أي دور لحزب الله في صفقة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل؟

مراقبون يقولون إن اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل كان أكثر أهمية بالنسبة للواقعية التي أظهرها حزب الله، مشيرين إلى تحول الأولويات للجماعة التي شكلها الحرس الثوري الإيراني قبل أربعة عقود لمحاربة إسرائيل.
حزب الله دقق التفاهم اللبناني-الإسرائيلي "سطرا سطرا"
ضوء أخضر من حزب الله سرّع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل
اتفاق ترسيم الحدود كان هدية حزب الله لعون بعد عهدة رئاسية خاوية إلا من الأزمات

بيروت - كشفت مصادر لبنانية وغربية أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والذي وُصف بـ"الاتفاق التاريخي" لم يكن لير النور دون موافقة حزب الله الذي دقق تفاصيل المقترح الأميركي بتفاصيله وجزئياته "سطرا سطرا" وأنه رغم أنه كان بعيدا عن الغرف المغلقة للمفاوضات إلا أنه كان يتابع ويدقق في الكواليس كل التفاصيل.

وألقت الجماعة الشيعية التي تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة والصواريخ بثقلها في المفاوضات التي كانت تجريها الحكومة اللبنانية بشكل غير مباشر مع إسرائيل بوساطة أميركية، وذلك من خلال توجيه تهديدات مباشرة باستهداف حقل كاريش للغاز الواقعة في المنطقة البحرية المتنازع عليها.

ويعكس هذا التطور في الوقت ذاته إلى أي مدى يصادر حزب الله قرارات الدولة اللبنانية السيادية ومدى نفوذه، بينما يشكل الاتفاق في حد ذاته هدية من الحزب لحليفه الرئيس ميشال عون الذي ينهي في آخر الشهر الحالي عهدة رئاسية خالية من اي انجاز واتسمت باضطرابات سياسية وأمنية وبأزمة اقتصادية طاحنة هي الأسوأ في تاريخ لبنان.

وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله قد وجه قبل أيام قليلة من إعلان موافقة لبنان وإسرائيل على مسودة الاتفاق الذي أعدها الوسيط الأميركي، تهديدات للجانب الإسرائيلي بالقول إن "حقل كاريش تحت أعيننا وصواريخنا".

وبحسب مصادر متطابقة، فإنه قبل موافقة الحكومة اللبنانية على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، كان حزب الله القوي قد راجع المسودة النهائية بدقة وأعطى إشارة القبول.

ومن المؤكد أن حزب الله الذي وصفته واشنطن بأنه جماعة إرهابية وعدو لدود لإسرائيل، لم يكن قريبا من قاعة المفاوضات خلال حركة الدبلوماسية المكوكية الأميركية التي أبرمت الاتفاق التاريخي الأسبوع الماضي.

ولكن مسؤولين على اطلاع بتفكير حزب الله ومسؤول لبناني كبير ومصدر غربي مطلع على العملية قالوا إنه وراء الكواليس، كانت الجماعة التي تمتلك ترسانة ضخمة من السلاح تدقق بالتفاصيل وعبرت عن رأيها حتى مع تهديدها بالعمل العسكري إذا لم يتم تأمين مصالح لبنان، .

ويمثل اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وصفته الأطراف الثلاثة بأنه إنجاز تاريخي، ابتعادا دبلوماسيا عن حرب وعداء على مدى عقود بالإضافة إلى أنه سيفتح الباب أمام التنقيب البحري عن الطاقة.

ويقول مراقبون، إن الاتفاق كان أكثر أهمية بالنسبة للواقعية التي أظهرها حزب الله، مشيرين إلى تحول الأولويات لمجموعة شكلها الحرس الثوري الإيراني قبل أربعة عقود لمحاربة إسرائيل.

أعطى حزب الله الضوء الأخضر لتفاصيل مثيرة للجدل وشمل ذلك إشارة ضمنية إلى الترتيبات التي ستؤدي إلى حصول إسرائيل على حصة من عائدات حقل قانا الذي اعتبره لبنان بالكامل في مياهه

وقال أحد المصادر المطلعة على تفكير حزب الله إن "قيادة الحزب دققت بالتفاهم سطرا سطرا قبل إعطاء الموافقة عليه".

وبعد قضاء معظم العقد الماضي في نشر المقاتلين والخبرة العسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط لمساعدة حلفاء إيران ولا سيما الرئيس السوري بشار الأسد ، ينصب تركيز حزب الله اليوم بشكل مباشر على لبنان البلد الذي يمر بأزمة عميقة.

ويرى حزب الله وهو أكثر انخراطا من أي وقت مضى في شؤون الدولة، أن استغلال النفط والغاز البحري هو السبيل الوحيد للبنان للخروج من الانهيار المالي المدمر الذي أصاب جميع اللبنانيين بشدة، بما في ذلك جمهوره الشيعي الكبير.

ورغم إعلان حزب الله مرارا أنه لا يخشى الحرب مع إسرائيل إلا أنه يقول انه لا يسعى إلى الدخول في حرب مع عدو لدود قام بغزو لبنان في عامي 1978 و1982.

واستغرقت إعادة إعمار لبنان عدة سنوات جراء الحرب الأخيرة في عام 2006. وساهمت بعض دول الخليج بالمساعدة على إعادة قرى وبلدات تدمرت بالكامل ولكن تلك الدول أصبحت تتجنب الآن مساعدة بيروت بسبب نفوذ حزب الله.

