استدعاء النموذج الإنساني في 'حكاية العمر'

مجموعة غادة مأمون القصصية تتناول تقاطعات الذات الأنثوية مع الواقع الإنساني من خلال سرد نسوي يرصد العلاقات بين الرجل والمرأة عبر نماذج تحاكي التباين الجندري، وتكشف هشاشة الصورة الذكورية في ضوء مفارقات سردية صادمة.

ثمة تقاطع بين الذاتي والإنساني في ما تطرحه النماذج السردية الساعية نحو تقديم حالة إنسانية تخرج من رحمها تلك الكتابات الراصدة لتحولات الواقع وإفرازاته التي تطرح علينا كل يوم العديد من المواقف والصور واللحظات الإنسانية المترعة بالدهشة أحيانا، وبالشجن أحيانا، وبالإشارة إلى عديد من حالات الضعف الإنساني، من خلال علاقات إنسانية معتادة، وربما مستهلكة، ومن ثم إعادة إنتاجها في صور جديدة، وهو ما يمثل نقطة ارتكاز لتأويل ما يمكن أن يدور بداخل تلك الحالات/ المشاهدات للواقع يقوم السرد والحكي على رصدها والتعامل معها من عدة منطلقات منها المفارقة الإنسانية التي ربما تمحورت عليها نماذج عدة لكسر تلك الحالة من الاعتياد، ولتكريس مفهوم قيمي للعلاقة بين الشخصيات وواقعها المحيط.

من خلال "حكاية العمر" المجموعة الأولى للكاتبة غادة مأمون ثمة علاقة ثنائية ترصدها النصوص لكل من الرجل والمرأة، من خلال التعبير بضمير أنثوي سارد يتولى قيادة السرد عن نفسه وعن الأخريات، وعما يعن له من مشاهدات للعنصر الآخر من عناصر الوجود: الرجل/ الذكر تحديدا، لتعبر عن تلك الثنائية، وتتراوح بينها عملية السرد القائمة على إعادة تصوير الواقع، وربما تسجيليته على نحو واقعي صرف لا يجنح كثيرا إلى حالة التخييل التي ربما صنعت لعنصر الحكاية أبعادًا أكثر انطلاقا وعمقًا. فثمة تواجد حقيقي لدور الأنثى الساردة التي ترى العالم من منظور أحادي أنثوي، ربما كان ملائما لطبيعتها، حتى وهي تحاول الربط بين معاناة الرجل والمرأة، وإن كانت الطبيعة (الجندرية) تميل هذه الكفة ناحية الأنثى من خلال ما تعرضه النصوص من نماذج ذكورية تبدو من خلالها صورة الرجل في عيون أنثوية، وتتباين بين الرفض وبين الاستهجان، وبين حيادية العرض بالنسبة للساردة، في حين تبدو النماذج الأنثوية الخالصة من خلال صور للمراة تكاد تتعانق مع المفهوم ذاته، ويكون وجودها أساسيا في كلا الحالتين اللتين تعرض لهما النصوص ولا تحيد عنهما.. ربما كانت تلك هي السمة الغالبة على طبيعة الكتابة في نصوص المجموعة، وهو ما يدفع إلى تكريس حالة كتابة نسوية تكتبها الأنثى الساردة دائما..

شخصيات ذكورية متباينة

من خلال الضمير الأنثوي السارد تحديدا، وفي مرآة وعي الأنثى، تبدو شخصيات ذكورية متضاربة من خلال نماذج ربما استطاعت الساردة من خلالها التعبير عن تلك الهوة العميقة التي تفصل هذا العنصر عن ذاك كطبيعة نفسية تتلون تبعًا للحالة (الجندرية) التي تجعل من الرجل/ الذكر دائمًا محط أضواء كاشفة ناقدة، تبين إلى حد كبير مظاهر الضعف الإنساني الذي يتوارى في القشرة الخارجية للرجل والتي تتعارض معها، لتحكم المفارقة في مزيد من الحالات نهاية الحالة السردية أو الحكائية التي تسوقها الساردة..

