إسرائيل تقصف مؤسسات مالية داعمة لحزب الله

تركيز الجيش الإسرائيلي على استهداف الأذرع المالية للحزب المدعوم من إيران منها جمعية القرض الحسن يأتي في خضم تقارير تشير لأزمة مالية يمر بها حزب الله.

بيروت - شنّ الجيش الإسرائيلي غارات جوّية في لبنان مساء الأحد على فروع لجمعيّة "مؤسّسة القرض الحسن" التابعة لحزب الله حيث تشكّل هذه الضربات توسيعا للحملة العسكرية الإسرائيلية ضد الحزب المدعوم من إيران بعد تبادل لإطلاق النيران عبر الحدود بدأ غداة هجوم حماس على إسرائيل وتصاعدت وتيرته ليتحوّل حربا مفتوحة في نهاية أيلول/سبتمبر.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية اللبنانية بأن "عدد الغارات على الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت بلغ 11 غارة، منها غارة على فرع القرض الحسن القريب من مطار رفيق الحريري الدولي".

وشوهد دخان يتصاعد قرب المطار، وهو الوحيد الذي يسيّر رحلات دولية بلبنان. لكن رغم الغارات على الضاحية الجنوبية، تمكنت رحلات جوية تجارية من الهبوط في المطار مساءً.

وذكرت الوكالة الوطنية اللبنانية أيضا أن ضربات استهدفت مؤسسة القرض الحسن في بعلبك والهرمل ورياق بشرق لبنان.

وفي بعلبك، ضربت غارة سوقا تجارية فيها مبنى كانت تستخدمه المؤسسة سابقا على ما أوضحت الوكالة، فيما قال مراسل إن السكان أخلوا المنطقة سريعا بعدما وجّه الجيش الإسرائيلي تحذيرا بوجوب المغادرة.

وفي مدينة صيدا الساحلية بجنوب بيروت، دفع الذعر داخل مدرسة تحوّلت إلى ملجأ قرب أحد فروع القرض الحسن، النازحين المقيمين فيها إلى المغادرة على عجل.

وأعلن رئيس بلدية صيدا اتخاذ تدابير احترازية و"أعطى توجيهاته لإخلاء فوري لبلدية صيدا ومقر الشرطة البلدية وغرفة العمليات المشتركة... وأيضا إخلاء مركزي استضافة للنازحين".

وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري الأحد إن إسرائيل ستنفذ ضربات محددة على مواقع تابعة للذراع المالية لجماعة حزب الله  من بينها جمعيات القرض الحسن وحث السكان على إخلاء المناطق القريبة من تلك المنشآت.
وأضاف في إفادة صحفية "سنهاجم عددا من الأهداف في الساعات القادمة" فيما يبدو أنه توجه لتجفيف منابع تمويل الجماعة المدعومة من إيران والتي تشير تقارير أنها تعاني من أزمة مالية بسبب الحرب والعقوبات الدولية.
وقال باحثون في تقرير نشرته إذاعة صوت أميركا مؤخرا أن مصادر تمويل حزب الله تجف حيث يتناول الخبراء الضربات التي تعرضت لها الأذرع المالية للحزب بسبب عقوبات مشددة فرضت منذ سنوات إضافة للاستهدافات العسكرية الاسرائيلية الحالية.
ووفق المعطيات التي نشرها التقرير فان الجماعة المدعومة من ايران بدأت تنفد منها الأموال لتمويل هجومها المستمر على إسرائيل وسط عمليات الجيش الاسرائيلي العميقة في لبنان وخاصة العمليات البرية قرب الحدود.
ويقول التقرير نقلاً عن خبراء في الولايات المتحدة ولبنان، أن مصدر أموال الجماعة المصنفة إرهابية من قبل واشنطن وعدد من العواصم الغربية هو مجموعة "القرض الحسن" وهي مجموعة شبه مصرفية تعمل في لبنان دون ترخيص مصرفي حكومي وتعرضت لعقوبات غربية مشددة إضافة لتعرض مقراتها للتدمير.
وسوّت الغارات الإسرائيلية الكثيفة على ضاحية بيروت الجنوبية، أحد أبرز معاقل حزب الله، منذ 23 أيلول/سبتمبر، أبنية كاملة بالأرض، ودمرت بعضها الآخر وهشّمت واجهات شقق ومحال ومؤسسات تجارية. وتحولت بعض الأحياء التي طالتها غارات متلاحقة الى أكوام ركام هائلة.
ومنذ مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بغارات إسرائيلية ضخمة على حارة حريك، تسود حالة من عدم الثقة في المنطقة. من على دراجاتهم النارية، يراقب شبان من أبناء المنطقة حركة العابرين والسيارات ويتأكدون من أن الوافدين من من سكان المنطقة جاؤا على عجل لتفقد منازلهم وأخذ احتياجاتهم.
ويقول محمّد (32 عاما) الذي أمضى 25 عاما من حياته في ضاحية بيروت الجنوبية، إنه عاد الى المنطقة لأخذ ملابسه، لأنه غير قادر على شراء ثياب جديدة مع ارتفاع الأسعار في بلد يعيش انهيارا اقتصاديا متماديا منذ خمس سنوات.
ويوضح متحفظا عن كشف اسمه الكامل "طلب مني بعض الشباب ألا أتاخر كثيرا لأن مسيرات تحلق باستمرار ويمكنها أن تقصف في أي لحظة". وفرّ محمّد من منزله بعد الغارات التي أودت بنصرالله في 27 أيلول/سبتمبر، ويقيم منذ ذلك الحين لدى أقاربه في بيروت.
عند فراره، يروي محمّد "خرجنا من دون أن نرتدي أحذيتنا وظننا أننا لن نرى منزلنا مرة أخرى"، على غرار ما فعله جيرانه.
وإذا كان البناء حيث شقة عائلته لا يزال صامدا رغم الضربات في محيطه، إلا أن حوالى 320 مبنى في بيروت وضاحيتها قد تدمرت وفق ما تقدر منى فواز مديرة البحوث في "مختبر المدن بيروت" التابع للجامعة الأميركية.

