إيران.. تتبنى سلوكا عدائيا في شمال الخليج
بقلم: فرزين نديمي
في 15 أبريل، أفادت "القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية" عن قيام الزوارق السريعة التابعة لـ "بحرية "الحرس الثوري الإسلامي"" الإيراني بسلسلة مناورات في المياه الشمالية للخليج العربي وصفتها بـ "الخطيرة وعديمة الاحترافية". واستنادا إلى أدلة الصور والفيديو التي نشرتها "القيادة المركزية" تُعتبر هذه المواجهة غير مسبوقة من عدة نواحٍ: فقد شارك فيها عدد كبير نسبيا من القوارب المسلحة (وصل إلى حد 11 قارب في حالة واحدة) التي حامت بكثرة وعدائية حول السفن الأميركية في نطاقات قريبة بشكل غير عادي.
تصاعدت التوترات بصورة أكثر بعد هجومٍ قاتل شنّته إحدى الميليشيات في العراق في 11 مارس، حيث قتلت القوات الموالية لإيران جنودا أميركيين وبريطانيين. وفي الشهر نفسه، بدأت كافة فروع القوات المسلحة الأميركية تقريبا بمناورات دفاعية مشتركة في وسط وشمال مياه الخليج. واستنادا إلى الرد الإيراني، يبدو أن طبيعة هذه المناورات ونطاقها أثارا قلق القيادات في "بحرية الحرس الثوري".
تضمّنت المناورات العسكرية الأميركية تكتيكات قائمة على أساليب جديدة وأخرى قديمة مثبتة للتمركز البحري والانتشار الأمامي لمروحيات الجيش. فخلال المواجهات الأميركية ـ الإيرانية في الفترة 1987 ـ 1988، كانت مروحيات الجيش المجهّزة للهجمات الخفيفة تنطلق من مراكب معدّلة قبالة السواحل السعودية لتنفيذ عملياتها، باستخدامها كمائن ليلية للقضاء على الكثير من الزوارق الإيرانية السريعة التي كان يُشتبه بأنها تزرع الألغام في البحر.
ومن جانبها، تُعتبر سفينة "بولر" مثاليةً للعمليات الاستكشافية في مناطق الخليج حيث لا تتوفر القواعد الساحلية على الفور، سواء لأسباب لوجستية أو سياسية. ويتألف طاقم السفينة من 100 عنصر عسكري و44 مدنيا، وتشكّل السفينة منصةً فريدة ومرنة للقوات الأميركية في المنطقة. وتُعتبر أيضا خيارا واضحا لدعم العمليات الخاصة في المنطقة البحرية الشديدة الحساسية حول قاعدة "بحرية «الحرس الثوري»" في "جزيرة فارسي". وتطلّ هذه القاعدة على طرق الشحن الوافدة إلى الكويت والخارجة منها، حيث تتمركز حاليا معظم شبكة الدعم اللوجستي للجيش الأميركي.
في الآونة الأخيرة، تدرّبت هذه الفرق على مناورة "إيقاف الأعداء في حالات الخطورة الشديدة على مسافات ممتدة"، مما يستلزم استخدام طائرات الدوريات لكشف الزوارق سريعة الحركة التي تشكل تهديداً، ثم رشّها من مروحيات "أباتشي" بوابل من الرشاشات عيار 30 ملم، والصواريخ الموجّهة، وصواريخ "هيلفاير" عن مدى يصل إلى 11 كيلومترا.
وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة لم تشهد تعاونا مماثلا منذ عملية "الإرادة الصادقة" في عام 1988، عندما شاركت مروحيات الجيش المذكورة سابقا في عدة اشتباكات مع قوات "بحرية «الحرس الثوري»" الإيراني، منطلقةً من قواعدها على متن المراكب مما تسبب في وقوع عدد من الضحايا. وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، لا يزال المسؤولون في "بحرية «الحرس الثوري»" يتوعّدون بين الحين والآخر بالانتقام على هذه الأحداث في تصريحاتهم العلنية.
تدرك "بَحرية «الحرس الثوري»" الإيراني جيدا الإمكانيات الأميركية الجديدة والأكثر مرونةً التي يجري حاليا استعراضها في الخليج، وتلاحظ تسارع وتيرة العمليات المنطلقة من سفينة "بولر" والنية المحددة لمواجهة تكتيكات الحشد الإيرانية. وبناءً على ذلك، زاد "الحرس الثوري" سلوكه العدائي في المنطقة المجاورة، كما يفعل عادةً عندما يُظهِر العدو مثل هذه المرونة.
وفي بيان لـ "بحرية «الحرس الثوري»" في 19 أبريل، زعمت القوات حدوث تدخّل بحري أميركي "غير آمن وغير مسؤول" في حادثتين منفصلتين وقعتا في 6 و7 أبريل، وفصلت بينهما مسافة 200 كلم تقريبا في منطقتين مختلفتين تابعتين للبحرية. والغريب أن الحادثتين كانتا تتعلقان بسفينة دعم واحدة بطيئة الحركة تابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني.
كما زعم البيان أن القوات الأميركية هي التي بدأت حادثة الاحتشاد التي وقعت في 15 أبريل والتي تم وصفها في وقت سابق، حين تدخّلت في تمرينٍ بالذخيرة الحية أعلنته سابقاً "بَحرية «الحرس الثوري»". إلا أن فيديو الأدلة الذي نشرته "البحرية الأميركية" يُظهر خلاف ذلك ـ فالمراكب الإيرانية استَخدَمت مراراً وتكراراً تكتيكات المضايقة والتطويق الضيّق بشكل مشابه جداً لتلك المستخدمة خلال سلسلة من الحوادث في عام 2016 حين تعرّضت المدمرات وسفن الدوريات الأميركية لتهديد واضح قرب مضيق هرمز.
لقد طُرح مفهوم "الردع المتنازع عليه" للمرة الأولى من قبل رئيس "القيادة المركزية الأميركية" الجنرال كينيث ماكنزي خلال جلسة استماع أمام الكونغرس في 11 مارس. وينبع هذا المصطلح من رفض إيران منذ فترة طويلة لأي وجود أمني أجنبي في الخليج. فمن وجهة نظر "الحرس الثوري"، يشكّل وجود القوات العسكرية الغربية تدخلاً في الشؤون الإقليمية وقضايا الدفاع ـ على الرغم من أن القانون البحري الإيراني لا يتضمن أي نص للتعاون الأمني مع الدول المجاورة في المنطقة.
وبالمثل، لا تعترف إيران رسمياً بِحرّية الملاحة في الخليج أو مضيق هرمز. فمن وجهة نظرها، إن الممر المائي الأخير ليس مضيقا دوليا، وبالتالي فإنّ "عبوره" ليس حقّاً ثابتاً. ولكن على أرض الواقع، عادة ما تتجنب القوات الإيرانية المواجهات البحرية المباشرة التي تهدف إلى تأكيد هذه الادعاءات ـ إلا عندما تريد إظهار استيائها الجدي من تطور معين.