استهداف الدعم السريع مطار بورتسودان ينذر بتحول في مسار الحرب

مدينة بورتسودان التي تضم المطار الرئيسي للبلاد ومقر قيادة الجيش وميناء بحريا، تعد المكان الأكثر أمانا في السودان.
النزاع الحالي في السودان من المحتمل أن ينتهي بتفكك البلاد بدون أن يوقف الحرب.

بورت سودان (السودان) – استهدفت ضربة نفذتها قوات الدعم السريع لأول مرة مطار بورتسودان، المدينة الواقعة على البحر الأحمر والتي تتمركز فيها الحكومة الموالية للجيش وذلك بعد أن حققت تقدما في مناطق أخرى، فيما يرى محللون أنه من المرجح ظهور سيناريو مشابه لليبيا واليمن، في حال لم تستطع الأطراف المتحاربة الجلوس الى طاولة المفاوضات والتوصل إلى وقف إطلاق النار.

وقال المتحدث باسم الجيش إن قوات الدعم السريع "استهدفت هذا الصباح قاعدة عثمان دقنة الجوية ومستودعا للبضائع وبعض المنشآت المدنية بمدينة بورتسودان بعدد من المسيرات الانتحارية" من غير أن يسفر الهجوم عن وقوع ضحايا.

ويمثل هجوم الطائرات المسيرة على بورتسودان تحولا كبيرا في الصراع المستمر منذ عامين بين الجيش وقوات الدعم السريع. ونجت المناطق الشرقية، التي تؤوي عددا كبيرا من النازحين، من القصف قبل شن الهجوم.

ورد الجيش بتعزيز انتشاره حول المنشآت الحيوية في بورتسودان وأغلق الطرق المؤدية إلى القصر الرئاسي وقيادة الجيش.

وتعد مدينة بورتسودان، التي تضم المطار الرئيسي للبلاد ومقر قيادة الجيش وميناء بحريا، المكان الأكثر أمانا في السودان الذي مزقته الحرب.

وتفاقمت في الأيام الأخيرة حدة القتال في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في مختلف جبهات القتال، لا سيما في درافور والخرطوم وكردفان.

وأعلنت قوات الدعم السريع سيطرة قواتها على الخوي، وهي بلدة تقع على بُعد نحو 100 كيلومتر شرق النهود، فيما أفاد شهود عيان بأن قوات الجيش انسحبت باتجاه مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان.

الجيش السوداني غير قادر على هزيمة قوات الدعم السريع التي لا تزال تحتفظ بسيطرة قوية على ما يقرب من ربع أراضي البلاد وخاصة في الغرب.

وتزامن هذا مع شن قوات الدعم السريع غارة بواسطة مسيّرة استهدفت مدينة كسلا على الحدود مع إريتريا. ونقلت فرانس برس عن مصدر حكومي قوله إن "مسيّرة استهدفت منطقة خزان الوقود في مطار كسلا" على مسافة حوالى 450 كلم شرق الخرطوم، بدون الإشارة إلى وقوع ضحايا أو أضرار.

 وتقع كسلا على بعد أكثر من 400 كيلومتر من أقرب مواقع لقوات الدعم السريع جنوب مدينة أم درمان غرب الخرطوم.

وتتواصل الاشتباكات العنيفة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور والتي تعتبر آخر معاقل الجيش السوداني والقوة المشتركة المتحالفة معه في الإقليم الذي سيطرت قوات الدعم السريع على معظم أجزائه خلال الأشهر الأولى من اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023.

ومع احتدام المعارك في عدد من محاور القتال بالسودان تتدهور الأوضاع الإنسانية، حيث أشارت تقارير إلى استمرار فرار المدنيين إلى مناطق آمنة نسبيا في ظل نقص حاد في مواد الإيواء والاحتياجات الغذائية والطبية.

وأعلن قائد ثاني قوات الدعم السريع عبدالرحيم دقلو، الأربعاء، عن البدء في تحشيد مليون مقاتل لمساعدة قواته على مواصلة القتال، مؤكدا عزمه على توسيع عملياته في شمال السودان.

وبحلول أواخر شهر مارس/آذار، استعادت القوات المسلحة السودانية العاصمة الخرطوم  وسيطرت على القصر الجمهوري وسيطرت على معظم العاصمة مع انسحاب مقاتلي الدعم السريع. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تتمكن القوات المسلحة السودانية من هزيمة قوات الدعم السريع بشكل كامل، إذ لا تزال الدعم السريع تحتفظ بسيطرة قوية على ما يقرب من ربع أراضي البلاد وخاصة في الغرب.

ومن غير المرجح أيضا أن تتمكن قوات الدعم السريع، بدورها، من استعادة الأراضي التي فقدتها في الأجزاء الشرقية والشمالية والوسطى من البلاد، وهي الآن تركز جهودها على تعزيز قبضتها على منطقة دارفور الممتدة.

ونشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لمي حسن، الأستاذة المشاركة معهد ماساشوستس للتكنولوجيا أو "أم.أي.تي"، مع أحمد كودودا وهو خبير في السياسات والعمليات الإنسانية، مختص في الصراع والتنمية في الدول الهشة، قالا فيه إن النزاع الحالي في السودان من المحتمل أن ينتهي بتفكك البلاد بدون أن يوقف الحرب.

فبعد عامين من القتال المدمر، وصلت الحرب الأهلية في السودان إلى طريق مسدود. ومنذ بداية عام 2025، حققت القوات المسلحة السودانية والميليشيات المتحالفة معها مكاسب كبيرة ضد قوات الدعم السريع، حيث يتنافس الفصيلان للسيطرة على البلاد.

وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، بدأت حدة القتال في التراجع، ولكنها تشتد مرة أخرى في عاصمة ولاية شمال دارفور مدينة الفاشر، المعقل الأخير المتبقي للقوات المسلحة السودانية في غرب السودان. وبما أن خطوط المواجهة في الحرب باتت واضحة إلى حد كبير، فالسوابق التاريخية تشير إلى أن الآن قد يكون الوقت الأفضل لوقف إطلاق النار أو حتى إجراء مفاوضات السلام.

وفي الواقع، قد يبدو أن التقسيم القانوني، على غرار انفصال جنوب السودان في عام 2011، الخيار الأقل سوءا. وبخاصة أن الشعب السوداني يحتاج إلى فترة راحة. فقد أدى الصراع الأخير إلى تدمير البلاد وأسفر عن مقتل ما يصل إلى 150.000 شخص ونزوح ما يقرب من 13 مليونا، وما يصل إلى 25 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد أو المجاعة.

ومع ذلك، يرى الكاتبان أنه من الوهم التفكير بأن الحرب الأهلية في السودان ستنتهي بمفاوضات تقود إلى سلام دائم.

والسبب هو أن النزاع الذي دخل عامه الثالث عمل على تعميق خطوط الصدع العرقية والإقليمية القائمة. وهناك مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، بما فيها الدول الأجنبية القوية، لديها مصلحة في استمرار دعم فصائلها المفضلة، بشكل يجعل من التوصل إلى تسوية سلمية تقود إلى تشكيل حكومة واحدة أمرا صعبا.

ولا يستبعد الكاتبان ظهور سيناريو مشابه لليبيا واليمن، حال استمرت الأطراف المتحاربة في رفض وقف إطلاق النار أو محادثات السلام. وهو ما يصفه الكاتبان بأنه انقسام بحكم الأمر الواقع، حيث يظل السودان قائما بالاسم فقط. وستسيطر مراكز القوى المتنافسة على أجزاء مختلفة من البلاد فيما تستمر الحرب بين العديد من الجماعات التي تقاتل اليوم، إلى جانب الجماعات الجديدة التي من المرجح أن تظهر في المستقبل.

وبشكل مشابه، لا يمكن وصف الحرب الحالية في السودان على أنها نزاع واضح بين طرفين. رغم أنها بدأت بخلاف بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، أو حميدتي. فعلى مدى العامين الماضيين، اتسع مجال النزاع إلى حرب أكبر من مجرد صراع بين جنرالين، وباتت تضم اليوم العديد من المجموعات السودانية والرعاة الأجانب ذوي القدرات الجيدة مثل مصر وإيران وروسيا والسعودية وتركيا والإمارات.

كما نشأت ميليشيات جديدة مستعدة للتحالف مع طرف في الحرب، وانضمت جماعات مسلحة أقدم إلى القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع. وتشمل المجموعات الأقدم الميليشيات القبلية والإقليمية الرئيسية، مثل جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، وكلاهما متمركز في منطقة دارفور ومتحالفان مع القوات المسلحة السودانية، فضلا عن الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، وهي قوة متمردة قديمة تحالفت مع قوات الدعم السريع.

ونوه الكاتبان أنه لا القوات المسلحة السودانية ولا قوات الدعم السريع تدعيان أنهما تخوضان الحرب لأسباب أيديولوجية. وعلى الرغم من أن قيادة القوات المسلحة السودانية وصفت معركتها بأنها معركة غير طائفية من أجل بقاء الدولة، فقد هيمن الإسلاميون على صفوف كبار ضباطها لمدة تقرب من أربعة عقود. وبعد أن سلح نظام البشير ميليشيات الجنجويد لمواجهة التمرد الذي كانت تقوده مجموعات غير عربية في دارفور، قام في عام 2013 بتنظيم هذه الميليشيات رسميا ضمن قوات الدعم السريع.

ويرى الكاتبان أن أهم دافع للحرب الحالية، هو محاولة السيطرة على المعادن الثمينة للبلاد ومقدراتها الزراعية. وتتمتع البلاد باحتياطيات ضخمة من الذهب ولديها ثاني أكبر مساحة من الأراضي الصالحة للزراعة في أفريقيا، وهو ما جعل القوى المحلية والأجنبية تتنافس للسيطرة على هذه الموارد.

وغياب البعد الأيديولوجي من النزاع الحالي في السودان يجعل -وإن نظريا- من إمكانية التفاوض على توزيع الثروة والمناصب بين الطرفين أو الأطراف المتحاربة أمرا سهلا، لكن واقع الحرب غير ذلك، فرغم قدرات الجيش السوداني العددية وسيطرته على المجال الجوي، إلا أن مقاتلي الدعم السريع لديهم خبرة في حرب المدن، وهذا سبب سيطرتهم على الخرطوم ومدن أخرى لمدة عامين. ولم تنجح عدة جولات من المفاوضات في السعودية لجمع المتحاربين ودفعهم لتسوية.

ولعل المانع للحل هو أن كل الجهود لحل النزاع السوداني أساءت فهم ديناميته، فلا الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع قادر على هزيمة الآخر. وقد استطاع كلاهما الحفاظ على مكاسبه أو توسيعها بطريقة أقنعت الداعمين المحليين لهم والإقليميين بإمكانية تحقيق مكاسب.

وعلاوة على ذلك، لا يبدو أن أي طرف في النزاع مستعد للتنازل أو خسارة المكاسب المادية ومصادر الثروة التي حققها.