
اردوغان يؤجج خطاب التحريض والكراهية ضد أوروبا
أنقرة - وصف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان السبت "تصاعد العداء ضد الإسلام" في بعض البلدان وفي مقدمتها فرنسا، بـ"العقلية الأوروبية المنحرفة" التي أودت بالقارة إلى الكوارث مرات عديدة.
جاء ذلك في خطاب ألقاه السبت خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية، بولاية وان شرقي تركيا، قائلا "كل إساءة لنبينا الكريم تستهدف المسلمين جميعًا، وكل إساءة لشخصي تستهدف كل الشعب التركي".
وأضاف اردوغان "مَن يدافع عن التصرفات القبيحة بحق نبي أو زعيم دولة تحت غطاء الحرية يلحق الضرر بمفهوم الديمقراطية".
وتابع "مؤلم للغاية أن يؤدي طريق القيم الأوروبية إلى الدفاع عن الإساءة إلى رموز المعتقدات والمجتمعات الأخرى".
وأشار الرئيس التركي إلى أن العالم يشهد في الوقت الراهن آلام الانتقال إلى عصر سياسي واقتصادي جديد.
وأوضح أن القرن الماضي كان قد مرّ بالبحث عن الديمقراطية والحرية بجانب حروب وممارسات استعمارية لا حدود أخلاقية لها، أدت إلى مقتل مئات الملايين من البشر.
وأردف "إننا نرى بأن أمراضًا مثل الفاشية والعنصرية وكراهية الأجانب لدى الدول الغربية، التي تقدم نفسها على أنها مهد الديمقراطية والحرية، قد انتكست على الفور في أول أزمة خطيرة واجهتها".
ولفت إلى أن البلدان التي كانت لسنوات تشجع قدوم الناس الذين تراهم قوة عاملة رخيصة للعمل في أراضيها من مناطق مختلفة في العالم، باتت اليوم تغلق حدودها في وجه طالبي اللجوء.
وقال إن الذين رأوا رفاهيتهم وأمنهم يتعرضان للخطر والتهديد، بسبب المشاكل الناجمة عن تعصبهم السياسي والاجتماعي، بدأوا يلقون بأنفسهم فجأة في مستنقع الفاشية، مضيفا إن "الهجمات التي نتعرض لها ناجمة عن حبنا للإسلام ولرسولنا والخدمات التي قدمناها لبلادنا وشعبنا ونحمد الله أن شعبنا يرى الحقيقة هذه".
يأتي هذا فيما يتفاقم التوتر بين الرئيس التركي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون على خلفية دفاع الأخير عن الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد وتمسكه بها.
ويحاول كل منهما توظيف قضية الإساءة للنبي محمد التي هزت العالم العربي والإسلامي، في صراع قائم بين الرئيسين منذ العام 2017، حيث يحاول كل منهما التحريض على الآخر وتشويهه.
ويرى محللون أن هناك حسابات جيوسياسية تحرك التوتر بين ماكرون وأردوغان، حيث يتنافس كل منهما على توسيع نفوذه في منطقة المتوسط.
ويبدو أن اردوغان من خلال تقديم نفسه مدافعا عن الإسلام في وجه نظيره الفرنسي، يحاول توظيف القضية لترقيع شعبيته المتآكلة داخل تركيا وخارجها ولتعزيز نفوذه باستقطاب مسلمي فرنسا وأوروبا، بينما يحاول ماكرون الطامح لقيادة أوروبا أن يظهر كزعيم قوي في مواجهة جماعات الإسلام السياسي.
كما يبدو أن ماكرون بصدد الاستثمار في نهج اردوغان والصدامي واندفاعه، مستغلا تصريحاته ومهاجمته في قضية النبي محمد، لتسجيل نقاط سياسية أوروبية ضد الرئيس التركي والحشد أوروبيا لاتخاذ إجراءات ضد تركيا.
واعتبر الرئيس الفرنسي السبت أن نظيره التركي يتّبع "نهجا عدوانيا تجاه شركائه في حلف شمال الأطلسي"، مبديا أمله بـ"تهدئة الأمور" وبعدم إطلاق الرئيس التركي "الأكاذيب".