وعلى الرغم من أن دعم طهران ما زال قويا فقد أدت العقوبات الغربية إلى تقليص حجم الأموال التي يمكن أن ترسلها إيران إلى حزب الله.

الخراب أو الواقعية

وسيشكل اكتشاف الطاقة، رغم أنه ليس كافيا بمفرده لحل مشاكل لبنان الاقتصادية العميقة، نعمة كبيرة مع توفيره العملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها وربما في يوم من الأيام يخفف من انقطاع التيار الكهربائي.

وقال نائبان من حزب الله، إن الجماعة منفتحة على فكرة الصفقة كمسار لتخفيف بعض المشاكل الاقتصادية في لبنان. وقال سامي عطا الله المدير التنفيذي للمركز اللبناني للدراسات السياسية "كان عليهم التعامل معها بطريقة عملية وليس أيديولوجية"، واصفا دور حزب الله بأنه حاسم، مضيفا "كانوا يعلمون أن لديهم القدرة على إحداث الفوضى إذا أرادوا ذلك، لكن ذلك كان سيأتي بتكلفة باهظة".

قبل موافقة الحكومة اللبنانية على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، كان حزب الله القوي قد راجع المسودة النهائية بدقة وأعطى إشارة القبول

وقال المسؤول اللبناني والمصدر الغربي المطلع على العملية إن اللواء عباس إبراهيم المسؤول الأمني الكبير الذي التقى أيضا بالمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين مرات عدة أبلغ قيادة حزب الله بالمقترحات الأميركية .

وأوضح المصدر الغربي أن حزب الله نقل في وقت ما إحباطه من بطء وتيرة المحادثات إلى هوكشتاين عبر إبراهيم.

وردا على سؤال حول دور الحزب قال رئيس وحدة الإعلام في حزب الله محمد عفيف، إن الدولة خاضت المفاوضات "ونحن وقفنا خلفها"، مضيفا "أما نحن فكنا معنيين بحصول لبنان على حقه في ثرواته".

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن المفاوضات أجريت مع القيادة السيادية للبنان ولم تشمل محادثات مع حزب الله.

وتزايدت الحاجة الملحة لمهمة هوكشتاين في يونيو/حزيران عندما وصل حفار غاز إسرائيلي إلى البحر للتنقيب في حقل كاريش وهي المياه التي قال لبنان إنها تقع في منطقته الاقتصادية الخالصة.

وفي الثاني من يوليو/تموز، أرسل حزب الله ثلاث طائرات مسيرة غير مسلحة فوق حقل كاريش. واعترض الجيش الإسرائيلي تلك الطائرات، لكنها شكلت رسالة تهديد واضحة من الجماعة الشيعية اللبنانية وغلى أي مدى يمكن أن تمضي في تهديداتها.

وقال حزب الله إنه استعراض للقوة، وعزا حلفاؤه في لبنان الفضل إلى الموقف العسكري للجماعة في انتزاع التنازلات من إسرائيل وهو ادعاء نفته الأخيرة تماما.

وقال مسؤول أميركي لرويترز إن حزب الله كاد "يقضي على الاتفاق بخطاباته الاستفزازية وأفعاله التي تهدد بالحرب. لا يمكن لأي حزب ولا ينبغي أن يدعي النصر".

وأعطى حزب الله الضوء الأخضر لتفاصيل مثيرة للجدل. وشمل ذلك إشارة ضمنية إلى الترتيبات التي ستؤدي إلى حصول إسرائيل على حصة من عائدات حقل قانا الذي اعتبره لبنان بالكامل في مياهه، لكن إسرائيل قالت إنها جزء منه.

وقال جبران باسيل صهر الرئيس اللبناني ورئيس التيار الوطني الحر والذي تابع المحادثات عن كثب، إن الحل الدبلوماسي يتطلب من شركة توتال إنرجي الفرنسية التي من المقرر أن تقوم بالتنقيب نيابة عن لبنان، إبرام صفقة منفصلة مع إسرائيل تحصل بموجبها على جزء من العائدات ، متجاوزة أي مشاركة لبنانية، لكن متحدثا من شركة توتال انيرجيز قال إنه ليس لديهم تعليق. وقال مصدران دبلوماسيان فرنسيان إن مسؤولين فرنسيين التقوا بممثلي حزب الله بشأن الاتفاق الشامل.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إن باريس ساهمت بفاعلية في الاتفاق "لا سيما من خلال نقل الرسائل بين الأطراف المختلفة بالتنسيق مع الوسيط الأميركي"

وعلى الرغم من تضافر جميع الأطراف للتوصل لهذا الاتفاق إلا أن السلام لا يزال بعيد المنال بين الدولتين المتنازعتين حول العديد من القضايا، ومع نفوذ حزب الله المترسخ بعمق في بيروت.

ولكن بعد مرور أكثر من 16 عاما على الحرب الأخيرة، يمكن للفوائد التي يتم جنيها من أي إنتاج للغاز أن تساعد في درء الحرب. وقال مصدر مطلع على تفكير حزب الله "بمجرد وصول الأنابيب إلى الماء، تصبح الحرب بعيدة".