إيران تخطط وتوجه، والحوثي ينفذ ويستعرض

وصلت الولايات المتحدة متأخرة إلى البحر الأحمر لحمايته من النفوذ الإيراني والاستعراض الحوثي.

يوما بعد آخر تنغمس ميليشيا الحوثي الإرهابية أكثر وأكثر في صراع الشرق الأوسط، عبر تكرار مهاجمتها لسفن الشحن في البحر الأحمر "دعما لحماس في حربها ضد إسرائيل" و"نصرة لأهالي غزة"، كما تدعي. وبسبب هذا الوضع غير المستقر الذي يهدد أحد أهم وأخطر طرق الملاحة في العالم، شكلت الولايات المتحدة تحالفا دوليا لحماية خطوط الشحن التجاري بإسم "حارس الرخاء". فوفقا لوكالات الأنباء، غيرت أكثر من 100 سفينة شحن مسارها من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح تجنبا لهجمات الحوثيين، مما سيطيل مدة الرحلة، ويكلف ملايين الدولارات، ويرفع من تكلفة النقل، التي ستنعكس على البضائع المنقولة. ويقدر الخبراء أن حوالي 30% من التجارة العالمية تمر عبر قناة السويس.

جماعة الحوثي هي أساسا واحدة من أذرع إيران، الى جانب حزب الله في لبنان، والحشد في العراق، وحماس في غزة. فهي لا تتحرك بدون توجيهات قم، ولولا مساعدتها، وخصوصا فيلق القدس، لما تمكن الحوثيون من الصمود. فهذا الفيلق كما هو معروف، المشرف على جميع المليشيات الموالية لإيران حول العالم، وبضمنها الحوثي. وإلى جانب الدعم المادي، يقوم فيلق القدس وحزب الله بتدريب الحوثيين من أجل تحسين قدراتهم القتالية، وتزوديهم بالصواريخ والطائرات المسيرة وتمكينهم من إستخدامها. وخلال السنوات الأخيرة إرتفع سقف طموح الحوثيين، فباتوا يريدون حكم اليمن بأكمله، خصوصا أنهم يحكمون دولة هجينة في شماله منذ 2016 وفق أديولوجيتهم الظلامية الطائفية بطريقة شمولية، كما وصل عدد أعضاء ميليشياتهم الى حوالي 200 ألف مسلح.

نقطة الضعف الأبرز في التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة، تتمثل في فشله بضم الدول العربية الأهم من حيث الموقع والقدرات والمطلة على البحر الأحمر، رغم أن هجمات الحوثيين تمثل تهديدا مباشرا لمصالحها ولأمنها القومي، وعلى رأسها مصر التي تواجه تحديات إقتصادية كبيرة، وتتعرض لفقدان أهم موارد دخلها القومي من العملة الأجنبية، المتمثل في عائدات قناة السويس، وكذلك السعودية التي مثل لها الحوثيون تهديدا كبيرا لأكثر من عشر سنوات، فشكلت تحالفا ضم الإمارات ومصر والكويت والبحرين والأردن والمغرب، وخاضت ضدهم حربا ضروسا، تعرضت بسببها الى إنتقادات من الغرب بدل الدعم! إضافة الى الخسائر الإقتصادية طوال سنوات الحرب، مما إضطرها في النهاية الى السعي لتطبيع العلاقات مع إيران بإعتبارها الراعي لميليشيا الحوثي. فاليوم هاتان الدولتان لا ترغبان في إعطاء الحوثيين فرصة للتصعيد تجاههم، بالإضافة الى ما قد يسببه إنضمامهما لتحالف "حارس الرخاء" من حرج أمام شعوبهم المتضامنة مع أهالي غزة، في ظل إستمرار حرب إسرائيل، التي تدعمها الولايات المتحدة زعيمة التحالف، عليهم.

