استثمارات حماس تنتقل من قطر وتركيا الى لبنان

قطر تحرك أذرعها الإعلامية للوم حماس بعد تقارب اخوان غزة مع نظام الأسد.

كانت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الى لبنان في مطلع شهر ابريل، والتي تزامنت مع إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرصة لتوجيه رسائل عديدة منها ما هو مباشر ويخاطب الاحتلال الإسرائيلي ويؤكد على استمرارية عمل الجبهة الموحدة من لبنان الى غزة لتشكل مصدر قلق دائم للعدو، كما تضمنت رسائل إقليمية لها علاقة بالاتفاق الإيراني السعودي وذلك من اجل التأكيد على أن محور المقاومة لا يتأثر بالتحولات في سياسات ايران الخارجية وان لبنان وغزة خارج لعبة التوافقات التي حصلت بين طهران والرياض. ولكن لا يخفى أيضا أن حماس ومنذ أن فقدت حليفها التركي وساءت علاقتها مع الدوحة على خلفية تغيير موقفها من النظام السوري تجد نفسها مضطرة الى إيجاد تموقع جديد لرؤوس أموالها ونشاطاتها التجارية من تركيا وقطر الى لبنان خاصة وأن معظم قياداتها قد غادروا الدوحة وانقرة واتجهوا للإقامة في بيروت.

ازدادت حملة الانتقادات القطرية للموقف الحمساوي الجديد من نظام الأسد وأصبحنا نرى ذلك بوضوح من خلال العديد من المقالات التي تهاجم الخطوة التي قامت بها قيادات الحركة في موافقة الاجماع العربي الرامي على التطبيع مع دمشق وعودة العلاقات الى سابق عهدها، على حساب وجهة النظر القطرية التي ترى ان مسالة التطبيع مع دمشق غير واردة لعدم زوال الأسباب التي أدت الى قطع العلاقات معها. وفي الأيام القليلة الماضية هاجم موقع عربي ناشط من بريطانيا وممول من قطر، تلك الزيارة التي قام بها هنية الى لبنان معتبرا ان حماس ترتكب أخطاء بالتخلي عن براغماتيتها في اعتبار ملفّ لبنان منفصلا عن ملفّ خدمتها لمصالح سوريا وإيران، ودعاها إلى مراجعة تجربتها. ثم ذهب كاتب المقال بعيدا في خاتمته حين حملها مسؤولية الوضع السيئ في غزة محذرا من أن الرمي بثقلها في البيت اللبناني سيكون تكرارا لسيناريو غزة، وهي سابقة تكاد لا تحدث في المواقع المحسوبة على قطر التي لطالما وافقت الرواية الحمساوية التي تحمل الاحتلال كامل المسؤولية حتى عندما تغرق شوارع غزة بالأمطار أو تنسد بالوعات الصرف الصحي. من هنا نقرأ أن قطر التي فتحت أبوابها للحركة على مدار أكثر من عقد واحتضنت العديد من المشاريع الاجتماعية في غزة قد تذهب الى أبعد من ذلك من خلال وقف الدعم المالي ردا "خيانة الحركة" لقطر في الملف السوري.

حماس التي نجحت منذ عام في نقل كوادر الحركة من أنقرة وإسطنبول الى لبنان، فكرت أيضا نقل في رؤوس أموالها الموجودة في قطر وتركيا. فاحتمال أن تكرر قطر سيناريو تجميد الأصول المالية للحركة كما قامت به السودان وارد، خاصة وان في ذلك فرصة لابتزاز الحركة من اجل العدول عن موقفها من الملف السوري أو ربما يكون عقابا لها بسبب هذا الموقف. كما ان الخسائر الكبيرة لأموال الحركة في البورصة التركية نتيجة تراجع قيمة الليرة وتوسّع ملاحقة العملات الرقميّة لها وحجز العديد منها إضافة الى انكشاف أمر العديد من المحافظ الاستثمارية وتراجع التمويل الإيراني كلها عوامل أدت الى التفكير في لبنان كقاعدة استثمارية جديدة خاصة وان حزب الله بإمكانه أن يوفر الملاذ الآمن لتلك الاستثمارات والتي تشمل أيضا الانفاق على النشاطات العسكرية بالقاعدة الجديدة للحركة في جنوب لبنان والتي انطلقت منها صواريخ "نصرة الأقصى".

بعد خسارة الحليف القطري والتركي، لا تملك الحركة خيارات أخرى سوى ان تضع ثقلها الخارجي كاملا في لبنان، بما في ذلك مصالحها الاقتصادية، ولكن مشاكل لبنان الاقتصادية وقلق العديد من القادة السياسيين اللبنانيين من تنامي النشاط الحمساوي داخل البلد قد يؤثر بشكل أو بآخر على تحركات الحركة حتى وان كانت مدعومة من الحليف حزب الله الذي يسيطر على القرار داخل لبنان. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: متى تفكر حماس في الاهتمام بالشأن الداخلي الذي يكاد يصل الى مرحلة الانهيار والهيجان الشعبي بدل الاهتمام بنفوذها في الخارج ومصالح قياداتها واستثماراتهم التي لا تضع نصب اعينهم المعاناة التي يتكبدها أهالي غزة جراء تبني خيار المقاومة الذي وان كان فيه بعض الضرورة الا انه تجاهل أن يضع في الحسبان أن الصمود يحتاج الى تقوية الجبهة الشعبية واطلاق مشاريع تنموية بالمال الحمساوي الموجود في الخارج بدل تخصيصه للإنفاق العسكري ولمصالح القيادات في الخارج؟