إيران وعراق البعث.. تسليم المعارضين!

نظام ولاية الفقيه لا يهمه العراق ولا المعارضة، وهي سلطة اليوم، إنما الأهم بقاء هذا البلد مُصرّفاً لأزماته، مقدراته السياسية والاقتصادية رهن إشارته، يُحارب بشبابه شرقاً وغرباً.

نقرأ في صحيفة المعارضة العراقية «المؤتمر» (العدد 105 المؤرخ في 16/6/1995) خبراً عن نية إيران تسليم رؤوس المعارضة العراقية، وهي إسلامية كافة، ورد تحت عنوان «الحكيم باقٍ في طهران ولا يتوقع تطبيعاً سريعاً في العلاقات الإيرانية العراقية». يقول الخبر: «إشاعات ترددت في الآونة الأخيرة عن احتمال قيام كلّ من العراق وإيران بتسليم البلد الآخر الأطراف المعارضة له، المقيمة لديه، وترددت معلومات عن حصول حوادث تسليم العراقيين إلى النظام الحاكم مِن قِبل بعض الأجهزة الأمنية».

بعد سنوات طويلة، يقف سبعاوي إبراهيم (ت 2013) مدير المخابرات العامة سابقاً، أمام المحكمة (2008) ليقول: «عندي شيء للتاريخ»! إنه في بداية التسعينيات يزور بغداد معاون مدير المخابرات الإيرانية، ويجتمع به حاملاً رسالة شفوية من القيادة الإيرانية، وعلى حد عبارته «آنذاك الأجواء السياسية مع إيران زينة»، فحواها «نسلمكم كل قادة المعارضة عندنا في إيران، وأي اسم تضيفونه، وتسلمونا قادة منافقي خلق، وما قال مجاهدي». يقول سبعاوي: «قلت له: أنا ليس من صلاحيتي. قال: نعلم ليس من صلاحيتك. جئنا نوجه إليك الدعوة لزيارة إيران، وأنت خير من يتصل بصدام، لأنك أخوه ومدير المخابرات».

كتب سبعاوي رسالة بما حصل ولم تصدر الموافقة من الجانب العراقي. كان صدام قد عرض الموضوع في مجلس الوزراء، هذا ما نقله وزير الإعلام عبدالغني عبدالغفور، وقبلها اعتقد سبعاوي أن القضية ظلت سراً بينه وبين صدام وإيران. حينها زار محمد باقر الحكيم (قُتل 2003) بلداناً عربية وأطال المقام بضيافتها، ولما عاد إلى العراق لم ينبس بكلمة شكر للولي الفقيه، على حد إطلاعنا، وتحدث عن دولة مدنية، وبعدها قُتل، على خلاف أخيه عبدالعزيز الحكيم (ت 2009)، الذي طالب بتعويض إيران عن خسائرها في الحرب (1980-1988)، ومازال أمر مئات المليارات المفقودة في علم الغيب!

كانت إيران تجند المعارضة الإسلامية خلال الحرب كميليشيات تُقاتل بها الجيش العراقي، فقد تخلت عن مطمع الخميني بتصدير الثورة عبر الحشود، لإشعال انتفاضة إسلامية ببغداد، لتصبح الحرب وسيلةً، تحت شعار «تحرير القدس عبر كربلاء». بعدها قامت علاقات جيدة مع العراق، حتى جاءت البشارة بما لا تنتظر، أن تغزو أميركا العراقَ، وتدفع إيران بما لديها مِن جماعات، ولما حدث مؤخراً خلل في المعادلة حضر قاسم سليماني للاطمئنان على ما ستسفر عنه انتخابات (2018)، بعد أن أظهرت النتائج خفة كفة الجناح الإيراني، المتمثل بـ«الفتح المبين» و«دولة القانون»، مقابل العراقي المتمثل بـ«سائرون» و«النصر».

سيجري الضغط على القوائم الكردية، فالاتحاد الديمقراطي الكردستاني (السليمانية) يُعد حليفاً لإيران، ضمن صلات تعود إلى الحرب الكردية الكردية (1995-1998)، ولموقف إيران المساند للاتحاد ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني (أربيل)، اضطر الأخير إلى الاستنجاد ببغداد. تقديراً لهذا الدور فُتحت حسينية داخل السليمانية (حسينية الحكيم) بل أخذ «المجلس الأعلى»، الذي تأسس بإيران، وجناحه العسكري «بدر» يُعد ضمن تشكيلات الحرس الثوري، فرصته في الكسب المذهبي، مما جعل جماعات الإسلام السياسي الكردية تعترض، وحصل ذلك تحت مسؤولية فرع المجلس بكردستان من قِبل أحد العلمانيين الذي تحول إلى إسلامي، ومثل هؤلاء يهمهم إثبات الولاء الجديد. سمعت بحيثيات ذلك الكسب من إسلامي ينتمي إلى «الجماعة الإسلامية».

لو عدنا إلى الوراء لم نجد إيران حريصةً على إسقاط النظام السابق، وتحديداً بعد وقف الحرب، ووفاة الخميني (1989)، بل تحسنت العلاقات بسرعة مذهلة بعد غزو الكويت (1990). حتى أن أحد قياديي «الدعوة الإسلامية»، وهو إيراني الأصل والجنسية والإقامة، أصدر بياناً ضد الإعداد لغزو العراق، بالتزامن مع مؤتمر لندن (12/2002)، إلا أنه بعد السلطة تبوأ منصب وزير التعليم العالي.

تعلم إيران أن عدواً معروفاً أنهكته الحروب وشله الحصار، أفضل من جيش أميركي وربما نظام غير مضمون الولاء على حدودها. فلم يكن بالبال أن تقطف الثمرة، بعد تفعيل ما عُرف بالمقاومة بإدخال المسلحين عبر سوريا، وإشعال الحرب الكارثية بالنجف (2004)، للإسراع بخروج الأميركان، وكان يديرها أحد أقطابها، المطلوب بتهمة الإرهاب، والذي عاد ليكون نائباً ضمن «دولة القانون»، بعد الانسحاب الأميركي (2011).

نظام ولاية الفقيه لا يهمه العراق ولا المعارضة، وهي سلطة اليوم، إنما الأهم بقاء هذا البلد مُصرّفاً لأزماته، مقدراته السياسية والاقتصادية رهن إشارته، يُحارب بشبابه شرقاً وغرباً. لهذه الغاية حضر سليماني! فما لم تحققه إيران بحشود تصدير الثورة وبالحرب، عادت لتحققه عبر مَن كادت تبيعهم مقابل «مجاهدي خلق». مصلحة السياسة والأيديولوجيا ليست أواصر مذهبية ولا دينية، ففي لحظة يصبح وفقها العدو صديقاً والصديق عدواً. يعبر نصر بن أحمد الخبزأرزي (ت 330هـ) عن الحال: «طباعك فالزمها وخل التكلفا/ فإن الذي غطيته قد تكشفا/ فلم نتقاضى ما تعاودت مرةً/ إذا كنتَ خواناً فلم تدعِ الوفا» (ديوان الخبزأرزي). بعد التجارب مع الولاءات المدمرة ليكن العِراق أولاً وأخيراً!