
إشعاع غير مسبوق للدبلوماسية السعودية على ضوء أزمات متعددة
الرياض - تنامى دور السعودية الدبلوماسي في محيطها العربي مؤخرا إثر تداخلها بقوة في الملف السوداني، وبتأثير قرارها بشأن عودة النظام السوري للجامعة العربية، مستفيدة من الزخم الذي تحقق لدبلوماسيتها إثر المصالحة مع إيران وذلك وفق ما صرح به خبيران عربيان.
ولعبت السعودية دورا في إجلاء الرعايا الأجانب من السودان وتستضيف مفاوضات وقف إطلاق النار بين الأطراف المتصارعة في السودان، كما قادت مسألة عودة النظام السوري للجامعة العربية.
وتتواصل منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي، اشتباكات في ولايات بالسودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، تبادل فيها الجانبان الاتهامات بالمسؤولية عنها عقب توجّه فرق تابعة لكل منهما للسيطرة على مراكز تابعة للآخر.
والأحد، قرر وزراء الخارجية العرب استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتبارا من 7 مايو/ أيار الجاري.
استعادة الدور الريادي
وقال أستاذ العلاقات الدولية في مركز ابن خلدون بجامعة قطر علي باكير، أن السعودية تسعى لاستعادة دورها العربي الريادي، وذلك تعقيبا على أدوار بارزة للسعودية مؤخرا في السودان وسوريا واليمن.
واضاف "السعودية أقدمت على عمليات اجلاء ناجحة لرعاياها ورعايا دول اخرى من السودان، ولقى هذا الدور السعودي ترحيبا كبيرا خاصة ان السعوديين أخرجوا بعض الإيرانيين المتواجدين هناك".
وأكد أنه "تم توظيف هذا الجهد في اعطاء زخم للمصالحة الاخيرة التي جرت مع ايران بوساطة او مساعي صينية"، مبينا أن "السعودية بما لها من نفوذ سياسي واقتصادي ومالي تحاول ان تلعب دورا ايجابيا فيما يتعلق بالتهدئة وإنهاء الاقتتال".
وتابع قائلا "الدبلوماسية السعودية تسعى لاستعادة دورها المؤثر عربيا وابراز قدراتها ودورها وفرض نفسها على الارض ويبدو انها تنجح في ذلك بشكل كبير".
تغير في السياسات

واوضح باكير أيضا أن السعودية خلال المرحلة الماضية "جربت خيار الاعتماد على القوة الصلبة، وثبت لها أنها لن تكن بذلك في المسار الصحيح، لهذا نرى الان الوجه الاخر".
وأردف "هناك حراك سياسي ودبلوماسي على صعيد السياسة الخارجية يتناقض مع المرحلة الماضية، وهذا المسار طبعا بإمكانه ان يحقق الكثير للسعودية".
وأكد أن "هذه السياسة الجديدة يبدو أنها تلقى في جانب منها دعما وتشجيعا اقليميا ودوليا خاصة فيما يتعلق بالأزمات الإقليمية، سواء على مستوى العلاقة مع إيران على سبيل المثال، او على مستوى التحرك السعودي في الملف اليمني والتحرك الدبلوماسي ايضا المماثل ايضا الاغاثي والإنساني والدبلوماسي المماثل في الأزمة السودانية".
وإشار إلى حرص ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على "تعزيز الاستقرار الداخلي، ورأب الصدع الإقليمي" وهو ما يلقى تأييدا وثناء اقليميا.
مرحلة جديدة
وتحدث أستاذ العلاقات الدولية عن المرحلة الجديدة من الدبلوماسية السعودية بالقول "نحن نرى ترميم العلاقة مع إيران، ومحاولة تهدئة الأوضاع والتصالح قبل ذلك مع قطر، وإنهاء الأزمة الخليجية، ومحاولة إنهاء الأزمة اليمنية، والحراك السياسي والدبلوماسي والإنساني في الازمة السودانية، وغيرها من الملفات".
واستدرك قائلا: "هناك طبعا جانب يتعلق بالعلاقة السعودية الاميركية مؤخرا بما فيها من حالة عدم استقرار وكثير من التوترات حيث تريد السعودية ان تقول انها مستقلة في مواقفها وتتخذ قراراتها بناء على حساباتها ومصالحها الداخلية وإن تعارض ذلك في بعض الاحيان مع مصالح الولايات المتحدة".
