إما إيران أو الانتحار

في انتظار الموقف الأميركي يظل كل شيء في العراق مربوطا بعقارب الساعة الإيرانية.

يتخوف الكثير من العراقيين من أن يتحول العراق إلى ضحية للعقوبات الاقتصادية المفروضة والتي ستُفرض على إيران.
إنكار حقيقة أن العراق بات مُسيطَرا عليه سياسيا واقتصاديا من قبل نظام آيات الله لن يكون نافعا في حالة من ذلك النوع.

فالأمر كما هو في كل الحالات السابقة مصيري. إنه يتعلق بمستقبل بلد، شاء قدره أن يضعه المحتل الأصلي تحت كفالة محتل بديل.

وقد يكون من حسن حظ العراق أن ينشأ خصام بين المحتلين. هذا إذا توفرت في العراق إرادة وطنية. ولكن من أين نأتي بتلك الإرادة؟

فالعراق تحكمه أحزاب، بعضها تابع لإيران بطريقة لا لبس فيها والبعض الآخر يتودد إلى إيران حفاظا على مصالحه الضيقة.

التابع والانتهازي يديران اللعبة بطريقة لا مراعاة فيها لمصالح الشعب العراقي وهما متأكدان من أن تلك الفرصة التاريخية قد تسقطهما عن العرش.

ولأن الولايات المتحدة تبدو غير مكترثة لما يحدث في العراق فإن حكامه لن يجرؤ أحد منهم على المساس بالجمهورية الإسلامية في إيران.

ولأن تلك الجمهورية هي اليوم ليست في أحسن أحوالها فإن ذلك يشكل مبعثا لشعور سياسيي العراق بالخوف من أن يتركوا من غير حماية.

إن حدث ورفعت إيران مضطرة حمايتها عنهم فإنهم قد يلجئون إلى سفارات بلدانهم البديلة في بغداد. وهو أمر متوقع ما داموا لم يتخلوا عن جنسياتهم الأخرى بموجب الدستور العراقي.

سياسيو العراق هلعون مما يمكن أن يحدث لإيران بسبب العقوبات الاقتصادية. لذلك فإنهم قد يلجئون إلى خطوات تضر بالاقتصاد العراقي الضعيف أصلا من أجل أن لا ينهار الاقتصاد الإيراني.

ولقد بدا ذلك واضحا من ردود الأفعال المتشنجة والتي يمكن وصفها بالهستيرية على اعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من أنه سيلتزم بتطبيق العقوبات الأميركية.

غير أن مستقبل سلوك السياسيين العراقيين سيكون مرتبطا بالطريقة التي تطبق فيها الولايات المتحدة عقوباتها.

إن كانت تلك الطريقة حازمة ودقيقة فإن لعب "الصبيان" العراقيين لن يكون مجديا. لن تنفع حقائب الدولارات المهربة إلى إيران في شيء.

اما إذا لم يكن الأميركان جادين فإن الاقتصاد العراقي سيُلحق مباشرة بالاقتصاد الإيراني وستحل الكارثة المؤكدة بالعراقيين الذين ستذهب أموالهم خُمسا من أجل أن يبقى الولي الفقيه على عرشه.

في انتظار الموقف الأميركي فإن كل شيء في العراق سيظل مربوطا بعقارب الساعة الإيرانية وهو انتظار جاء في توقيت غير مناسب بالنسبة للطبقة السياسية التي تحاصرها احتجاجات الشارع فيما تنهمك في التحضير لتوزيع المناصب الحكومية في المرحلة المقبلة.

المحتجون والسياسيون ليس لديهم شيء يفكرون فيه سوى إيران.

بالنسبة للمحتجين فإنه لا مستقبل للعراق إذا ما ظل مُلحقا بإيران بغض النظر عما تؤول إليه العقوبات الاقتصادية. أما السياسيون فإن شبح العقوبات يدفعهم إلى التفكير بمستقبل إيران كونه المؤشر الذي يرتبط به بقاؤهم في السلطة من عدمه.

ذلك الاختلاف سيدفع بالسياسيين إلى أن يقاوموا الاحتجاجات من خلال الارتماء أكثر في الحضن الإيراني. ليس لديهم خيار آخر.

اما إيران أو الانتحار.

والانتحار هنا يعني مواجهة الشعب أما بالحقيقة أو العنف. كلاهما يفضيان إلى النتيجة ذاتها.

فالحقيقة تفضي إلى الاعتراف بأنه ليس لدى الحكومة ما تفعله من أجل الخدمات التي يطالب بها المحتجون. عراق من غير خدمات هو ذلك العراق المطلوب. وهي مصارحة متأخرة لن يلجأ إليها سياسيو بغداد. لذلك فإنهم سيلجئون إلى العنف وهو ما لن يضمنوا نتائجه. ذلك لأن ميليشيات الحشد الشعبي بتركيبتها الطائفية والجهوية لن تكون صالحة على المدى البعيد للتصدي للشباب المحتجين في المدن ذات الغالبية الشيعية.

كان متوقعا أن يكون العراق ساحة حرب بين الولايات المتحدة وإيران. غير أن ما لم يكن يتوقعه سياسيو المنطقة الخضراء التي تحتل السفارة الأميركية الجزء الأكبر منها أن يكونوا أول الخاسرين في تلك الحرب.