اراء اسلاميّة حول حقوق الانسان بالعراق بين الامس واليوم

ها هو اسلام وتشيّع دعاة حقوق الانسان من الشيعة على رأس السلطة ولم نرَ شيئا من حقوق الانسان.

لا يمكن بناء سلطة ديموقراطية بدون احترام حقوق الانسان وتحقيقها فعلا من خلال العمل على تطبيق القوانين الدولية بهذا الخصوص، خصوصا تلك التي تتبناها الامم المتحدة، كون جميع الدول بأنظمتها المختلفة هي اعضاء في هذه المؤسسة الامميّة، وقد تتعرض للتساؤل في حالة اخلالها بهذه القوانين من خلال عدم احترام حقوق الانسان في بلدانها. وبالتأكيد فانّ للدول الحقّ ايضا في ان تنظر لهذه المسالة من خلال قوانينها الخاصّة والتي يجب ان لا تبتعد عن المفاهيم الاساسية لحقوق الانسان وحقّه في العيش بكرامة. ولأننا نتحدث عن العلاقة بين الديموقراطية وحقوق الانسان، فعلينا ان لا ننجر الى مواقع السلطات التي تتبنى من خلال برلماناتها وكونها الاكثرية سواء كانت تلك الاكثرية سياسية او دينية او طائفية او قومية، في قهر الإثنيات والاحزاب السياسية والمجموعات الدينية والحريّات الشخصيّة من خلال مبدا الاكثرية والاقليّة، فهذا المبدأ يفقد معناه حينما يبدا بمواجهة تلك المجاميع من خلال مبدا الديموقراطية.

نتيجة السجل الاسود للنظام البعثي في ملف حقوق الانسان وضربه لكافّة المواثيق والعهود الدولية، بل وحتى الاسلامية عرض الحائط وقمعه لجماهير شعبنا بكل اطيافه، تبنت المعارضة العراقية وقتها هذا الملف بكثير من الحماس كونها عانت كما بقية ابناء شعبنا من استبداد سلطة البعث وسجونه واغتيالاته واعداماته. وقد عوّل شعبنا على هذه القوى في اقامة نظام سياسي يحترم حقوق الانسان وحريّاته الشخصية، وينهي مأساة تلك الحقبة السوداء من تاريخه. فهل نجح معارضو البعث وهم على راس السلطة اليوم في تقديم رؤية قانونية لحقوق الانسان العراقي، على انقاض رؤية البعث لها؟

لقد تاجرت القوى الاسلاميّة كما غيرها وهي في صفوف المعارضة بملف حقوق الانسان، وكان من ضمن الشخصيات الاسلامية التي تناولت هذا الملف المهم جدا من وجهة نظر اسلاميّة هو د. اكرم الحكيم القيادي في المجلس الاسلامي الاعلى المعارض وقتها، والشاغل لمناصب عليا في الدولة العراقية بعد الاحتلال الاميركي للبلاد. ففي مقال له تحت عنوان "وجهة نظر اسلاميّة تجاه مسالة حقوق الانسان"، والتي نشرتها مجلة الثقافة الجديدة التي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي في عددها رقم 286 والصادرة بتاريخ كانون الثاني – شباط 1999 في صفحاتها 32 – 35، تناول السيد الحكيم هذا الملف استنادا الى الفكر، فانّه كان يربط هذه الحقوق بالدين الاسلامي وتأثيره المعاصر! فهل اوفت القوى الاسلاميّة وهي تتصدر المشهد السياسي اليوم بتعهداتها حول حقوق الانسان العراقي كما كانت تروّج له وهي في المعارضة؟

السيّد اكرم الحكيم لم يخرج قط عن عباءة الدين بنظرة طائفية في مقالته وهو يقول "المصادر الاسلامية (القرآن الكريم ونصوص المعصومين عليهم السلام!!)، هي مصدر الفكر والثقافة والتشريعات والاخلاق الاسلاميّة"، فاكّد وهو يتناول نصوص دينية من التراث الاسلامي الشيعي وآيات قرآنية والتي سنتناول البعض منها لاحقا من انّ "قيمة هذه النصوص ومثيلاتها تنبع اضافة الى المفاهيم التي تتضمنّها والسياسات التي تؤسسّها، تنبع ايضا من عمرها الزمني الذي يمتد لأكثر من الف واربعمائة سنة... بكلمة اخرى يمكن القول وبدون مبالغة بانّ النصوص الاسلاميّة ساهمت وبدرجة كبيرة في اثراء التجارب البشرية المتراكمة بمرور الزمن حتى وصلت الى صيغتها المتقدمّة المعاصرة المتمثلّة بالإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الاوّل 1948"، عازيا الدين كعامل مهم في تكوين ما انتهى اليه الفكر الانساني، علاوة على "حقوق الانسان والمواطن" الذي اصدرته الثورة الفرنسيّة ووثيقة "اعلان الاستقلال الاميركي" في اعلان الصيغة النهائية لقانون حقوق الانسان. فهل حصل المواطن العراقي على جزء من حقوقه التي نادى بها السيد الحكيم وحزبه والاحزاب الاسلامية الاخرى تمتلك عرش العراق اليوم؟

