'إبل برقاش' يضبط ميزان الثروة الحيوانية بمصر
القاهرة - في ظل الضغوط الاقتصادية الحالية التي تشهدها مصر، يتزايد عدد العائلات التي تختار الإبل كأضحية في عيد الأضحى، نظرا لانخفاض أسعارها، هذا الخيار ليس عمليًا فحسب، بل يُساعد العديد من المصريين على تلبية احتياجاتهم دون عناء مالي كبير.
ففي مثل هذا التوقيت من العام، تتسارع الخطى بمصر نحو البحث عن آخر الفرص لشراء أضحية عيد الأضحى الذي يحل الجمعة المقبل، وسط خيارات متعددة بين المواشي والأغنام، غير أن سوق "برقاش" الواقع بمحافظة الجيزة غرب العاصمة القاهرة له ميزة مختلفة حيث يخصص لبيع الإبل.
ويُعد سوق برقاش للإبل وجهة حيوية لبيع وشراء الإبل، إذ يجذب التجار والمشترين من جميع أنحاء مصر، وحتى السودان، ورغم أنه لا يفتح أبوابه إلا يومين في الأسبوع، إلا أن السوق يشهد ازدحامًا ملحوظا في الأسابيع التي سبقت عيد الأضحى، الذي يوافق 6 يونيو/حزيران من هذا العام.
وقال مدير السوق أحمد حسن في تصريحات لوكالة أنباء (شينخوا) "شهد السوق إقبالا كبيرا على الإبل هذا العام"، كاشفا عن أرقام تُظهر مدى الإقبال على الإبل هذا العيد، متابعا أن سوق برقاش يُعدّ مكانا رئيسا ومؤشرا على مبيعات الإبل في مصر نظرا لمساحته الشاسعة، حيث يجذب تجار الإبل من جميع أنحاء البلاد أسبوعيا، مواصلا "يأتي التجار أيضا من السودان لبيع إبلهم في هذا السوق الذي يرتاده مئات من المشترين والبائعين أسبوعيا".
وأوضح حسن أن أكثر من 1800 جمل بيعت يوميا خلال الشهر الماضي، مقارنة بحوالي 1200 جمل في اليوم خلال الفترة نفسها من العام الماضي، مضيفا "هذا يعني أن المبيعات اليومية ارتفعت بشكل ملحوظ خلال موسم عيد الأضحى المبارك، في الأيام العادية، عادةً ما يُباع ما بين 800 و1000 جمل".
وعلى بوابة سوق برقاش، يبدو تدفق مئات من الجمال بين صغار وكبار، وكأنه سباق في مضمار يحث فيه مالكوها من التجار تلك الإبل على إسراع الخطى بحثا عن المركز الأول في نيل الأرباح لاسيما في تلك "الجمعة الأخيرة" قبل عيد الأضحى.
ولا تتدفق تلك الإبل بسهولة، إذ تحتاج إلى حث عصا بعض التجار أو شدها من حبال تلف عنقها المتميز الطويل لتندفع للأمام، في سوق يعج بالمتواجدين الباحثين عن "سفينة الصحراء" كأضحية تدخل البهجة على ذويهم من داخل ذلك السوق، الذي يغطي مساحة 25 فدانا (الفدان يساوي 4200 م2)، ويعد الأكبر منذ عام 1995 في العالم العربي والشرق الأوسط والأقدم في مصر، بحسب ما تشير معلومات غير رسمية.
وكل جمل يدخل له علامة ترقيم تكتب على جسمه، يقف مع أقرانه من الإبل في تجمعات يقف عليها مالكوها بحوزة كل منهم عصا طويلة، انتظارا لقبول الباحث عن أضحية العيد، ويجذب الأسماع رغاء الجمال، ذلك الصوت المميز الذي يضفي نوعا من الاهتمام لهذا السباق السنوي للشراء، الذي ينتظر أن يتكرر الأحد، إذ يعمل السوق يومي الأحد والجمعة من كل أسبوع.
