إعادة ربط سوريا بنظام 'سويفت' خطوة هامة لإنعاش الاقتصاد

الخطوة قد تكون فارقة في تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب في السوق السورية، خاصة أولئك المهتمين بالدخول إلى قطاعات واعدة مثل الطاقة، والإعمار، والنقل، والزراعة.
القرار يدعم جهود الحكومة لإعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام المالي العالمي
السلطات السورية تبذل جهودًا حثيثة لتحسين مناخ الاستثمار
رجل الأعمال الاماراتي خلف أحمد الحبتور سيزور سوريا لاستكشاف فرص الاستثمار

دمشق - أعلن عبدالقادر حصرية، حاكم مصرف سوريا المركزي، في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز عن نية الحكومة السورية ربط البلاد مجددًا بنظام سويفت للمدفوعات الدولية خلال الأسابيع المقبلة، بعد انقطاع دام أكثر من عشر سنوات بسبب العقوبات. تأتي هذه الخطوة ضمن جهود الحكومة السورية لإنعاش الاقتصاد الوطني، خاصة بعد رفع العقوبات الأميركية فيما سعيد القرار ثقة المستثمرين في الاقتصاد السوري.
منذ عام 2011، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية شاملة على سوريا، شملت قطاعات الطاقة والمالية والتجارة، مما أدى إلى عزل البلاد عن النظام المالي العالمي. هذه العقوبات تسببت في تدهور قيمة الليرة السورية، وارتفاع معدلات التضخم، وفقدان القدرة الشرائية للمواطنين. كما أدت إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تزيد على 80 في المائة، من نحو 68 مليار دولار عام 2010 إلى نحو 9 مليارات دولار عام 2023. 
وبعد التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد في ديسمبر/كانون الاول 2024، تولت الحكومة السورية الجديدة، برئاسة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، مسؤولية إدارة شؤون البلاد. منذ توليها، بدأت الحكومة في تنفيذ إصلاحات اقتصادية تهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد الوطني، وتعزيز العلاقات مع المجتمع الدولي، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وبُذلت جهود متواصلة من قبل الحكومة السورية وشركائها الدوليين لدعم الاقتصاد الوطني. شملت هذه الجهود برامج لإعادة الإعمار، وتحفيز الإنتاج المحلي، وتشجيع الاستثمار في القطاعات الحيوية كالصناعة والزراعة، إضافة إلى إطلاق مبادرات لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتسهيل وصولها إلى التمويل. كما تم العمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع بعض الدول الصديقة لتأمين المواد الأساسية وتحقيق نوع من الاستقرار الاقتصادي النسبي رغم وجود العديد من العراقيل. 
في هذا السياق، أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي عن خطة لربط البلاد بنظام سويفت للمدفوعات الدولية، مما سيسهم في تسهيل التحويلات المالية، وتعزيز الثقة في النظام المصرفي، وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي مع الدول والمؤسسات المالية العالمية.
وتعتبر العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا من أبرز التحديات التي تواجه جهود الحكومة في إعادة بناء الاقتصاد. في هذا الإطار، دعا وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى رفع العقوبات الاقتصادية، مؤكدًا أنها "مفتاح الاستقرار" في البلاد . كما أشار خبراء اقتصاديون إلى أن رفع العقوبات سيؤدي إلى انتعاش التجارة والاستثمارات، واستعادة الثقة العالمية في الاقتصاد السوري. 
وفي إطار سعيها لإعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام المالي العالمي، بدأت الحكومة السورية في إجراء محادثات مع مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كما حصلت على دعم من دول خليجية مثل السعودية وقطر والامارات، التي قامت بتسوية ديون سوريا المستحقة للبنك الدولي، مما يتيح لها الوصول إلى قروض جديدة لدعم مشاريع إعادة الإعمار والتنمية.

وقالت مجموعة الحبتور الإماراتية في بيان اليوم الاثنين إن رئيسها رجل الأعمال خلف أحمد الحبتور سيزور سوريا في الأيام المقبلة لاستكشاف فرص الاستثمار والتعاون.

وتأتي زيارة الحبتور إلى سوريا في سياق دعم إماراتي متزايد للمرحلة الانتقالية في سوريا، وسط تحركات دبلوماسية نشطة بين دمشق وأبوظبي. فقد شهدت الأشهر الماضية سلسلة من اللقاءات والاتصالات بين رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس السوري أحمد الشرع، في إطار جهود لتعزيز الاستقرار الإقليمي وتوفير بيئة داعمة لإعادة الإعمار والتنمية في سوريا. ويُنظر إلى الدعم الإماراتي، والخليجي عمومًا، باعتباره عنصرًا حاسمًا في إنعاش الاقتصاد السوري بعد أكثر من عقد من الحروب والتدهور الاقتصادي. إذ تسعى دول الخليج إلى لعب دور متقدم في إعادة دمج سوريا عربيًا واقتصاديًا، من خلال دعم المشاريع الاستثمارية وتسهيل الشراكات التي تسهم في إعادة بناء البنية التحتية وإنعاش السوق السورية.

ويعتقد أن إعادة ربط سوريا بنظام "سويفت" قد تكون خطوة فارقة في تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب في السوق السورية، خاصة أولئك المهتمين بالدخول إلى قطاعات واعدة مثل الطاقة، والإعمار، والنقل، والزراعة. إلا أن هذا الانفتاح يصطدم بتحديات كبيرة، في مقدمتها الوضع الأمني الهش، والبنية التحتية المتضررة، والبيروقراطية المعقدة، فضلاً عن استمرار بعض العقوبات الغربية التي ما زالت تشكل عائقًا أمام التعاملات المالية الكاملة.
ورغم هذه العقبات، تبذل السلطات جهودًا حثيثة لتحسين مناخ الاستثمار، بما في ذلك تقديم تسهيلات ضريبية وتشريعية، وتوفير ضمانات قانونية للمستثمرين، إضافة إلى إنشاء مناطق اقتصادية خاصة تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
رغم الخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها، إلا أن الطريق أمام الاقتصاد السوري لا يزال طويلًا. تواجه البلاد تحديات كبيرة تتمثل في تدمير البنية التحتية، وتدهور القطاع الصناعي والزراعي، وارتفاع معدلات البطالة والفقر. كما أن الوضع الأمني الهش في بعض المناطق قد يؤثر سلبًا على جهود إعادة الإعمار 
مع ذلك، تبدي الحكومة السورية عزمًا على تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي. وتشمل هذه الإصلاحات تعزيز الشفافية، وتطوير القطاع المالي، وتوسيع قاعدة الاستثمارات المحلية والأجنبية.
تمثل خطوة ربط سوريا بنظام سويفت للمدفوعات الدولية بداية جديدة للبلاد نحو الانفتاح الاقتصادي والمالي. وتعكس هذه الخطوة التزام الحكومة السورية بإعادة بناء الاقتصاد الوطني وتعزيز علاقاتها مع المجتمع الدولي. إذا ما تم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ورفع العقوبات الاقتصادية، فإن سوريا قد تكون على أعتاب مرحلة جديدة من النمو والازدهار الاقتصادي.