 ففي نص المجموعة الرئيس "حكاية العمر" تبدو شخصية الكاتب/ النموذج من خلال حالة هيام تنتاب الساردة/ الأنثى، تكشف عن طبيعتها الأنثوية الحالمة، للكشف عن سماتها الداخلية هي ذاتها ونمط تعامل الرجل/ الكاتب معها ما يحفر في الذاكرة وينشط الوعي، وما يأتي من خلاله من إعادة ترتيب واقع مرئي ومحسوس لها على حد السواء إذ ترتبط  الحكاية بالنموذج الإنساني، على أي حال من الأحوال، وإن كان من خلال العلاقة مع الرجل سواء كانت افتراضية أو حقيقية:

"الطفلة بداخلي والتي ما زالت بضفيرة لم تتحمل هذه الأضواء حول الفارس الذي تعشقه، وفي كل مرة يغضب بشدة من ردة فعلي لكنه سرعان ما يحتويني. انتظرت أن يفاتحني في طلب الزواج، وإلا ما مصير هذا الحب، ووسط نشوة حبي له لم أفكر مرة أن أسأله عن ظروفه الأسرية، أو ربما كنت أهرب من هذا السؤال لتفادي الصدمة"

حيث تبدو صورة الرجل/ المثال الذي لا تناله/ تصل إليه الذات الساردة، في ظل رومانسية شديدة تتعارض مع الواقع في إنهائه لتلك العلاقة الحالمة بضياع النموذج الذكوري سواء بالمرض أو بالزوال بأية صورة من صور النهايات الحتمية للوجود. على العكس تمامًا من سلوك شخصية (الداعية) التي يتنافى سلوكها مع المنظور الديني والقيمي الذي يجعل نموذجًا أنثويًا آخر يكتشف حقيقته في نص "السجان" الذي تبدو فيه نتيجة مخيبة للآمال، كمفارقة صادمة أيضًا، وإن كان من خلال تعلق وهمي أو شرطي وضعه "السجان" في صورة الداعية، للأنثى التي فرغت من مشاعر تعلقها به..

"كان الأمر مدهشا كأنه فيلم تتابعه ولا تدري نهايته، فيلم لم يمر بها من قبل، لذلك لم تدر ماذا تقول ولا كيف تجيب سواء برفض أو قبول. الأمر كبه فيه شيء يربك تفكيرها وعقلها، ويحير قلبها. مكانة هذا الداعية الكبيرة كانت شبه قدسية، كانت تراه عاليا عاليا، أما الآن!... هربت بعينيها منه هامسة وهي تهم بالقيام: اسمح لي بالانصراف لكي أستوعب الأمر"

هنا تبدو كينونة الأنثى محركة لها على نحو كبير من الوعي والإحساس بالقيمة، وإعمال العقل في وصد متناقضات تعج بها الشخصية المتدينة في قشرتها الخارجية، والهشة من داخلها، وهو أيضًا ما يمثل صورة من صور المفارقة الصادمة، والتي تتعامل معها الأنثى بهذا المبدأ الحاسم للجدل، في ردة فعلها تجاه الداعية، وهو بالطبع ملمح إيجابي يكرس لمعنى الفضيلة الحقيقية التي ربما كانت من مهام الداعية العمل على التحلي بها والحض عليها.

وهو ما ينقل هذه الحالة البانورامية إلى نموذج آخر في نص "بقايا حلم" ربما بدا وجوده هامشيا في سياق الحكايات المتواترة  لنماذج المرأة داخل النص، ولكنه يؤدي وظيفة مهمة في جذب الانتباه إلى إشكالية اجتماعية ونمط من أنماط التعامل السيء مع المرأة/ الأنثى في محيط وجودها، ومن خلال ضمير الغائب الذي ترصد من خلاله الساردة تلك الأزمة الجديدة التي تشتبك فيها المرأة مع الرجل وكقضية اجتماعية خطيرة، ضد حرية المرأة في الاختيار، وبناء حياة لها حساباتها المادية قبل العاطفية والوجدانية:

"أما كريمة الوحيدة التي لم تطلب سوى الحب فلم تتحقق أيضا أمنيتها، وأجبرها أهلها على الزواج من شخص قاس فظ غليظ القلب، ظلت أعواما تتقلب على جمر العذاب، وطالبت زوجها مرارا وتكرارا بأن يطلق سراحها بعدما صار في عينيها حلادا يرهبها في كل يوم بسياطه، لكنه كان يصر على إهانتها"