إن أميركا على ما يبدو تتحرك وفق مبدأ "أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي ابدا". لكن أحيانا المجيء متأخرا يكون كعدم المجيء لأنه بعد فوات الأوان، وبعد أن سبق السيف العذل، كما سبقت خناجر الحوثيين التحالف الذي شكلته أميركا، بعد أن بات الحوثيون مؤخرا خنجرا في خاصرة طرق الملاحة العالمية، كما كانوا قبلها لسنوات خنجرا إيرانيا مسموما في خاصرة العالم العربي، الذي إضطرت دوله للتفاوض مع من يمسك بخناجر الحوثيين ويحرك خيوطهم حينما رأت تقاعس أميركا والعالم عن ردهم. إذ ما كان يمكن لميليشيا الحوثي أن تتفرعن وتستهتر بهذه الطريقة، لولا سياسة المهادنة التي إعتمدتها الولايات المتحدة والغرب معها، ومع من يقف خلفها في قم، على مدى سنوات، وتحديدا خلال فترة حكم الرئيس باراك أوباما الذي أعطى الأولوية للحلول السياسية بدل الحلول الأمنية، مما منحهم الوقت الكافي لتجميع قواهم، وتأهيل أنفسهم، وتطوير أسلحتهم، والتحكم بمقدرات ملايين اليمنيين الأبرياء. فلو تم التعامل معهم بحزم منذ البداية، حين أعلنت السعودية تشكيلها لتحالف عاصفة الحزم، ولو كانت أميركا قد دعمت هذا التحالف وشاركت فيه حينها، لما وصلنا الى اللحظة التي يهدد فيها حفنة من المسلحين الموالين لإيران طرق التجارة العالمية. فقد بات الحوثيون يشكلون تهديدا ليس فقط لليمن، بل وكل العالم. لذا يجب التعامل معهم بحزم، بدءا من تصنيفهم منظمة إرهابية، وتجفيف منابع تمويلهم، وصولا الى القضاء عليهم وتخليص اليمن والعالم من شرهم، لينتهوا الى مزبلة التأريخ، ويذكر حكمهم كأحد أتعس المراحل التي عاشها اليمن السعيد.

يعلم الحوثيون جيدا أن ما يقومون به، رغم ما يسببه من إزعاج، لن يغير شيئا من معادلة الحرب في غزة، أو يرجح كفة ميليشيا حماس، قرينتها في العمالة لإيران، على إسرائيل. فما يقومون به أشبه بما تقوم به ذبابة حين تضايق فيل، يمكن له أن يسحقها بقدميه، وهو ما بإمكان الولايات المتحدة، أو أي دول أوروبية أو عربية، أن تفعله معهم، لولا أنهم جبناء يحتمون بالمدنيين كدروع بشرية ثم يتاجرون بدمائهم، كأقرانهم الحمساويين في غزة والحزب اللاهوين في جنوب لبنان والحشدويين في العراق. لذا هدفهم مما يقومون به، لا علاقة له بدعم حماس. فإسرائيل لم تلتفت إليهم حتى الآن، وتركت التعامل معهم لحلفائها، ولا بنصرة أهل غزة، الذين لم تنهي قرصنتهم للسفن معاناتهم، بل زادتها مأساوية بمنعها لسفن المساعدات الإنسانية، التي تبعثها دول العالم الى غزة، من الوصول الى مصر، ثم عبر معبر رفح الى أهالي غزة. هدفهم هو أولا زيادة شعبيتهم عبر دغدغة مشاعر الشعب اليمني، المبتلى بهم والمتعاطف مع قضين فلسطين، لإلهائه عن مشاكله المتراكمة التي تسببوا بها. وثانيا تجديد الولاء لأسيادهم في قم، والتأكيد على أنهم جزء فعال مما يسمى بمحور المقاومة الإيراني، وبالتالي تأكيد دعمهم للمصالح الإيرانية كحزب الله وحماس والحشد. وثالثا إستعراض قوتهم للإعتراف بهم دوليا، كونهم ما يزالون نكرة في عالم السياسة، فهم يريدون إيصال رسالة مفادها أننا لم نعد جماعة متمردة محلية، بل قوة تمتلك ترسانة أسلحة وتسيطر على مساحة كبيرة من اليمن، الى جانب طرق الملاحة، يجب أن يحسب لها حساب، ويعترف بها دوليا، لكي يكتمل الهلال الذي حذر منه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبل عقدين، ويضاف اليمن رسميا الى خارطة ولايات الإمبراطورية الفارسية التي ترتدي قناع الجمهورية الإسلامية، والتي تحكمها إيران بواسطة عملائها ومرتزقتها، كلبنان والعراق وسوريا.