ويتأمل تجار ذلك السوق إبلهم ويأملون كما توحي نظرات عيونهم في بيع سريع في هذا الموسم المميز، وبعضهم يضع العصا أسفل خده منتظرا الفرج، وآخر يهش بها على جمالهم ليعلو الرغاء لعله يلفت المارة، وآخر ينادي بعبارة "معانا يا رب" كدعوة لجلب الرزق.
وقال خالد زعلول، أحد تجار ذلك السوق للأناضول، إن هناك أنواعا عديدة تأتي للسوق، وهذا العام يشهد أنواعا قادمة من السودان، رغم ما بها من مشاكل، وكذلك الصومال وجيبوتي وإثيوبيا بخلاف البلدي (المصري)، لافتا إلى أن أوازن الجمال متوسطها 300 كيلوغرام.
وعلى مقربة من حديث زغلول تتعالى الأصوات وتتسارع، مع بدء مزاد لبيع أحد الجمال، وتخرج الآلاف من الجنيهات لحين ما يرسو رزق الجمال على صاحبه، وسط مزاد من التقديرات المختلفة.
وأوضح تاجر الجمال زغلول أن الجمال لا تباع بالكيلو كما هو الحال في الأبقار والخراف، ولكن بالنظر لحجم الإبل وتقدير البائع والمشتري، ويبدأ السعر من 30 أو 40 ألف جنيه (606 دولارات) إلى 180 ألف جنيه (3600 دولار) ويكون هذا للجمال الضخمة، لكن متوسط الأسعار بين 90 و130 ألفا (الدولار يساوي نحو 50 جنيها مصريا)".
وبخلاف الدخول في رحلة الصباح وكأنه سباق، وتلك المزادات المنتشرة بالجمعة الأخيرة بالسوق، أيضا تمضي الإبل في رحلة العودة عقب البيع مربوط عنق بعضها بحبل في أعلى سيارة نصف نقل صغيرة، وهو يلتف برأسه يمينا ويسارا بعيون تبدو تودع آخر عهده بهذا السوق، ولكن بجوارها أشخاص كثيرا ما يطيبون خاطرها بالمسح بيدهم على عنقها الطويل.
وليس الوداع يكون لذلك الجمل الذي عرف مصيره، فأعناق الإبل الأخرى القريبة أيضا فيما يبدو تتطلع من وقت لآخر على تلك السيارة التي غادرت برفقة أحد أقرانهم سابقا، في لحظة وداع لا تخلو من الحيرة والشفقة.
وكلما خرجت سيارة برزقها من الإبل، ازداد أمل التجار في بيع جديد، خاصة في الجمعة الأخيرة قبل عيد الأضحى، وحسب زغلول "نرى زحاما وفرص كثيرة للشراء في هذا اليوم".
ولا تخلو تلك الأوقات الهامة في سوق برقاش، من مظاهر احتفائية، يطلق فيها بعض المشاركين ألعابا نارية في الهواء بجانب التصفيق، وصفارات متتالية تطلقها السيارات المغادرة برزقها من الجمال تعبيرا عن الفرح.
وقال مصطفى وهبة، رئيس شعبة القصابين (الجزارين) بالغرفة التجارية بالقاهرة، "الجمال لا توزن تباع بالتقدير حسب الحجم وأشياء أخرى"، لافتا أن هناك إقبالا من المصريين على الجمال كأضحية ليس ارتباطا بالسعر، لكن حبا في مذاق لحمه المتميز عن باقي المواشي وهذا يتوقف على حسب إمكانيات وقدرات المضحي.
وأشار إلى أن الجمال لها ميزة كالمواشي أنه يمكن مشاركة أكثر من شخص فيها كأضحية بخلاف الخروف، الذي يقتصر على شخص واحد لقلة وزنه بخلاف الجمل الذي يكون لحمه وفير.
وأشهر أنواع الجمال التي يقبل عليها التجار نوعان، هما البَكر (الجمل الصغير جدا)، والقاعود أو الأعود (البالغ)، لأنهما يتميزان بوفرة لحمهما.
وتمتاز الإبل بأوزان ضخمة وتخرج منها كمية كبيرة من اللحوم تراوح بين 300 و700 كلغ، فضلا عن الأرجل والرأس والأحشاء.
