التنظيم بجيوب وخلايا نائمة، خصوصاً في المناطق الصحراوية الوعرة والمعروفة باسم "البادية السورية"، حيث يصعب فرض السيطرة الكاملة من قبل أي من الأطراف المتنازعة على الأرض.
ومنذ بداية عام 2024، عاد التنظيم إلى الواجهة بتنفيذه عدة هجمات خاطفة ضد القوات الكردية في شمال شرق البلاد، وكذلك عمليات ضد قوافل عسكرية ومدنيين في مناطق متفرقة من البادية. ويستغل التنظيم هشاشة الوضع الأمني في بعض المناطق، وتعدد الجهات المتنازعة، وغياب سلطة موحدة فعالة، ليعيد تشكيل نفسه بطريقة جديدة، تعتمد على حرب العصابات والكمائن المتنقلة.
وفي محاولة للحد من هذه التهديدات، أعلنت السلطات السورية الجديدة هذا الأسبوع إلقاء القبض على خلية لتنظيم الدولة قرب العاصمة دمشق، حيث اتُّهمت بالتخطيط لهجمات إرهابية تستهدف منشآت أمنية ومدنية. كما نفذت القوات الحكومية عملية نوعية في مدينة حلب أسفرت عن مقتل عنصر في الأمن العام وثلاثة أعضاء من التنظيم.
لكن هذه الجهود، وإن كانت ضرورية، لا تبدو كافية وحدها لاحتواء الخطر المتزايد. فالتنظيم يستفيد من حالة عدم الاستقرار السياسي والانقسام المجتمعي، إلى جانب تراجع الاهتمام الدولي بالملف السوري بعد عقد من الحرب. وفي ظل إعادة ترتيب التوازنات الإقليمية، فإن مكافحة الإرهاب لم تعد أولوية بالنسبة لبعض القوى الفاعلة، وهو ما يمنح التنظيم هامشاً أوسع لإعادة تنظيم صفوفه.
من جهته، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال اجتماعه مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في الرياض هذا الشهر، إلى تعزيز التعاون مع واشنطن لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، في إشارة واضحة إلى قلق الإدارة الأميركية من عودة النشاط الإرهابي إلى المناطق المحررة.
الخطر الذي يمثله "داعش" لا يتعلق فقط بقدرته على تنفيذ هجمات دموية، بل يكمن أيضاً في فكره المتطرف الذي لا يزال يجد أرضاً خصبة في ظل الفقر، وانعدام الأفق، وتهميش المجتمعات المحلية. ومن دون معالجة الأسباب الجذرية التي ساهمت في صعود التنظيم عام 2014، فإن احتمالات عودته تبقى قائمة.
في المحصلة، فإن الهجوم الأخير في السويداء ليس سوى تذكير قاسٍ بأن داعش لم ينتهِ بعد، وأن بقاءه كتهديد حقيقي يتطلب استراتيجية شاملة تتجاوز المقاربة العسكرية، لتشمل التنمية، والمصالحة، وبناء الدولة، وهي أمور لا تزال غائبة إلى حد كبير عن المشهد السوري المعقد.