هكذا اجتمعت صفات مذمومة في نموذج ذكوري مثلت بتحولاتها، وباكتشاف المسرود عنها الذاتي بالتجربة التي تتعارض مع مفهوم الحرية والاختيار، وقضية إجبار الأنثى على أي شيء يتعارض مع رغباتها وطموحها في مجتمع لا يعترف بذلك ولا بخطورة أهميته، من خلال صيغة تلخيصية للحالة وتاريخ مختصر اختزلته الكاتبة في عدة سطور، وهو ما يغلب أسلوب الحكي على السرد في متن النصوص، إلا أنه يقدم ما يشير إلى الحالة الإنسانية بل ويجسدها. وعلى العكس من ذلك ينحاز نص "الشبح" إلى العنصر الذكوري في كونه شخصية مغلوبة على أمر واقعها، مع تلاشي كل الآمال التي تحولت إلى ذكريات في سياق العلاقة مع الساردة التي تنصف تلك الشخصية، وهذا النموذج الذي تعرض لضغوطه الاجتماعية ليرتحل ويبحث عن ذاته، وليمثل أيقونة للحب والرومانسية تعلق بذاكرة الأنثى ولا تخرج منها، وكحالة من حلات الاشتباك أيضا مع الواقع بمثالبه وعيوبه التي يبدو أثرها على الرجل والمرأة معا في علاقتهما الأزلية:

"لو كان هو شريف سيكون أجمل اعتذار من الحياة على الجراح الغائرة التي تسببت فيها على مدار عمري.. شريف الحبيب الذي لا أنساه، فرقتنا الأيام قديما، أصبت بانهيار عصبي بعد رحيله وزواجه من سيدة أجنبية خلال فترة عمله بالخارج. وخرجت من محنتي بذكريات لا تغيب"

هنا تبدو صيغة الاعتراف الأنثوي مبطنة وملتبسة في حالة أقرب إلى السرد منها إلى الحكي، وهي تلقي اللائمة على الأقدار والظروف الاجتماعية، وربما ألقت باللائمة عليه، أو على نفسها في ماض تفلت وضاع، وبالرغم من ذلك عاشت لحظات الحنين الطارئة، إلا أن حيازتها لتلك الذكريات الجميلة التي تنعش حاضرها وتجعل له مذاقا برغم الغياب وعدم وجود المحب، تمثل نوعا من الاستيعاض والنرجسية في الوقت ذاته حينما تحتفظ بحقها وحدها في الاستئثار بالذكرى وما يحركها من حنين، كتدعيم للذات في وقت تشعر فيه بخيالات هذا الحب.

كما تبدو صورة أخرى من صور الرصد الاجتماعي لشخصية ذكورية في نص "حبات الكرز" يبدو فيها العجوز المتصابي في حالة إدهاش لكل من حوله، وبخاصة العين الساردة/ الراصدة والمشتبكة مع الحدث، والتي استطاعت أن تلتقط حالة من حالات التشوه الاجتماعي والارتداد لمراحل المراهقة والشباب الطائش من خلال هذا الرجل الذي يعد أيقونة جديدة للاستهتار، والانفلات الخلقي، وهو ما يثير دهشة المفارقة أو صدمتها:

"أصابتني صدمة كادت تفقدني الوعي عندما سمعت هذا الرجل يشرح لهم بدقة كيفية الدخول على المواقع الإباحية التي تعرض الأفلام الممنوعة.. فهمت في هذه اللحظة سبب همس وغمز رفاقه عندما كنت أمنحه الفاكهة. لملمت أغراتضي للفرار من هذا الوكر المشبوه، سمعت صوته ينادي علي: إلى أنت ذاهبة، وأين "حبات الكرز"؟.."