ويروي المفتش الرقابي السابق بمديرية الطب البيطري في محافظة الجيزة، والخبير البيطري الحالي الدكتور محمد يوسف، أهمية تشجيع اقتناء أضحية عيد الأضحى من الجمال والإبل.
وأوضح أنه "من مصلحة البلاد التشجيع على شراء الأضحية من الجمال والأغنام ولحومها، وتقليل الاعتماد على أضحية المواشي ولحومها، في ظل تراجع كميات الأخيرة وحاجة البلاد لدعمها لنعيد ميزان الثروة الحيوانية لسابق عهده".
واختيار لحم الأضاحي من الجمال ليس خيار أصحاب الأضحية فقط، فهناك محلات الجزارة المنتشرة في مصر تلجأ لاقتناء الإبل وذبحها، وعرض لحومها للبيع.
ويقبل مصريون أيضا على محال الجزارة التي تعرض لحوم الإبل، وهناك بعض المصريين يحرصون على شراء كبدة الجمال ذات الطعم اللذيذ قبيل عيد الأضحى.
وأكد يوسف أن الجمال مقاومة للأمراض ولحمها ممتاز، وليس صحيحا أنه لا ينضج سريعا، خاصة أن معظم المذبوح منه جمال صغيرة، وحاليا الكبدة الجملي من الصعب أن نجدها في ظل الإقبال الكبير عليها، مشددا على أن التركيز على اللحوم البديلة للمواشي، كالجمال تحديدا مهما للغاية لتفادي أي نقص فيها مستقبلا أو ارتفاع أسعارها.
ووفقًا لتقارير وزارة الزراعة، تصل حركة تداول الإبل في سوق برقاش ما يقرب من 150 ألف رأس من الجمال والنوق سنويًا، بمتوسط يصل إلى 12 ألف رأس شهريا.
ويخضع السوق لرقابة بيطرية قبل وصول الإبل البلاد من مختلف الدول عبر جنوب مصر، خاصة أن معظمها قادم من السودان، وهي نقطة التقاء الإبل من عدة دول ويتم من خلال السوق إعادة تسويقها إلى مختلف المحافظات.
وفي عيد الأضحى، يعد ذبح الأضاحي جزءًا أساسيًا من طقوس واحتفالات العيد، تعبيرًا عن الإخلاص والمشاركة مع المجتمع.
وفي حين أن الأبقار والعجول والأغنام كانت الخيار الرئيس تقليديًا، إلا أن التحديات الاقتصادية الحالية - كارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية - تؤثر على هذه العادات الراسخة.
وقال رفيق خلف، وهو بائع إبل معروف في سوق برقاش، إن الإبل تشهد زيادة نسبية في الإقبال على شرائها كأضحية هذا العام، موضحا أن الإبل المخصصة للتضحية تُباع عادةً كوحدة كاملة، أو "رأس الواحد"، على عكس الأبقار والعجول والخراف التي تُباع عادةً بالوزن.
وتابع خلف في تصريح لـ(شينخوا) "إن السعر النهائي للجمل يتحدد بناءً على عدة عوامل، منها حجمه ووزنه التقريبي، حيث تحظى الجمال الأكبر حجمًا بأسعار أعلى"، مشيرًا إلى أن "عمر الجمال يعد عاملا مهما أيضًا في تحديد السعر، حيث إن الجمال التي تتراوح أعمارها بين ثلاث وأربع سنوات مطلوبة بشدة لنضجها".
ويُعد فرق السعر بين الإبل والأضاحي الأخرى، خاصة الأبقار والجاموس، سببًا رئيسًا يدفع العديد من العائلات إلى شراء الإبل.
وأفاد محمد السيد، وهو محاسب من القاهرة، "ميزانيتي سمحت لي بشراء جمل صغير، ما يكفي من اللحم لأتقاسمه مع المحتاجين والعائلة والأصدقاء، بالإضافة إلى أسرتي، وهو ما لا يوفره خروف كبير الحجم".