اشتباكات واسعة في قرى حدودية جنوب لبنان
اشتباكات واسعة في قرى حدودية جنوب لبنان

وتشير أستاذة الدراسات والسياسات المدينية أنه خلال الحرب المدمرة التي خاضها حزب الله وإسرائيل واستمرت 33 يوما صيف 2006، أظهر مسح أن "1332 مبنى من طبقات عدة تضرر بشكل جسيم، وسُوي 281 بالأرض، ما أجبر مئة ألف شخص على النزوح" من مساحة تقدر بحوالى عشرين كيلومترا مربعا.
وابتلعت الغارات الإسرائيلية التي قتلت نصرالله أبنية بأكملها في منطقة حارة حريك، وتصدعت الأبنية المجاورة بشكل لا يخول سكانها العودة إليها.
وباتت أحياء بأكملها منكوبة مع تطاير إسفلت طرقاتها وانفجار أنابيب المياه وشبكات الصرف الصحي فيها وتقطع الأسلاك الكهربائية وخطوط الهاتف وتدليها في كل ناحية.
وبحسب فواز، فإن الطائرات الإسرائيلية "تستهدف بشكل متعمد كل ما يسمح للحياة بالاستمرار" من خدمات "لا تعد من البنى التحتية لحزب الله"، وعلى "نطاق جغرافي أوسع" مما كان عليه الحال خلال حرب 2006.
وسبق لحارة حريك، وهي منطقة تضم مقرات مؤسسات ومكاتب تابعة للحزب ونوابه، أن نالت نصيبها من القصف والأضرار صيف 2006. وبقيت منطقة برج البراجنة المجاورة حينها بمنأى عن الأضرار، إلا أن قاطنيها وجدوا أنفسهم هذه المرة تحت رحمة الغارات.
على وقع الغارات، نزح غالبية سكان ضاحية بيروت الجنوبية والذين يقدّر عددهم بين 600 ألف إلى 800 ألف الى مناطق أخرى، ما عدا جنوب البلاد وشرقها، التي يتحدر معظمهم منهما، وحيث تشنّ اسرائيل غارات أيضا.
ويعيش غالبية النازحين في مراكز إيواء موقتة أو في شقق مستأجرة أو لدى أقاربهم ومعارفهم.
وأثار تدفق النازحين حساسيات وارتيابا وتوترات في بعض المناطق، في بلد لطالما عانى من المشاحنات والانقسامات الطائفية والسياسية، خصوصا بعد استهداف اسرائيل شققا يقيم فيها نازحون في مناطق بعيدة عن معاقل حزب الله وغير محسوبة عليه سياسيا وطائفيا.
قبل 37 عاما، وُلد حسن وترعرع في محلة المريجة في ضاحية بيروت الجنوبية. وطالت المنطقة الشهر الحالي غارات كثيفة، قال الجيش الإسرائيلي إنها استهدفت مقرا كان رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله هاشم صفي الدين، أبرز المرشحين لخلافة نصرالله، موجودا فيه، من دون أن يتضح مصيره.
ويتذكر حسن الذي نزح من منزله صباحات الحي مع "الأصدقاء وألعاب الأطفال ورائحة الخبز وتبادل التحية بين الجيران".
ويبدي حزنه للدمار الذي لحق بمدارس ومحال وأبنية وحتى بسوبرماركت كان يعتمدها كعلامة بارزة لتحديد الطريق الى منزله. ويقول "نخاف من العودة بعد الحرب ونكتشف كم خسرنا من أصدقاء، على غرار العام 2006".