وهو ما يعكس سلوكًا مضادة من قبل الساردة التي تجتفظ بمعايير قيمها الاجتماعية والإنسانية، بإشارتها إلى الحالة مع احتفاظها بحق رد الفعل الملتزم أو المحافظ على التقاليد بالرغم من انفتاح المجتمع على مصراعيه للعلاقات المتعددة اجتماعيا وإنسانيا على كافة أصعدة الحياة ونماذج المكان التي منها النادي الاجتماعي، ووسائل التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية وتأثيرها في تقديم سبل الانحراف والتطرف الأخلاقي، وغيره إلا أن احتفاظ النموذج الأنثوى بهذه المعادلات النفسية بوجوب الحفاظ على المسافة بين الواجب وغير الواجب تعد عنصرا قيميا إيجابيا يحتفظ للأنثى بحق الرفض لتلك النماذج التي لا تعي قيمة العلاقات الاجتماعية ولا قيم الحياة من حولها.

الأتثى بين الأمل، وانكسار الحلم

على التوازي تبدو صور الأنثى كعنصر غالب في صلب نصوص المجموعة التي تكون فيها الساردة العليمة، عن غيرها، والذاتية المشاركة في الحدث/ الحكي المتواتر في النصوص كسمة غالبة، وهو ما يرشح العديد من النماذج الأنثوية التي تطرحها الكاتبة بوعي الساردة لتعبر عن فئات متعددة ونماذج تشير إلى حد بعيد - دون الانفصال عن وجودها إلى جانب العنصر الذكرى – إلى مدى ما تعانيه تلك الأنثى في واقعها وتضارب أحوالها ومشاعرها وكينونتها، ففي نص "أمل" تقول الذات الساردة:

"لكني كالعادة لا أقف عاجزة أمام الأزمات، بل أتحرك وأبحث لنفسي عن موطئ قدم في دنيا السعي، بدأت أفكر في حل لتغيير هذا الواقع لكن واجهتني حقيقة لا مفر منها هي سوء حالتنا المادية. فهل أعجز أمامها؟"

بهذه الصيغة التقريرية تقدم الأنثى سماتها الجديرة بالاحتذاء، وتطرح الساردة سؤالها الوجودي الذي يؤكد فعاليتها في دائرتها وحرصها على تقديم النموذج المثابر المتمسك بالأمل (كعنوان للنص) أفلح أن يكون ملاذا للساردة في مواجهة كل ما يعترض طريقها من يأس وقنوط، وهو ما يمثل أيضا القيمة الإيجابية التي لا بد أن يتمسك بها الفرد سواء كان ذكرا أو أنثى ليستطيع أن يحقق معادلة وصوله إلى غايته بغض النظر عن التفاصيل الدقيقة لذلك، فكل الشعاب لا بد أن تؤدي إلى غاية واحدة، وهي التغلب على اليأس والاحتفاظ بقيمة الأمل. فضلا عن الدور الاجتماعي/ الأسري الذي قد يحبس الأنثى في دائرة، وقد يمنعها من الخروج منها كدور قدري تلعبه في الحياة، وربما اقتصرت دورة حياتها على ذلك، وهو دور شهير على مسرح الحياة، ونمط متكرر تسهل مراقبته ورصده، في نص "فستان أبيض" حيث تقول الذات الساردة التي انفرطت سنوات عمرها دون تحقيق غاية غير تلك الحالة من الوجود التي تشبه حالة الشمعة التي تحترق من أجل أن تنير للآخرين، وهو نموذج شائع:

"كنت قد كرست حياتي لرعاية أبي وأمي بعد انشغال جميع أشقائي كل منهم بحياته، لم أرفض ولم أسأل كيف ولماذا، بل رأيته تكريما وتشريفا لي أن أكون دوما معهما. أرى أولاد إخوتي وأتابع حياة كل منهم مشاكلها وأفراحها وأتراحها، كانت المشاكل حياة يعيشونها، أتمناها"

