إيران في مرحلة المخاض

برحيل رئيسي ومجيء بزشكيان، تكون إيران قد أجبرت على القطع مع سياسة انكماش النظام داخليا حماية لنفسه.

بعد سلسلة الاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي جرت في إيران أواخر عامي 2017 و2019، والتي إصطبغت بصبغة سياسية واضحة المعالم خصوصا بعد ترديد شعارات مناهضة للنظام وللمرشد الاعلى للنظام تحديدا، فقد شعر خامنئي بالتهديد غير العادي المحدق بالنظام وأدرك بأن مزاعم الاعتدال والاصلاح لم تعد تنطلي على أحد وباتت أشبه ما تكون بالبضاعة الكاسدة، ولو لم يتم تدارك الاوضاع والامور فإن النظام أمام تهديد يمكن وصفه بالمصيري ذلك إن التعرض لأصل النظام وأساسه المتمثل في منصب الولي الفقيه، يعني أن التهديد والخطر قد أصبح جديا.

سلسلة التغييرات السياسية في النظام والتي قام خامنئي بهندستها وأشرف على تنفيذها منذ عام 2020 ولحد الانتخابات الرئاسية التي أعادت ابراهيم رئيسي لولاية ثانية، كانت كلها تجري في سياق تقليص النظام وإنكماشه على نفسه وإنهاء عهد النظام الفضفاض وجعله يرتكز ويتركز على دائرة ضيقة. ومع إن هذه السياسة وعلى الرغم من الاهتمام الخاص التي حظيت به، لكنها مع ذلك لم تتمكن من أن تحول دون إندلاع الاحتجاجات، إذ أن الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الشابة الكردية مهسا أميني على يد دوريات الارشاد التابعة للشرطة الايرانية، والتي إستمرت لأشهر، وضعت خامنئي والنظام في موقف ووضع لا يحسدان عليه، ومع إن النظام تمكن بعد جهد جهيد من السيطرة على الاوضاع، لكنه مع ذلك يعلم بأن هذه السيطرة لا يمكن أن تدوم طويلا ولاسيما مع بقاء العوامل والاسباب التي تنبع من داخل النظام نفسه. ولذلك فإن النظام وكعادته دائما من أجل تدارك الاوضاع الداخلية عندما تتفاقم كثيرا، فإنه يلجأ للعامل الخارجي سواء بإثارة الحروب والمشاكل لإشغال الداخل وتحريف الانظار الخارجية عنه أو بتحسين علاقاته مع العالم كما حدث في إنفتاحه على السعودية والامارات ومصر.

عهد رئيسي الذي يمكننا وصفه بمرحلة غلب عليها التوتر وعدم الاستقرار جاء مصرع رئيسي ليضع خامنئي والنظام أمام منعطف حساس وخطير جدا، ذلك إن رئيسي لم يكن مجرد وجه تقليدي من النظام وإنما كان من الحرس القديم الذي لا يوجد نظيرا له من حيث طاعته العمياء لخامنئي وإخلاصه المتفاني للنظام، وخامنئي ومن ورائه النظام قد أدركوا هذه الحقيقة ولذلك فإن الانتخابات الرئاسية التي تم إجرائها وتمخضت عن فوز مسعود بزشكيان، كانت بمثابة بالون إختبار جديد لخامنئي وللنظام وأثبتت مرة أخرى حالة التوتر وعدم الاستقرار الذي يطغي على النظام.

صحيفة "جوان" التي تعتبر من الصحف المقربة من المؤسسات العسكرية والامنية وخصوصا من الحرس الثوري، وجهت انتقادا لبزشكيان، معلنة أنه يملك أدنى نسبة أصوات لرئيس جمهورية في تاريخ النظام. هذا الادعاء يظهر عمق الخلافات ومحاولات إضعاف الخصوم في المجال العام. كما إن ما قد تم الاعراب عن القلق من داخل أوساط جناح الاعتدال المزعوم شأن الأدوار الخفية وتشكيل حكومة ظل من قبل بعض الفصائل، وبناء على مفهوم "حكومة الظل" الذي يزعم أن سعيد جليلي يترأسها، تدل على إن هناك أمورا وتطورات ملفتة للنظر تجري وهي غريبة من نوعها وغرابتها تكمن في إن جريانها يسبق جلوس بزشكيان على كرسي الرئاسة.

الاوضاع في إيران بعد فوز بزشكيان، قلقلة ولا يمكن الاطمئنان إليها، وهذا ما يمكن إستشفافه من حالة الضبابية وعدم الوضوح التي باتت تظهر بشكل واضح في النظام. ولكن وفي كل الاحوال فأن ما يجري حاليا هو في الحقيقة بمثابة إعلان وبالبنط العريض عن فشل سياسة الانكماش لخامنئي ودخول إيران في مرحلة هي أقرب ما تكون للمخاض.