وختم مؤكدا "هناك الآن مرحلة جيدة، ويجب التعامل معها بحذر قبل التقييم النهائي، للأسف لا يوجد مشهد عربي الان، الوضع العربي سيء جدا على كل مستوى سياسي، واقتصادي واجتماعي وأمني، لكن السعودية تحاول تحسين المشهد وإعادة توليد صورة جديدة لنفسها وتحقيق الاستقرار".
دور سعودي في الجامعة العربية
واكد الكاتب والباحث العراقي نظير الكندوري، تعليقا على الدور السعودي في قرار الجامعة العربية بعودة النظام السوري إليه، إنه "في الوقت الذي حاولت فيه دول عربية القيام بجهود لإعادة تأهيل النظام السوري وإعادة عضويته للجامعة العربية، كانت السعودية وعدد أخر من الدول العربية يرفضون ذلك" في مرحلة سابقة.
وأضاف أن الرفض كان "لأسباب تتعلق بانحياز النظام السوري بشكل كبير للمحور الإيراني، كذلك خشية السعودية من غضب الغرب، لكن التغييرات المفاجئة والكبيرة على السياسة الخارجية السعودية في الفترة الأخيرة، جعلت الانفتاح على النظام السوري، بمثابة نتيجة تحصيل حاصل لهذا التغيير".
وأكد ان "المصالحة السعودية الإيرانية وعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، انعكس إيجابيا على الأوضاع في اليمن، فيما تأتي مسألة إعادة تأهيل النظام السوري كخطوة ثانية لتأثيرات هذه المصالحة".
وشدد "ان الجهود السعودية في إعادة النظام للجامعة العربية، تميزت على جهود دول أخرى والجامعة العربية، بسبب ما تتمتع به من قوة اقتصادية كبرى في المنطقة، وعلاقات سياسية جديدة متنامية سواء على الصعيد الإقليمي، أو على الصعيد الدولي".
الجفوة مع أميركا
وذهب الكندوري إلى أن "الجفوة التي تمر بها العلاقات السعودية الأميركية في الوقت الحالي، ساعدت في حسم السعودية أمرها في موضوع تأهيل النظام السوري، على اعتبار أن النظام غير مرضي عنه أميركيا".
وزاد "تحاول السعودية الانعتاق شيئًا فشيئًا من الإملاءات الأميركية فيما يخص الوضع في الشرق الأوسط، وإرسال رسالة لواشنطن، بأن وقت الإملاءات قد ولى لغير رجعة".
يمكننا الجزم بأن السعودية تمتلك الإمكانيات التي تجعلها دولة رائدة ومؤثرة بالمنطقة
وأوضح "السعودية وبسبب التغييرات الكبيرة على سياساتها الخارجية، أصبح يتوفَّر لديها أدوات وإمكانيات يمكن أن تجعلها لاعبًا كبيرًا وقويًا في المنطقة، وقد رأينا أثار ذلك من خلال قيامها بالتدخل الإيجابي بأكثر من منطقة، أخرها كان في السودان".
وتابع موضحا "كما أن الرياض تقود اليوم حركة كبيرة لإنهاء القتال هناك، كذلك دورها الكبير في الموضوع اللبناني ومحاولاتها للتوفيق بين الأطراف اللبنانية للخروج من أزمة الاستحقاقات الدستورية المتمثلة باختيار رئيس للبلاد وتشكيل الحكومة".
وأكد أن "كل هذا تزامن مع غياب شبه كامل لدور دول عربية كبرى جعل دور المملكة يصبح أكثر تأثيرًا، ويمكننا الجزم بأن السعودية تمتلك الإمكانيات التي تجعلها دولة رائدة ومؤثرة بالمنطقة لو أحسنت دوما استخدام تلك الأدوات".
وختم بالقول "نعتقد أن وصول السعودية لمكانة كبيرة بالمنطقة، يتوجب عليها القيام بالتقرب من الشعوب العربية أيضًا، والاهتمام بقضاياها المصيرية".