لقد اجتزأ السيد الحكيم بعض الآيات التي ذكرها في مقالته وهو يسوّق مبدأ حقوق الانسان من خلال معتقداته، والتي برهن التاريخ من انّها لم تكن الّا وسيلة لذرّ الرماد في العيون. فها هو اسلامه وتشيّعه على رأس السلطة ولم نرَ شيئا من حقوق الانسان في بلدنا الذي اكتوى بنار البعث. وجاء الاسلام السياسي ليكمل ما عجز البعث عن انجازه في كل حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع ومنها حقوق الانسان وحقوق المرأة وحقوق الاطفال. فالسيّد الحكيم يستشهد بآية "لا اكراه في الدين" سورة البقرة اية 256، لكنّه لا يستمرّ بالآية الى نهايتها والتي تقول "لَا اكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". كما واستشهد السيد الحكيم بالآية 29 من سورة الكهف "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" والتي كما التي قبلها جاءت في غير سياقها كونها لم تستمر حتى نهايتها "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ َمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ انَّا اعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا احَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَان يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا". في الآيتين السابقتين والتي جاء بهما السيد الحكيم كمثال على مبدا حقوق الانسان في القران الكريم، فيهما نوع من التهديد والوعيد وهذا بعيد عن مبدا حقوق الانسان، فحقوق الانسان كما الحريّات لا تتجزأ والّا ستكون بعيدة عن اهدافها الحقيقية.

السيّد الحكيم وبعد كم الآيات والاحاديث التي تناولها في مقالته تلك التي كانت بعيدة عن صلب الموضوع اصاب الهدف بدقّة في نهايتها، حينما تساءل عن السبب الذي يجعل البلدان الاسلامية تعيش انتهاكات كبيرة لحقوق الانسان، مؤكدا من ان انتهاك حقوق الانسان ومصادرة حريّاته هي سياسة ثابتة واستراتيجية للحكومات بمختلف الوانها. وقد حدّد السيد الحكيم الامر بنقطتين جوهريتين. الاولى هي "انّ اغلب الحكومات التي تعاقبت على السلطة في عالمنا الاسلامي ولقرون طويلة من الزمن اختارت من الاطروحة الاسلامية ما يناسبها واهملت كل ما يتعلّق بحقوق الشعب وكل ما يتعارض مع تسلطها واستبدادها، حتّى بلغ الحال ان تعتقد ملايين من المسلمين بقداسة تاريخ وشخصيات خلفاء وحكّام كانوا في الواقع ظلمة وطغاة وفاسدين"، والثانية "تخلّف الجماهير في وعيها الديني والسياسي والثقافي شكلّ على الدوام عاملا مساعدا لاستغلال الدين والقيم الدينية لغير اهدافها الاصليّة".

 اذا اخذنا النقطتين اعلاه كمثال لما يجري بالعراق الاسلامي اليوم، سنرى انّ السلطات تكرّس ما تحتاجه من نصوص اسلامية وغير اسلامية لاستمرار هيمنتها على السلطة، والاسلام السياسي الذي ينتمي اليه السيد الحكيم هو جزء اساسي وفاعل في هذه السلطة اليوم، امّا عن تخلّف وعي الجماهير فانّ للسلطة والمرجعيات الدينية والعشائرية الدور الاكبر في تغييب وعي الجماهير وقبره.

غياب حقوق الانسان والحريّات الاساسية تعني غياب الديموقراطية، وغياب الديموقراطية تعني الاستبداد وان كانت صناديق الاقتراع فيصلا، كون الديموقراطية في هذه الحالة تكون على قياسات احزاب السلطة. وما نراه في العراق اليوم من قمع للمتظاهرين وخطف للناشطين والتضييق على الحريات بقرارات تستند على نصوص اسلامية، بعيدة عن كل ما جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان. والقوى الاسلامية اليوم تختار من الاسلام نفسه ما يناسبها، فهي تحرّم امور كثيرة، لكنّها لا تحرّم السرقة التي وردت اية في القرآن تامر بقطع يد السارق كما جاء في الآية 38 من سورة المائدة "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا ايْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، لاننا حينها سنرى مئات من الساسة ورجال الدين مقطوعي الايدي.

انّ السرقة حرام، والغشّ حرام، والفساد حرام، والخيانة حرام، واشاعة الجهل بين الناس لغاية في نفس الاحزاب الاسلامية حرام، واكل مال اليتامى والارامل حرام، واستيراد المخدرات وبيعها على شبابنا حرام ما بعده حرام، امّا استمرار سلطة المحاصصة فهي الكفر بعينه. لكي يكون للإنسان العراقي حقوق وفق معايير دولية، فإننا بحاجة الى نظام علماني ديموقراطي لا ينظر لهذه الحقوق من ناحية دينية، بل من ناحية قانونية ودستورية تمنح المواطنين الحق في التظاهر والتجمع والاضراب وممارسة شعائرهم الدينية وحريّاتهم الشخصية ومنها حريّة التعبير بما لا يتعارض ومفاهيم حقوق الانسان.