يبدو هذا النموذج المفتقد لثمرة الحياة والوجود في تناقض مع حالة الحلم التي تشير إليها مفردة العنوان "فستان أبيض" إلى الأمل في اللحاق بقطار الفرح والحياة، والتي تتمثل في التعلق بنموذج ذكوري آخر قد يكون قد لعب دورًا استثنائيًا في دورة حياة الأنثى، وخاتلها واقعها من خلال وجوده الطارئ فيها، كتقاطع جديد من تقاطعات علاقة الأنثى والذكر في النصوص، إلا أن النهاية الصادمة والمفارقة تتكرر في نمط آخر من أنماط الرجل وعلاقته بالأنثى وقد تعددت صور وجودها وتباينت في فضاء وجوده؛ مما يعطي ميزة الاختيار والبقاء للأصغر سنا، والأصلح لاستمرار مسيرة الحياة، فالنص ينتهي بتلك النهاية التقليدية المعتادة التي لا تستطيع احتمال تحقيق الحلم:

"لم أصدق عيني بعد التقاط الصور وهو يأخذ الفاتنة من يدها ويغادر القاعة في سعادة. بقيت في مكاني مخنوقة بباقة الورود التي أنشبت أشواكها في عنقي. خف الزحام، لململت مشاعري وقمت أجر ساقي لباب الخروج، كانت باقة الورود بيدي، ألقيتها أرضا وأكملت المسير"

تمثل ردة الفعل/ النتيجة هنا ملمحا من ملامح الانكسار التي تخرج بها الساردة من نص مفعم بالشجن، يتآلف مع نبض حياة تعبر عن شخصية مستلبة من الواقع في حين كونها معطاءة لا يعطيها الحق في تجاهل ما يمكن أن تحظى به من الحياة ومعطياتها التي تتعامل معها من منطلق الخذلان وعدم الوفاء لها على مستوى الوجدان، في مقابل كل ما قامت به في تاريخ طويل لا يشفع لنهايات سعيدة.. كما تتواتر في المجموعة النماذج التي تعبر عن تلك الحالات/ المواقف التي تجابه الأنثى كساردة ومسرود عنها على حد السواء هذا المد من المشاعر المزيفة التي يكون بطلها الرجل أو الأنثى في حال أخرى، فما بين نصي "الثعلب"، و"ميلاد جديد" تأتي مفارقة الوجود للرجل والأنثى على حد السواء، فها هي أنثى نص "الثعلب" يقول عنها السارد العليم/ الساردة الخارجية بضمير الغائب في مواجهة آفة الكذب التي يتعامل بها الرجل مع المرأة:

"حاولت لملمة ما تبقى من مشاعرها لتظهر أمامه صامدة قوية ولا تبالي بوجوده، لكن الحقيقة أنها عاشت الأزمة من جديد كأنها تعيش لحظتها بنفس النيران والألم والقهر والضياع"

 ما يعمل على إعادة إنتاج الحالة/ التكرار المعتاد في نماذج البشر وفي ذات المسرود عنها، والتي تأتي كنتيجة لحالة/ علاقة ملتبسة بين التحقق والتفلت، والتي تتمحور حولها جل العلاقات الإنسانية التي تتفاوت فيها حالتا الصدق والكذب وتتناوبان على الوعي كمرآة حقيقية كانت أو زائفة، فيقول النص بضمير المسرود عنه الرجل هنا هذه المرة في نص "ميلاد جديد":

"ضجيج كبير قاومتُهُ بصعوبة قبل أن تمتد يدي لتصمت إزعاج المنبه، تجاهلت الحلم رغم سعادتي به، ارتديت ملابسي للذهاب إلى العمل فإذا بقدميَّ تأخذاني إلى الحديقة التي شهدت فصول رحلتنا معا، والتي ينطق كل ركن فيها بصدق مشاعري نحوها"

ما يعكس حالة التفاوت في تلقي واستبطان المشاعر الإنسانية، لدى كل من الرجل والمرأة، كما يعكس توحدا بينهما في كنه المصير وغاياته، وكونهما عنصرين متناغمين أو متنافرين، حيث تقوم على أساس تلك التركيبة رؤية الواقع التي تكرس لها الكتابة عبر سلسلة من الحكايات والتقاطعات الإنسانية التي تستدعي أنماطًا للنماذج الإنسانية لا تستثني الرجل، بل تستدعيه، ولكنها تسعى لمعالجة واقع المرأة/ الأنثى بحس أنثوي، وكتحيز "جندري"/ رؤية بطبيعة الحال للأنثى على الرجل، ما يؤسس لكتابة تنتهج الاتجاه النسوي في الأدب بما له وما عليه.