وفي مقابلة مع قناة الجزيرة أمل ماكرون بأن "يحترم الرئيس التركي فرنسا والاتحاد الأوروبي ومبادئهما، وألا يطلق الأكاذيب وألا يوجّه الإهانات"، وذلك في خضم توترات تخيّم على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وأعرب عن "تفهمه" لمشاعر المسلمين إزاء الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد، دون أن يعلن صراحة رفضه الإساءة للإسلام.
وقال إن "الرسوم الكاريكاتورية ليست مشروعا حكوميا بل هي منبثقة من صحف حرة ومستقلة غير تابعة للحكومة"، مضيفا "أتفهم مشاعر المسلمين إزاء الرسوم الكاريكاتورية".
ولم يعلن الرئيس الفرنسي صراحة رفضه هذه الرسوم أو الإساءة للإسلام، بعد أيام من إعلانه تمسكه بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة.
وفي ذات السياق قال الرئيس الفرنسي إن "ما يمارس باسم الإسلام هو آفة للمسلمين بالعالم، وأكثر من 80 بالمئة من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين"، معتبرا أن "هناك أناس يحرّفون الإسلام وباسم هذا الدين يدّعون الدفاع عنه".

هاجم اردوغان نظيره الفرنسي السبت الماضي ونعته "بالجنون" بسبب حملة أطلقتها باريس ضد جماعات الإسلام السياسي التي تروج للتطرف وتمسُّكِ ماكرون بالرسوم المسيئة للرسول.
واستنكرت باريس تصريحات الرئيس التركي "غير المقبولة" التي شكك من خلالها بـ"الصحة العقلية" للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
واستدعت باريس السفير التركي لديها للاحتجاج على تصريحات اردوغان، معتبرة انها مخالفة للأعراف الدبلوماسية.
وتتواجه باريس وأنقرة في عدد من الملفات، بدءاً من التوتر السائد في شرق المتوسط والنزاع في ليبيا وأيضاً في سوريا، وصولاً إلى اندلاع الاشتباكات أخيراً في ناغورني قره باغ.
بيد أنّ أنقرة بدأت الآن تعرب عن غضبها تجاه حملة يقودها ماكرون لحماية قيم العلمانية في بلاده في مواجهة الإسلام المتطرف، في قضية اكتسبت زخماً إضافياً إثر قتل المدرّس صامويل باتي الشهر الحالي لعرضه رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد أمام تلامذته.
وعمقت تصريحات اردوغان الأزمة الدبلوماسية القائمة أصلا بين باريس وأنقرة في ظل توترات لم تهدأ بين الطرفين وحرب كلامية بدأت مع التدخل التركي في ليبيا وتفاقمت مع انتهاكات تركيا في شرق المتوسط وتأججت مع حملة اطلقتها فرنسا لقصقصة أجنحة جماعات الاسلام السياسي على أراضيها على خلفية تنامي التطرف الديني.
وتأتي مهاجمة اردوغان لنظيره الفرنسي بعد أسابيع من تحول التوتر في المتوسط لعداء شخصي بين الرئيسين، حينما وصف الرئيس التركي ماكرون بأنه "عديم الكفاءة" وبـ"الطامع غير المؤهل".
وتبادل اردوغان وماكرون الإهانات على مدى شهور بعدما اتّخذا مواقف متناقضة حيال عدة نزاعات بدءا من ليبيا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط ووصولا إلى خلاف تركيا مع اليونان بشأن الحدود البحرية والتنقيب عن المحروقات في مياه شرق المتوسط.
وأثار ماكرون آنذاك حفيظة أنقرة عندما أشار إلى أن تركيا "تستحق شيئا مختلفا" عن طريقة تعاطي حكومة اردوغان مع الشؤون الخارجية.
ولوح الرئيس الفرنسي حينها بأن الاتحاد الأوروبي مستعد لفرض عقوبات كبيرة على تركيا إذا لم تضع حدّا لأنشطتها الأحادية الجانب في منطقة المتوسط.
ورد اردوغان على ذلك قائلا إن منطق ماكرون في تحميل تركيا مسؤولية مشاكل المنطقة غير مجدٍ، فيما يتمسك الرئيس التركي بنهجه العدائي تجاه دول الاتحاد الأوروبي ويستمر في توسيع أنشطة التنقيب غير القانونية في مياه شرق المتوسط.